عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 25-11-2010, 12:51 AM
الصورة الرمزية خليل الحريري
خليل الحريري خليل الحريري غير متواجد حالياً
عضو متميز
 






خليل الحريري is on a distinguished road
افتراضي تأملات قرآنية . . . متجدد

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده وعلى آله وصحبه وبعد،

هذا الموضوع دعوة لتدبر القرآن، واستخراج المعانى التى قد تخفى عن البعض،

وأرجو من الأخوة إثراء الموضوع بتأملاتهم لكتاب الله جلَّ وعلا، أو بنقل من كلام أهل العلم، ليعم النفع؛ والله ولى التوفيق.


ونبدأ بعون الله بتأملات فى سورة الفاتحة:

قال الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله:
{الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2)الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}
تضمنت ثلاث الآيات ثلاث مسائل:

الآيةالأولى: فيها المحبة؛لأن الله منعم، والمنعم يحب على قدر إنعامه ; والمحبة تنقسم إلى أربعة أنواع:
المحبة الأولى: محبة شركية، وهي محبة الذين قال الله فيهم:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُمِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ}إلى قوله{وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}.
المحبةالثانية:حب الباطل وأهله، وبغض الحق وأهله ; وهذه صفة المنافقين.
والمحبة الثالثة: طبيعية، وهي محبةالمال والولد، فإذا لم تشغل عن طاعة الله، ولم تعن على محارم الله، فهي مباحة.
والمحبة الرابعة: حب أهل التوحيد، وبغض أهل الشرك، وهي أوثق عرى الإيمان، وأعظم مايعبد بها الإنسان ربه.

الآية الثانية: فيها الرجاء

والآية الثالثة:فيها الخوف.

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} أي: أعبدك يا رب بما مضى بهذه الثلاث، بمحبتك ورجائك وخوفك; هذه الثلاث أركان العبادة، وصرفها لغير الله شرك.
وفيها من الفوائد: الرد على ثلاث الطوائف التي كل طائفة تعلق بواحدة منها، كمن عبد الله بالمحبة وحدها، وكذلك من عبد الله بالرجاء وحده كالمرجئة، وكذلك من عبد الله بالخوف وحده كالخوارج.

وأما {إِيَّاكَ نَعْبُدُوَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} ففيها توحيد الألوهية، وتوحيد الربوبية

{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} فيها توحيد الألوهية،

{وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
فيها توحيد الربوبية.


وأما الآيتان الأخيرتان،ففيها من الفوائد:

ذكر أحوال الناس،
قسمهم الله ثلاثة أصناف: منعم عليه، ومغضوب عليه، وضال.


فالمغضوب عليهم أهل علم ليس معه عمل.

والضالين: أهل عبادة ليس معها علم، وإن كان سبب النّزول في اليهود والنصارى، فهي لكل من اتصف بذلك.

والنوع الثالث: من اتصف بالعلم والعمل، وهم المنعم عليهم.

وفيها من الفوائد: التبرؤ من الحول والقوة، لأنه منعم عليك ; وكذلك فيها: معرفة الله على التمام، ونفي النقائص عنه تبارك وتعالى، وفيها: معرفة الإنسان نفسه، ومعرفة ربه، فإنه إذا كان رب فلا بد من مربوب، وإذا كان هنا عبد فلا بد من معبود، وإذا كان هنا هاد فلا بد من مهدي; وإذا كان هنا مُنعَم عليه فلا بد من مُنعِم، وإذا كان هنا مغضوب عليه فلا بد من غاضب; وإذاكان هنا ضال فلا بد من مضل ; فهذه السورة تضمنت الألوهية، والربوبية، ونفي النقائص عن الله، وتضمنت معرفة العبادة وأركانها، والله أعلم.
(الدرر السنية 13/73 بتصرف)

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله:
اعلم أن هذه السورة اشتملت على أمهات المطالب العالية أتم اشتمال ، وتضمنتها أكمل تضمن فاشتملت على التعريف بالمعبود - تبارك وتعالى - بثلاثة أسماء مرجع الأسماءالحسنى والصفات العليا إليها، ومدارها عليها وهي : الله ، والرب ، والرحمن وبُنيت السورة على الإلهيه، والربوبية،والرحمة فـ {إياك نعبد} مبني علىالإلهية، و{إياك نستعين} على الربوبية، وطلب الهداية إلى الصراط المستقيم بصفة الرحمة.

والحمد يتضمن الأمور الثلاثة: فهو المحمود في إلهيته، وربوبيته، ورحمته .

واشتملت سورة الفاتحة على أنواع التوحيد الثلاثة التي اتفقت عليها الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وهي :

1-التوحيد العلمي: سمي بذلك لتعلقه بالأخبار والمعرفة ويسمى أيضاً بـ (توحيد الأسماء والصفات).
2- التوحيد القصدي الإرادي: سُمي بذلك لتعلقه بالقصد والإرادة، وهذا الثاني نوعان : توحيد في الربوبية، وتوحيد في الإلهية .

