عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 14-10-2010, 05:16 PM
الصورة الرمزية ابراهيم السعدي
ابراهيم السعدي ابراهيم السعدي غير متواجد حالياً
 






ابراهيم السعدي is on a distinguished road
افتراضي لماذا لا نتسامح ؟ (خطبة جمعه )






الخطبة الأولى :


أَمَّا بَعدُ ، فَأُوصِيكُم ـ أَيُّهَا النَّاسُ ـ وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجعَلْ لَكُم فُرقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيَغفِرْ لَكُم وَاللهُ ذُو الفَضلِ العَظِيمِ "



أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، وَعَطفًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِن حَدِيثٍ عَنِ التَّسَامُحِ ، ذَلِكُمُ الخُلُقُ الكَرِيمُ وَالوَصفُ النَّبِيلُ ، فَإِنَّ لَنَا أَن نَسأَلَ :
لماذَا لا نَقدِرُ في أَحيَانٍ كَثِيرَةٍ عَلَى التَّسَامُحِ وَلا تَجُودُ بِهِ أَنفُسُنَا ؟بَل لَنَا أَن نَذهَبَ أَكثَرَ مِن ذَلِكَ ، فَنَبحَثَ عَنِ الأَسبَابِ الَّتي تَمنَعُنَا مِنَ التَّخَلُّقِ بِعَدَدٍ مِنَ الأَخلاقِ الإِسلامِيَّةِ الكَرِيمَةِ ، مَعَ سَمَاعِنَا النُّصُوصَ الَّتي تَحُثُّ عَلَيهَا وَتُرَغِّبُ فِيهَا ؟


وَجَوَابًا عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّنَا نُذَكِّرُ بِشَيءٍ مِمَّا جَاءَ بِهِ طَبِيبُ القُلُوبِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ حَيثُ قَالَ فِيمَا أَخرَجَهُ ابنُ مَاجَه : " الخَيرُ عَادَةٌ وَالشَّرُّ لَجَاجَةٌ ، وَمَن يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيرًا يُفَقِّهْهُ في الدِّينِ " حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " إِنَّمَا العِلمُ بِالتَّعَلُّمِ وَالحِلمُ بِالتَّحَلُّمِ ، وَمَن يَتَحَرَّ الخَيرَ يُعطَهُ ، وَمَن يَتَوَقَّ الشَّرَّ يُوقَهُ " حَسَّنَهُ الأَلبَانيُّ .
وَقَالَ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " وَمَن يَستَعِفَّ يُعِفَّهُ اللهُ ، وَمَن يَستَغنِ يُغنِهِ اللهُ ، وَمَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللهُ ، وَمَا أُعطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً هُوَ خَيرٌ وَأَوسَعُ مِن الصَّبرِ " مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .


إِنَّ في هَذِهِ الأَحَادِيثِ الكَرِيمَةِ وَأَمثَالِهَا تِبيَانًا لِمَا يَجِبُ أَن نَجعَلَهُ في هَذَا الشَّأنِ منطَلَقًا لَنَا وَقَاعِدَةً نَبني عَلَيهَا أَخلاقَنَا ، أَلا وَهُوَ أَنَّهُ مَعَ العِلمِ بِفَضلِ كُلِّ خُلُقٍ حَسَنٍ أَو خُطُورَةِ أَيِّ خُلُقٍ سَيِّئٍ ، لا بُدَّ مِنَ التَّفَقُّهِ الدَّقِيقِ وَالتَّفَهُّمِ العَمِيقِ ، المُؤَدِّي لِلامتِثَالِ والتَّطبِيقِ ، وَذَلِكَ بِتَعوِيدِ النَّفسِ الخَيرَ وَتَروِيضِهَا عَلَيهِ ، مَعَ تَعدَادِ المُحَاوَلاتِ وَتَكرَارِهَا ، وَأَخذِ النَّفسِ بِالعَزِيمَةِ وَالصَّبرِ ، والتَّسَلُّحِ بِالتَّصمِيمِ وَعَدَمِ اليَأسِ ، حَتَّى يَذِلَّ مَا كَانَ صَعبًا ، وَيَسهُلَ مَا كَانَ حَزْنًا ، وَيُقدَرَ عَلَى مَا كَانَ مُستَحِيلاً ، بَل حَتَّى يَصِيرَ الخُلُقُ الكَرِيمُ صِفَةً لِلنَّفسِ لازِمَةً ، وَيُصبِحَ الخَيرُ عَادَةً لا تَستَنكِرُهَا وَلا تَأنَفُ مِنهَا ، وَحَتَّى يَكُونَ بَينَهَا وَبَينَ الشَّرِّ أَمَدٌ بَعِيدٌ ، وَحَاجِزٌ كَثِيفٌ يَمنَعُهَا مِنَ الاستِرسَالِ في المَسَاوِئِ .


