عرض مشاركة واحدة
قديم 29-12-2010, 05:23 PM   #2
سجين
 
الصورة الرمزية سجين
 







 
سجين is on a distinguished road
افتراضي رد: سنين العنف وسويعات السلام

الميـــــــــــــــــــــــــــــــــلاد))

ماذا اقول يابني وماذا احكي،فالحكاية قد طال نومها،وكسل جفنها،ونضبت من الهموم عروقها،حكاية رسمها الألم على جدران الماضي دما ينزف،ومشاعر تضطرم....

اتدري يابني ..؟؟

لقد عزمت ان اطوي كتاب ذلك البؤس في درج الذكرى،وان لا اذكر الآلآم لأحد،او اورثها خلفي لغد،إنها مصيبتي وحدي وذكراي وحدي،فدعني اتجرعها على مهل،واتبلغ بها على وجل،واعيشها لأجل....

******

يغرق عمار من جديد في بحار أفكاره،ويردد بداخله الأسئلة تترى...؟؟

مابال هذا الرجل يحوم حول الحمى ولا يرتع فيه...؟؟

او كلما اشتد بي شوق السماع،تحاشى النطق،وغرق في غيابة الجب ،حزنان اسفا...

عمار : مالذي تقول ياعماه...ومالذي تحكيه...!!

الغريب : او تقرض الشعر يا عمار...؟

عمار : مالي وللشعر يا عماه..

الغريب وهو يبتسم : وانا كذلك يابني،مالي وللشعر،لم اكن احفل به ولا يحفل بي،ولكنه كان له محبا،وبه على الدوم مرنما،كان يحب الشعر ويهواه،ويعشق الأدب ويسير في حماه،اذكر الآن اساريره حين تنطلق به غناء ولحنا....الا سقيا لتلك الأيام..

عمار وبضجر : لازلت في شوق للمعرفة يا عماه...فلم تحوم حول الحمى دوما..؟؟

الغريب : الحكاية ياعمار،ولدت منذ قدم،وعاشت منذ امد،صرخ فجرها الباكر في هزيع متأخر من ليلٍ بهيم،كانت فيه ((سلمى)) تعاني آلآم الولادة وتعبها المضني،فأجائها المخاض ليلا ،باتت تتلوى فيه من الألم وتصيح من شدة الخطب،وعلى صوتها آهاتها تفازعت نساء الحي الى مخدع ((سلمى))....

مابها ...؟؟

صرخن،،،انها على وشك الولادة،احضروا القابلة...احضروا القابلة...!!

سلمى تبكي من الألم وتضطرب،ومع صياح النسوة،وتجمعهن،تجمع رجال القرية في ذلك الليل،تصايحوا في فزع...

سلمى امرأة سالم جاءها المخاض وهي تلد..؟؟

صوت رجل : هل اتت القابلة...؟؟

رجل آخر يرد : انها في الطريق،وقد ذهبت زوجتي،وثلة من النساء ...ادعوا لها يا إخوان،فالوقت وقت تنزل الرحمن،ارجوا لها النجاء،ولابنها السلامة والعافية.....

يتصايح الرجال...اللهم ارحمها...اللهم فك عنها...اللهم اشفها...اللهم احفظها...

وفي هذه اللحظات العصيبة...

يحضر كبير القرية ((وعريفها)) يعلم بالأمر ويسال : الم يعد زوج سلمى..؟؟

الرجال : لا لازال مسافرا،وله الآن اكثر من 5 شهور لانعلم عنه شيئا،لم يكتب لنا ولم نكتب له..؟؟

رجل آخر : تفضل ياشيخ،اجلس على هذا الفراش...؟؟

رجل آخر : ادعو يا إخوان...عل الله ان يرحم تلك المسكينة ويأتي بزوجها....


******************
لايُسمع من اصوات الرجال الملتفين حول الضوء المتوهج من بيت سلمى الا همهمة كدوي النحل،وازيز كأزيز المرجل،يدعون لسلمى،ويرجون لها السلامة والنجاء.............

وبداخل البيت ...تضطرم اصوات النسوء ،ويتصايحن بفزع ...

