![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#1
|
||||
|
||||
![]()
لا يرى من على تلك الهضبة غير أنقاض تلوح للمسافرين. حيث يشاء المرء معها أن يكتفي بمنظر عن بعيد ولا يعزم على أن يعيش هنا غير مرة واحدة فقط. هنا ولد التاريخ دون شهادة ميلاد؛ وهرم من كثرة المبالغات والتي من فرط ما فيها يصدقه العلم بل ويثني عليه ترغيباً وترهيباً. من بعد ما كنت أخطو عتبات ذلك القصر الأحمر؛ أصبحت بين الشك واليقين من حقيقته وعما إذا كانت هذه القصة قد حدثت أو على مشهدٍ مني قد وقعت.
السقف يناوئ السماء , وتحرث الشمس بأشعتها الخرساء مسامات جلد يتدفق ويزم ينابيعاً من العناصر. أنا بحاجة إلى أن أعرف هذا الرجل الذي شيد هذا الصرح المهيب وتركه ملجأً للهوام دون أن يرتاح له أو يظل فيه. ولأنني أريد أن أتعرف عليه جيداً والجلوس معه والحديث حتى أتلمس خيط النفوس في تلك الفترة الضاربة في النسيان؛ ورغم ذلك لا زلت أتتبع الشواهد على أحقية هذا القصر بتسليط الضوء عليه لجوانب عدة ليس أقلها أهمية هو هدمه والبناء عليه بكوخ أشبه ما يكون بالأكواخ الجبلية والتي يستعان ببنائها بعبيد لحمل صخوره الكبيرة. إذن فالكوخ الجديد جء ليدمح سالفة البيت العتيق والمسكون بأرواح مرعبة نائمة على مصاريع الشرفات وفي أسلاك الكهرباء ذات القناديل وأكثر ما يكون عليه الحال عندما ترى أبواب الحمامات نصف مفتوحة. لا أعتقد أن الكثيرين من مجايلي وعلى أغلب المناحي قد رأوا هذا القصر الأحمر والذي يتخذ موقعه الجبلي موضوعنا الأساسي في ردم الفجوة بين الماضي والحاضر المعاصر وبين التقليد والأصيل المتجدد. لكنني كنت قد ساهمت في تكسير كل حجر من حجارته الجيدة الصنع؛ بشكل أو بآخر شاركت يوماً من الأيام العبيد الذين جاؤوا من حيث لا أحتسب ولا أدعي بأني تطوعت مرة أخرى لتشييد الكوخ الذي أقامه ( ) هناك من استحوذ على الخشب القندل والعازل. وهناك من سرق الحديد الألمنيوم؛ والكثير من المقيمين استعادوا وعيهم فجأة وكأ، من أفاقهم من غيبوبة استمرت لثلاثين عاماً. من يقف على أطلال ذلك البيت الأحمر لا يلبث أن يرجع إليه البصر لمرأى حصن القرية المنيع. والمعين لهم في بلائهم هو الأب المحامي والذي يقف شامخاً في وجه الزمن مهما حلت بهم الكوارث أو غابت عن أفراحهم ذكرى الأمومة التي تشد من عزم أبنائها حتى لو رحلت. قد يستغرب البعض سبب إقحامي بنفسي في متاهات هذا الشيطان الأحمر وأروقته وزجي بحريتي مع مصير هذا المارد الأحمر والذي أضحى أسطورة الحي ما بين مؤيد لهدمه وما بين معارض. ولكنها الصدف هي تلكم التي ساقتني إلى أن ألج عتبات ذلك العرش والذي تربع عليه كل من هام على وجهه أو تاه في حنايا الأوردة الشريانية. ما كنت أراه هو الأحمر والمتطاير جراء حصار وتقتير. إنها حرب كانت على وشك أن تخمد لو لا أن أضرموا فيها أهلها بالفساد؛ ولا تستغرب مني أن قلت أن حرباً من تلك الانواع التي يعلو فوق صوتها من يصرخ: "وا أحمراه". كنت أراه يفتر عن مرمر من صنيع اولئك القوم؛ كانت تحكمهم امرأة؛ وأعحب كل العجب هو ليس في ولائهم المطلق لامرأة ولكنه هو السر الغامض في صعوبة تخطي تلك العتبات حتى آخر طابق المكونة من ثلاثة. ××× تدور رحى الأيام و() لا يحيد عن أقبية الكوخ المجاور قيد أمتار, والممرات تردد باسمه ذاك المنحدر الصخري والذي يرتبطان معاً بعلاقة وطيدة مفادها توارد الخواطر بينهما وامتزاج أرواحهما زمناً طويلاً؛ تشهد أروقة الأماكن له بالصلة المتأصلة. كل مساءٍ يخرج من بيته تاركاً أطفاله وراءه غير عابئٍ بهم فلديهم ما يحتاجونه من مأكل ومطعم وملبس ودثار يؤيهم عندما يشح عليهم الكوخ والمكون من حجرتان طينيتان لا تكفان عنهم تسريب يأتي يأتيهم من أعلاهم ومن أسفلهم. الأمطار كانت تشكل تهديداً صريحاً كل موسم يتوعدهم بفيضان محدق بهم؛ والدواب الليلية كالعقارب كانت لهم بالمرصاد ومن حيث يكون هاجسهم أولاً وأخيراً وصباحاً مساءاً. يجلس على ذلكم المنحدر الصخري يراقب الأطلال والتي عفى عليها الزمن, أمامه جبل من ورائه جبل ويتوسط الوادي السحيق واحة من نخل وأشجار من السدر والسلم. يتأمل تلك المزارع الخضراء والدور والأكواخ الحجرية مستعيداً ذاكرة الأهل والأصحاب والذين لهم بصمات على كل حجر وجذع نخلة. هناك رابط وثيق ما بين كل فرد من أبناء هذه البيئة؛ أواصر الدم تحترق لبعضهم البعض, فالجيرة والرضاع تجري في عروقهم , وما إن يختلفون على أمر من أمورهم المعيشية حتى يعودوا في توادهم وتراحمهم إما بشجار ومخاصمة أو باتفاق ضمني يرضي الأطراف فيما يحكم أمرهم حكم. كان الزمان أقرب بكثير عما هو عليه الآن؛ وحقبة العصر ينبثق منها مساء يشبه البارحة؛ إضاءة صفراء وبيضاء مزخرفة توزع وهجاً على أنحاء الهضبة الجبلية؛ الكل هنا في الجوار يسمع الشجار ما بين فلان وفلان؛ ومن يريد الإنزواء من فضيحة لا سمح الله فإنه يعدو تجاه الدرابزين المؤطر بألمنيوم أصفر؛ ليتبع الصوت. الصبية الصغار يرمون المطرودين بالحجارة ويقذفونهم بالسباب والعتاب حتى يتحولون من ملجأهم الوحيد ذاك فارضين على أنفسهم التيه في الأودية والجبال. والأهل تاركين رسن الأعنة لأطفالهم ليتعلموا من مدرسة الحياة شؤونهم الدينية والدنيوية قبل التحاقهم بالمدارس التربوية. ومن يربو عمره على العشرين عاماً فإنه يستطيع بناء كوخ وإقامة مأدبة ينضوي تحت لوائها عشيرته الأقربين إحتفالاً بزواجه. لا زالت مساكن أولئك القوم قائمة على عروشها ؛ ومن غاب عن الهضبة فهو في ذمة الله حتى يرجع. قد أكون منصفاً إذا قلت أن أحداثاً جسيمة تدوي أصدائها في تلك الفترة القديمة والتي كانت فترة الحداثة إيذاناً بانهيار المعلم العتيق. |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#2 |
مشرف مجلس بني عدوان عضو متميز ![]() |
![]() ماضٍ تليد ، تدثر بحاضرٍ مجيد ..
غير أن الوقت لم ينصف أحدهما من الآخر فالحقبتان لم يتسنى الوقت لأهلها للنظر لأبعد مما هم فيه .. لربما جيل قادم يسطر حروفٍ مطرزة بالذهب وهي تمجد حقبة لم ولن نتجاهلها ولكننا لم نفرغ لها .. |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
|
|
![]() |
||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
موقع يوفر خدمة البحث البحث عن الوظائف وعرضها في منطقة الخليج (ثبت) | الهنوووف | التدريب والتوظيف | 3 | 28-08-2010 03:37 AM |
البيت الأحمر | الفقار | المنتدى العام | 16 | 06-08-2008 02:06 AM |
الحب الأحمر | حمدون11 | المنتدى العام | 13 | 28-03-2008 12:31 AM |