وَفي الأَحَادِيثِ المُتَقَدِّمَةِ حَثٌّ عَلَى الصَّبرِ ، وَبَيَانٌ لِدَورِهِ الكَبِيرِ في تَمكِينِ النُّفُوسِ مِنَ التَّحَلِّي بِحَسَنِ الأَخلاقِ ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّهُ مَا استَمَرَّ أَحَدٌ عَلَى خُلُقٍ سَيِّئٍ وَلا عَجِزَ عَنِ التَّحَلِّي بِخُلُقٍ حَسَنٍ إِلاَّ مِن ضَجَرِهِ وَمَلالِهِ وَعَجَلَتِهِ ، وَاستِسلامِهِ لِنَزَعَاتِ نَفسِهِ وَانهِزَامِهِ لِهَوَاهَا في كُلِّ مَرَّةٍ ، وَانسِيَاقِهِ لإِغوَاءِ شَيَاطِينِ الإِنسِ وَالجِنِّ حِينًا بَعدَ آخَرَ ، وَمِثلُ هَذَا حَقِيقٌ بِأَن يَظَلَّ مُنحَدِرًا في أَخلاقِهِ مِن حُفرَةٍ إِلى أَعمَقَ مِنهَا ، وَأن يَبقَى مُنزَلِقًا إِلى مَهَاوِي التَبَغُّضِ إِلى الآخَرِينَ ، حَتَّى يَغدُوَ لَدَيهِم شَبَحًا مَنبُوذًا وَظِلاًّ ثَقِيلاً ، تَمُجُّهُ مَجَالِسُهُم وَلا تَتَّسِعُ له صُدُورُهُم ، وَلَو أَنَّهُ صَبَرَ وَجَاهَدَ نَفسَهُ عَلَى الخَيرِ ، لَتَحَقَّقَ لَهُ وَعدُ اللهِ لِمَن جَاهَدَ نَفسَهُ حَيثُ قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحسِنِينَ "



أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّنَا نَجِدُ أَحَدَنَا وَلِلأَسَفِ حِينَ يُخطَأُ عَلَيهِ أَو يُعتَدَى عَلَى حَقِّهِ ، يُفَكِّرُ أَوَّلَ مَا يُفَكِّرُ في مُقَابَلَةِ الشَّرِّ بِالشَّرِّ ، وَيَحسِبُ كَيفَ يَرُدُّ علَى المُخطِئِ الصَّاعَ بِصَاعَينِ ، وَيُخَطِّطُ لِلانتِقَامِ مِنَهُ وَتَعلِيمِهِ دَرسًا لا يَنسَاُه ، وَمِن ثَمَّ فَلا غَرَابَةَ أَن نَرَاهُ بَعدَ ذَلِكَ يُحَاوِلُ أَن يَنسَى مَا حَدَثَ مِن أَخِيهِ وَيُسَامِحَهُ ، فَيُفَاجَأَ بِدَوَافِعِ الشَّرِّ الَّتي غَرَسَهَا في نَفسِهِ مِن قَبلُ وَسَقَاهَا مَرَّةً بَعدَ مَرَّةٍ ، وَأَشعَلَ فَتِيلَهَا وَاجتَذَبَ إِلَيهَا الوَقُودَ مِن كُلِّ جَانِبٍ ، يُفَاجَأُ بها تَؤُزُّهُ إِلى الشَّرِّ أَزًّا وَتَدفَعُهُ إِلَيهِ دَفعًا ، وَتَحُولُ بَينَهُ وَبَينَ الخَيرِ وَتَمنَعُهُ مِنهُ مَنعًا ، وَلَو أَنَّهُ عَوَّدَ نَفسَهُ الاستِعَاذَةَ بِالهِِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ ، وَعَلَّمَهَا المُسَارَعَةَ إِلى التَّسَامُحِ بَعدَ كُلِّ خَطَأٍ ، لما وَصَلَت بِهِ الحَالُ إِلى أَن تُحرِقَ نِيرَانُ الغَضَبِ أَوَاصِرَ المَحَبَّةِ في قَلبِهِ ، أو تَقطَعَ دَوَافِعُ الانتِقَامِ عَلائِقَ المَوَدَّةِ بَينَهُ وَبَينَ إِخوَانِهِ ، وَمِن ثَمَّ نَتَبَيَّنُ أَهَمِّيَّةَ إِيجَادِ الحَلِّ لِكُلِّ مُشكِلَةٍ بَعدَ وُقُوعِهَا مُبَاشَرَةً ، وَعَدَمِ تَأخِيرِ ذَلِكَ إِلى أَن تَتَفَاقَمَ وَتَكبُرَ آثَارُهَا وَتَزدَادَ تَبِعَاتُهَا وَيَصعُبَ حَلُّهَا ، وَهَذَا مَا جَاءَ في كِتَابِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ ، قَالَ ـ سُبحَانَهُ ـ : " وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطَانِ نَزغٌ فَاستَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "
وَفي المُتَّفَقِ عَلَيهِ عَن سُلَيمَانَ بنِ صُرَدٍ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَ : استَبَّ رَجُلانِ عِندَ النَّبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ وَنَحنُ عِندَهُ جُلُوسٌ وَأَحَدُهُمَا يَسُبُّ صَاحِبَهُ مُغضَبًا قَدِ احمَرَّ وَجهُهُ . فَقَالَ النَّبيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ : " إِنِّي لأَعلَمُ كَلِمَةً لَو قَالَهَا لَذَهَبَ عَنهُ مَا يَجِدُ : أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ "
وَخَرَّجَ الإِمَامُ أَحمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ أَنَّهُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ قَالَ : " إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُم وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجلِسْ ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنهُ الغَضَبُ وَإِلاَّ فَلْيَضطَجِعْ "
وَالسَّبَبُ في هَذَا ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ أَنَّ القَائِمَ مُتَهَيِّئٌ لِلانتِقَامِ مُستَعِدٌّ لِلمُبَادَرَةِ بِهِ ، فَإِذَا جَلَسَ ضَعُفَ هَمُّهُ بِهِ وَكَانَ أَبعَدَ عَنهُ ، وَأَمَّا المُضطَجِعُ فَهُوَ أَحرَى أَلاَّ يُفَكِّرَ فِيهِ مُطلَقًا ، وَمِن ثَمَّ كَانَت حَقِيقَةُ الأَمرِ بِالاضطِجَاعِ هِيَ الأَمرَ بِالتَّبَاعُدِ عَنِ الانتِقَامِ .


