بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبى بعده وعلى آله وصحبه وبعد،
قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (115) وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ (116) إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}سبحان الملك....!!!
كأن هذه الأيات نزلت لنا فى زمنًا هذا، تسلية لأهل الحق وإعلاما لهم أن ما من نبى إلا وكان له أعداء، وبعد موت النبى صلى الله عليه وسلم أصبحت العداوة لدعوته ولأهل الحق العاملين بها والداعين إليها، يقول تعالى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ } فهذه سنة الله الكونية أن يكون للحق أعداء {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا} فهذه هى وظيفتهم زخرفة الباطل وتزينه ليظهر فى صورة الحق، كما فعل ابليس مع آدم عيه السلام قال تعالى: { فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ } فهو زين لهم الضلال فى أحسن الصور، بل وأقسم أنه ناصح لهم، فكانت النتيجة {فَدَلاَّهُمَا بِغُرُورٍ} ولا يزال أتباع إبليس اللعين ينهجون نهجه، فهذا يطعن فى النقاب، ويزين باطله أنه كبت لحرية المرآة وصورة من صور التخلف والرجعية...إلى آخره، وأخر يطعن فى السنة بحجة أنها غير محفوظة وأن بها أحاديث موضوعة وعلينا أن نكتفى بالقرآن... وغيرهم يحارب الدعوة ويقول هذه دعوة للإرهاب والرجعية ويجب علين أن نساير التقدم، وهكذا يعرضون باطلهم فى صورة مزينة ومزخرفة، {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ} فكل ما يحدث الأن من الحرب على السنة وإثارة الشبهات الواهية، بتقدير الله جل وعلا ولابد من حدوثها لأنها من سنن الله فى كونه، لذلك قال تعالى* {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} لأن هذا كله لحكمة ومن فضل الله جل وعلا علينا أنه بينها لنا فقال: {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ} أى أن الله قدر هذا ليميز الخبيث من الطيب والصادق من الكاذب، فبين جل وعلا أن من ضعيف الإيمان هو الذى يستمع ويصغى إلى هذا الباطل المزخرف، فيؤدى به الإستماع إلى ميل القلب لهذا الباطل، لذلك قال جل وعلا {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ} وذلك كله لضعف إيمانه، ثم بعد أن يميل إليه بقلبه يرتضيه ويعجب به فيرى الباطل فى صورة الحق فتكون النتيجة { وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ } فيعمل بهذا الباطل الذى مال إليه ثم ارتضاه.
فتكون أسباب النجاة من هذه الشبهات والباطل المزخرف، من مفهوم المخالفة لهذه الأية:
إذا كان ضعيف الإيمان يصغى إلى هذا الباطل: فعلينا أن لا نستمع إليه بداية.فإذا سمعناه لا نرتضيه، فإذا التبس علينا الحق الباطل، ولم نستطع التفريق ؟!!بين الله لنا الحل فى الأية التى تليها فقال سبحانه: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً} فهذه إشارة للرجوع إلى القرآن فيما التبس علينا،
وذلك لأنه تعالى قال: {وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً} فمن نعم الله علينا أن فصل لنا القرآن فالحرام بين والحلال بين، وما أُجمل فى القرآن فصلته سنة النبى صلى الله عليه وسلم، ثم قال تعالى {وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } وهذه عامة فى كل أهل الأهواء والضلال، يعلمون أن هذه الدعوة هى دعوة الحق، ولكن تأبى نفوسهم المريضة إلا معاداتها اتباعا لشهواتهم، نسأل الله السلامة.*
{وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً} فما وعد الله به أهل الحق من النصر والتمكين قادم لا محالة لذلك قال سبحانه: {لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ} فلا تبديل لكلمات الله الكونية، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، ثم ذيل جل وعلا الأية {وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} لأن من عمل بمقتضى هذين الإسمين، لن يتكلم إلا بالحق لأن الله يسمعه، وأيضا لن يبطن خلاف ما يظهر، لأن الله جل فى علاه يعلم السر وأخفى، فكثير من الضلالات والبدع تزين وتعرض باسم الدين فمن وحد الله فى اسمه العليم وعلم أنه سبحانه يعلم ما بداخله لن يتجرأ على فعل ذلك.
ثم قال تعالى {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ} فهذه هى علامة الضالين المضلين يتبعون الظن، لا تجد أحد من أهل البدع والأهواء يتكلم بدليل من كتاب أو سنة، إنما هى أرآء وأهواء وتحكيم للعقل، وهم أكثر أهل الأرض فعلينا ألا نغتر بكثرتهم كما قال الفضيل بن عياض رحمه الله " اتبع طريق الهدى ولا يهمك قلة السالكين، ولا تتبع طريق الضلال ويغرك كثرة الهالكين "*
{إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ } فإن كان الله جل وعلا يعلم أنك من المهتدين، فهل يضرك أن يقول من فى الأرض جميعا أنك من الضالين؟!!!!
الحمد لله الذى بنعمته تتم الصالحات