فأما التوحيدالعلمي(توحيد الأسماء والصفات): فمداره على إثبات صفات الكمال، وعلى نفي التشبيه، والمثال، والتنزيه عن العيوب والنقائص وقد دل على هذا شيئان :
أ-مجمل، ب-مفصل.
أ- أما المجمل فإثبات الحمد لله سبحانه .
ب- وأما المفصل فذكر صفة الإلهيه، والربوبية، والرحمة، والملك،وعلى هذه الأربعة مدار الأسماء والصفات .

فأما تضمن الحمد لذلك: فإن الحمد يتضمن مدح المحمود بصفات كماله، ونعوت جلاله، مع محبته والرضا عنه، والخضوع له .
ولهذا كان الحمد كله لله، حمداً لايحصيه سواه لكمال صفاته وكثرتها، لأجل هذا لا يحصي أحد من خلقه ثناءً عليه لما له من صفات الكمال ونعوت الجلال التي لا يحصيها سواه .
كما قال صلى الله عليه وسلم "لا أحصي ثناءً عليك" فهذه دلالة على توحيد الأسماء والصفات .

وأما دلالة الأسماء الأربعةعليها (أي على الأسماء والصفات)وهي:الله، والرب، والرحمن، والملك، فمبني على أصلين :

الأصل الأول : أسماء الرب تبارك وتعالى دالة على صفات كماله، فهي أسماء وهي أوصاف وبذلك كانت حسنى إذ لو كانت ألفاظاً لا معاني فيها لم تكن حسنى، ولا كانت دالة على مدح ولا كمال .
الأصل الثاني: الاسم من أسمائه تبارك وتعالى كما يدل على الذات والصفة التي اشتق منها بالمطابقة، فإنه يدل عليه دلالتين أخريين بالتضمن واللزوم، فيدل على الصفة بمفردها بالتضمن وكذلك على الذات المجردة عن الصفة، ويدل على صفة أخرى باللزوم، فإن اسم(السميع) يدل على ذات الرب وسمعه بالمطابقة، وعلى الذات وحدها وعلى السمع وحده بالتضمن، ويدل على اسم (الحي) وصفة الحياة بالالتزام .
وكذلك سائر أسمائه وصفاته .. ولكن يتفاوت الناس في معرفة اللزوم وعدمه .

إذا تقرر هذان الأصلان فاسم (الله) دال على جميع الأسماء الحسنى والصفات العليا بالدلالات الثلاث(المطابقة،والتضمن،واللزوم)ولهذا يضيف الله تعالى سائر الأسماء الحسنى إلى هذا الاسم العظيم كقوله تعالى : {ولله الأسماء الحسنى} ويقال: الرحمن، والرحيم، والقدوس، والسلام، والعزيز، والحكيم من أسماء الله، ولا يقال: الله من أسماء الرحمن ولا من أسماء العزيز ونحو ذلك .
فَعُلِم أن اسمه (الله) مستلزم لجميع معاني الأسماء الحسنى، واسم (الله) دال على كونه مألوهاً معبوداً، تألهه الخلائق محبة، وتعظيماً وخضوعاً وفزعاً إليه في الحوائج والنوائب ،وذلك مستلزم لكمال ربوبيته، ورحمته، المتضمنين لكمال الملك والحمد .
وإلهيته، وربوبيته، ورحمانيته، وملكه،مستلزم لجميع صفات كماله .
إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحي ولاسميع ، ولا بصير ولا قادر ولا متكلم، ولا فعال لما يريد، ولا حكيم في أفعاله.
وصفات الجلال والجمال: أخص باسم (الله).
وصفات الفعل ، والقدرة والتفرد بالضر والنفع، والعطاء والمنع، ونفوذ المشيئة وكمال القوة وتدبير أمر الخليقة أخص باسم (الرب).
وصفات الإحسان والجود والبر والمنة والرأفة واللطف ،أخص باسم(الرحمن).
وصفات العدل، والقبض والبسط، والخفض والرفع ، والعطاء والمنع ، والإعزاز، والإذلال، والقهر، والحكم، ونحوها أخص باسم (الملك).
وفي ذكر هذه الأسماء بعد الحمد في قوله تعالى : {الحمد لله رب العالمين (2) الرحمن الرحيم (3) مالك يوم الدين} وإيقاع الحمد على مضمونها ومقتضاها مايدل على أنه محمود فيإلهيته، محمود في ربوبيته، محمود في رحمانيته، محمود في ملكه، وأنه إله محمود، ورب محمود، وملك محمود.
فله بذلك جميع أقسام الكمال.
(مدارج السالكين 1/24-37بتصرف)


الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
أخر مواضيعي