أَلا فَاتَّقُوا اللهَ ـ عِبَادَ اللهِ ـ وَقَدِّمُوا النِّيَّةَ الحَسَنَةَ وَابدَؤُوا بِالتَّفكِيرِ الإِيجَابيِّ دَائِمًا ، وَاحذَرُوا النِّيَّةَ السَّيِّئَةَ وَابتعِدُوا عَنِ التَّفكِيرِ السَّلبيِّ ، لِيَكُنْ تَفكِيرُكُم عُلْوِيًّا سَمَاوِيًّا ، وَاحذَرُوا أَن يَكُونَ سُفلِيًّا أَرضِيًّا ، اُطلُبُوا مَا عِندَ اللهِ لِلمُحسِنِينَ مِن أَجرٍ ، وَابتَغُوا مَا أَعَدَّهُ مِن ثَوَابٍ لِمَن حَسُنَ خُلُقُهُ ؛ فَإِنَّكُم في زَمَنٍ قَلَّ فِيهِ المُحتَسِبُ لِلأَجرِ في قَضَايَا التَّعَامُلِ ، بَل أَصبَحَ هَمُّ الكَثِيرِينَ فِيهِ الانتِقَامَ وَالانتِصَارَ لِلأَنفُسِ وَالتَّغَلُّبَ عَلَى الآخَرِينَ ، وَلَو فَقِهَ المُتَسَامِحُ أَنَّهُ بِتَسَامُحِهِ يَتَعَامَلُ مَعَ رَبِّهِ الكَرِيمِ وَيَمتَثِلُ أَمرَهُ حَيثُ قَالَ : " ادفَعْ بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ " لَمَا سَلَكَ غَيرَ التَّسَامُحِ طَرِيقًا ، وَلَمَا طَلَبَ عَنهُ خِيَارًا آخَرَ وَلا ابتَغَى بِهِ بَدَلاً ، وَلَو عَلِمَ المُنتَقِمُ أَنَّهُ مُطِيعٌ لِلشَّيطَانِ الرَّجِيمِ مُنهَزِمٌ أَمَامَ كَيدِهِ الضَّعِيفِ ، لَحَقَرَ نَفسَهُ وَاستَصغَرَ شَأنَهُ ، وَلأَزرَى عَلَى ذَاتِهِ وَمَقَتَ تَصَرُّفَهُ ، لَكِنَّهُ تَوفِيقٌ جَلِيلٌ وَحَظٌّ عَظِيمٌ ، لا يُؤتَاهُ إِلاَّ مَن عَرَفَ مَبدَأَ نَفسِهِ وَمُنتَهَاهَا ، فَأَنزَلَهَا مَنزِلَتَهَا وَلم يَرفعْهَا فَوقَ قَدرِهَا ، وَعَوَّدَهَا التَّفكِيرَ العَمِيقَ في العَوَاقِبِ وَاستِشرَافِ المَآلاتِ ، وَأَلزَمَهَا النَّظَرَ الصَّحِيحَ قَبلَ الإِقدَامِ ، وَسَبَرَ الأُمُورَ قَبلَ الغَوصِ في لُجَجِ الحَيَاةِ وَخَوضِ غِمَارِ المُشكِلاتِ ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ : " وَلا تَستَوِي الحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادفَعْ بِالَّتي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَليٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ . وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيطَانِ نَزغٌ فَاستَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ "





الخطبة الثانية :


أَمَّا بَعدُ ، فَاتَّقُوا اللهَ كَمَا أَمَرَكُمُ يُنجِزْ لَكُم مَا وَعَدَكُم " وَمَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخرَجًا "


أَيُّهَا المُسلِمُونَ ، إِنَّ مِمَّا ُبلِيَت بِهِ المُجتَمَعَاتُ في زَمَانِنَا أَن قَلَّ فِيهَا المُسَاعِدُ عَلَى التَّسَامُحِ وَنَدُرَ المُعِينُ عَلَيهِ ، وأَلاَّ يَكَادَ المُتَخَاصِمَانِ يَجِدَانِ مَن يُرَغِّبُهُمَا في هَذَا الخُلُقِ الكَرِيمِ ، بَينَمَا يَذهَبُ كَثِيرٌ مِن شَيَاطِينِ النَّاسِ إِلى تَذكِيرِ كُلٍّ مِنَ المُتَخَاصِمَينِ بِعُيُوبِ صَاحِبِهِ ، وَتَنبِيهِهِ إِلى ثَغَراتِهُ وَمَوَاطِنِ ضَعفِهِ ؛ لِيُؤذِيَهُ وَيَتَغَلَّبَ عَلَيهِ ، وَلا يَدرِي العَاقِلُ أَيُّ مَصلَحَةٍ لِمَن لا يُصَدِّقُ أَن يَجِدَ خُصُومَةً إِلاَّ أَقحَمَ نَفسَهُ فِيهَا وَعَمِلَ عَلَى تَعقِيدِهَا ؟!
أَينَ هُوَ مِن قَولِهِ ـ عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ : " وَمَن كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيرًا أَو لِيَصمُتْ "
لَكِنَّهُ شُحُّ القُلُوبِ بِالخَيرِ وَضِيقُ الصُّدُورِ بِالأَجرِ ، وَدُنُوُّ الهِمَّةِ وَسَطحِيَّةُ التَّفكِيرِ ، تَتَأَزَّمُ بها الأُمُورُ وَتَزدَادُ سُوَءًا ، وَيَبقَى الخِصَامُ يَعبَثُ في العِلاقَاتِ وَيُقَطِّعُ الأَوَاصِرَ ، في ظِلِّ قِلَّةِ مَن يَأمُرُ بِتَقوَى اللهِ وَيُذَكِّرَ بمَا عِندَهُ مِن جَزَاءٍ لمن أَصلَحَ وَعَفَا ، أَلا فَمَتَى نَتَّقِي اللهَ ـ أَيُّهَا المُسلِمُونَ ـ وَنَخشَاهُ ؟!
مَتَى تَعلُو هِمَمُنَا فَنَرغَبَ فِيمَا عِندَهُ وَنَطمَعَ في جَزِيلِ ثَوَابِهِ ؟!
[mark=#99ff00]مَتَى يَنَامُ الوَاحِدُ مِنَّا وَلَيسَ في قَلبِهِ عَلَى أَحَدٍ مِنَ المُسلِمِينَ غِلٌّ وَلا حِقدٌ وَلا حَسَدٌ وَلا نِيَّةُ انتِقَامٍ ؟![/mark]
مَتَى نُسَارِعُ بَعدَ أَيِّ جِدَالٍ أَو خِصَامٍ فَنَصُبَّ مَاءَ التَّسَامُحِ عَلَى حَرَارَةِ الغَضَبِ الشَّيطَانِيَّةِ ، لِنُخمِدَ نَارَ العَدَاوَاتِ وَنُطفِئَهَا ، فَنَعِيشَ إِخوَةً مُتَحَابِّينَ مُتَوَادِّينَ كَالجَسَدِ الوَاحِدِ ؟!
إِنَّ الإِغضَاءَ عَنِ الزَّلاَّتِ وَتَجَاوُزَ الهَفَوَاتِ ، وَالعَطفَ عَلَى المُخطِئِ وَالسَّمَاحَةَ مَعَهُ ، [mark=#ff0000]إِنَّهُ خُلُقُ الكِبَارِ الأَقوِيَاءِ [/mark]تُجَاهَ الصِّغَارِ الضُّعَفَاءِ ، إِيْ وَاللهِ ، إِنَّهُ لَخُلُقُ الأَقوِيَاءِ الأَشِدَّاءِ ، الَّذِينَ وَهَبَهُمُ اللهُ القُدرَةَ عَلَى قِيَادِ أَنفُسِهِم ، وَمَلَّكَهُم زِمَامَ عَوَاطِفِهِم ، بما وَثِقُوا فِيهِ مِن مَوعُودِهِ لِمَن عَفَا وَأَصلَحَ ، وَمِن ثَمَّ فَقَد كَانَ القِمَّةُ في ذَلِكَ هُوَ الرَّؤُوفَ الرَّحِيمَ صَاحِبَ الخُلُقِ العَظِيمِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَفِي الصَّحِيحَينِ عَن عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنهُ ـ قَالَت : مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ بَينَ أَمرَينِ قَطُّ إِلاَّ أَخَذَ أَيسَرَهُمَا مَا لم يَكُنْ إِثمًا ، فَإِنْ كَانَ إِثمًا كَانَ أَبعَدَ النَّاسِ مِنهُ ، وَمَا انتَقَمَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ لِنَفسِهِ في شَيءٍ قَطُّ إِلاَّ أَن تُنتَهَكَ حُرمَةُ اللهِ فَيَنتَقِمَ لهَِ بهَا . وَرَوَى التِّرمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ عَنهَا ـ رَضِيَ اللهُ عَنهَا ـ قَالَت : لم يَكُنْ رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ـ فَاحِشًا وَلا مُتَفَحِّشًا وَلا سَخَّابًا في الأَسوَاقِ ، وَلا يَجزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ، وَلَكِنْ يَعفُو وَيَصفَحُ .
ذَلِكُم هُوَ خُلُقُهُ فَأَينَ المُقتَدُونَ ؟!
وَتِلكُم هِيَ سِمَاتُهُ فَأَينَ المُتَأَسُّونَ ؟!
" لَقَد كَانَ لَكُم في رَسُولِ اللهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرجُو اللهَ وَاليَومَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا "
" وَإِن تُطِيعُوهُ تَهتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ البَلاغُ المُبِينُ "


[mark=#00f7ff]اللَّهُمَّ اهدِنَا لأَحسَنِ الأَخلاقِ لا يَهدِي لأَحسَنِهَا إِلاَّ أَنتَ ، وَاصرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا لا يَصرِفُ سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنتَ ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا مُنكَرَاتِ الأَخلاقِ وَالأَهوَاءِ وَالأَعمَالِ وَالأَدوَاءِ [/mark].



الخطبه للشيخ عبدالله البصري حفظه الله

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
عود لسانكَ على ؛
* اللهم اغفِر لي *
فإن لله ساعات لايرد فيها سَائلاً
أخر مواضيعي