[align=center]الحب والعمل
الحب والعمل عاملان رئيسيان في تكوين السواء النفسي عند الناس جميعا، والعمل هو ما يسميه البعض الإنتاج، في حين أن الحب يمثل المظلة التي تقبع تحتها كل أنواع السلوك الإيجابي نحو ذواتنا ونحو الآخرين، لأننا نستطيع ببساطة أن نرى الحب في كل أنواع السلوك المتجه منا نحو الآخرين، فالكرم لا ينطلق من الفرد ولا يظهر منه دون حب، والأمر ذاته نجده في الصدق، والإيثار والأخلاق الحميدة بصفة عامة كلها تحتاج إلى الحب سواء كان حبا نحو الذات أو نحو الآخرين، وحتى طاعة الوالدين والعطف على فقير أو محتاج كلها تحتاج إلى الحب الذي يمثل المحرك الرئيسي لهذه الأنواع من السلوك والتي تمثل صورا من الإنتاج.
أما العامل الثاني الرئيسي للسواء النفسي فنراه في العمل، ومن المثير للتأمل أن الله عز وجل قد جعل لدى جميع الكائنات الحية سمة أساسية هي العمل، فالنبات مثلا ليس به جزء لا يعمل، فجذوره تنمو باحثة عن الماء والغذاء لمسافات طويلة في أعماق التربة، وإذا وجدهما قام الساق بحمل هذا الغذاء إلى أجزاء النبات ومنها للأوراق التي تقوم بدورها وكأنها مصنع كيمائي هائل لا يوفر الغذاء للنبات نفسه فحسب، بل لكل الكائنات الحية سواء منها التي تتغذى على النبات بصورة مباشرة أو تلك التي تتغذى عليه بطريقة غير مباشرة، ووقفة مع الحيوانات سنجد الوضع ذاته إذ كلها تعمل بدءا من وحيد الخلية مرورا بكل الحيوانات من الأسماك للضفادع للزواحف، بل حتى الميكروبات والفيروسات، فكل مخلوق حي يسعى إلى رزقه حتى تستمر حياته، ولكن اللافت للنظر أن الكائنات دون المستوى الإنساني تسعى في عملها منفردة ودون أن تحتاج لبعضها، إلا في حالات نادرة جدا كالنحل والنمل، وهذا السعي المنفرد لا نجده عند الإنسان على الإطلاق.فالإنسان يولد وهو في حالة اعتماد كلي على الآخرين، وينمو ليصبح مستقلا نسبيا، ولكنه مع ذلك يبقى معتمدا على عمل الآخرين، ولو تفكرنا قليلا فيمن نعتمد على أعمالهم في حياتنا الشخصية لوجدناهم بالمئات إن لم يكونوا بالآلاف، وبالمقابل سنجد من يعتمد على عملنا ومجهودنا وتخصصنا بالآلاف أيضا، أي أن العمل بالنسبة للإنسان ليس مسألة تخصه وتخص حياته فقط، ولكنها أيضا مسألة تخص الآخرين وذلك في علاقة دينامية مستمرة لانهاية لها، ولعلنا نستطيع الآن أن نقرأ قول الله عز وجل: «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون»، قراءة متأنية متمعنة لنرى فيها تلك الرقابة الربانية على عمل كل منا، بل ورقابة نبيه وكذلك رقابة المؤمنين، وحتى نترك انطباعا يخلصنا من الحساب يوم القيامة فلابد أن يكون عملنا متصفا بالعديد من الخصائص على رأسها أن يكون موجها لرب العالمين وثانيها أن يكون متقنا غاية الإتقان وثالثها أن يكون لفائدة الآخرين وصالحهم ورابعها أن يحقق سعادة للقائم به لأنه حين يعمل يكون قد أدى واجبا إلهيا، بل إن من تفرض عليه ظروف الحياة البطالة والتوقف عن العمل مع استطاعته فإن النصيحة التي نسارع بتقديمها له أن يبدأ وبسرعة بالبحث عن أعمال أخرى جديدة يستطيع القيام بها، وإن لم يكن قادرا على القيام بها فليبحث عمن يدربه حتى يستطيع أن يقوم بها، ذلك أن تجارب الحياة اليومية تؤكد أن البطالة أحيانا تدفع البعض لابتكار أعمال أخرى لم يكن الفرد قد حسب حساب القيام بها لولا أن فرضت عليه البطالة وأجبرته على ابتكارها أو اختراعها شريطة أن تكون مفيدة له وللآخرين.إن العمل هو دليل الحياة فالموتى لا يعملون ومن رضي بالتقاعس عن العمل فقد رضي بالموت وهو حي.
الدكتور / ميسرة طاهر ................ جريدة عكاظ الجمعه 12/06/1430هـ[/align]