اين القابلة...؟؟ اين القابلة...هل حضرت...؟؟ هل حضرت..؟؟

تأتي القابلة تسوقها فتاة : نعم لقد جاءت ...افسحوا الطريق,,,,

تحضر القابلة،امرأة كبيرة في العمر عركت الحياة وعركتها،كانت موئل حاجات النساء،ومستودع اسرارهن وطبيبتهن،في تلك القرية التي لم يكن فيها مستشفى ولا طبيبات، الا مستشفى صغير يبعد عن القرية مسافة يوم وليلة على ظهر الراكبة.....لايسمن ولا يغني من جوع...!!

صراخ سلمى يتزايد في الأفق....وآلآمها تزداد....ومابين صراخها ...يتردد بكاء صويحباتها...ويختلط به دعاء الرجال لها...وفي لحظات الضيق تتفتح وردة الفرج،في آخر ساعة من هزيع ذلك الليل الأليل،يبزغ فجر الصباح الجميل على صراخ الطفل الوليد.............

تصرخ سلمى صرختها الأخيرة....وتسكت...!!

ويصرخ الوليد...صرخته الأولى ويستمر ....ترفعه القابلة عاليا،تنظفه،وتلفه بملايه بيضاء،وترفعه عاليا... وبعد البكاء،تهل زغاريد النساء فرحة مجلجلة صباح ذلك اليوم المضني....

معلنة قدوم الوليد الجديد في سلامة وهناء....يرحل الرجال حامدين الله وشاكرين الى مسجدهم،يتقدمهم الشيخ قائلا : اسألوا هل هو صبي ام بنت...واسألوا عن حال امه ..

وتأتي الأجابة : انه صبي...صبي...وامه بحمد الله وفضله على اتم حال واحسنه..؟؟

الشيخ : الحمد لله هذا رحمة من الله وفضل...!!

يهمس الشيخ في اذن خادمه : اذهب يابني واحضر لسلمى طعاما،وخبزا،وسمنا،وأمر ام عبدالله ان تصنع لها طعاما،وان تبقى عندها ثلاثة ايام...فهي في حاجة لذلك..ولا تنسى ان تكتب كتابا لزوجها ((سالم)) وترسله غدا تخبره انه جاءه مولود...ليأتي...؟؟

....ومع صراخ الوليد الذي تقاذفته ايدي الفتيات،يحملنه ويلاعبنه ويناغينه،كان صدى الاذان يضج في تلك القرية الهادئة الوادعة ...يعلن في خلود،ويرسل للمدى صوته الآسر في حنو وجود كلمة التوحيد الخالدة،وآيات الله الماجدة،يرسم للعقول طريقها الصحيح تسير فيه،ويعطي القلوب شعاعات من جمال وراحة تمضي إليه...

صلى الرجال ورحلوا لأعمالهم.............

وفاقت سلمى،لتسال عن وليدها : اين ولدي..؟؟

احداهن : هو بخير ياسلمى،صبي مثل فلقة القمر جميل جدا،وصحته جيدة...هاكي ياسلمى ..

تضم سلمى وليدها في حنان عجيب،وكأنه لم يبكيها للحظة،وكأنه لم يتعبها تسعة اشهر وهي تحمله وهنا على وهن،يالقب الأم ما اروعه....وما اصفى حبه.........!!

ضمت سلمى وليدها البكر الى صدرها بحنان...وغطته عن عيون الفتيات الشقيات في أمان....تنفست عميقا وقالت : الحمد لله............الحمد للـــــــــــــــــــــــــــــــه...ثم ذهبت في نوم عميق...!!


***************
وبعد اسابيع،يعود سالم زوج سلمى،الى قريته،فرحان جذلا،يكاد من الفرح ان يطير من على ظهر الأرض،وصل سالم للقرية،واقبل على زوجه اطمئن عليها....وعلى الوليد الصغير،رفعه عاليا وضمه الى صدره....

وقال : مبروك ياسلمى،وحمدا لله على سلامتك...؟؟

سلمى : بارك الله فيك،وحمدا لله ايضا على سلامة وصولك،لقد اطلت الغيبة علينا يا ابا...؟؟

ماذا نسمي الولد يا سالم...؟؟

سالم بضحك وحبور : لعلك تناديني من الآن وصاعدا بأبي عمار...ساسميه عمارا ياسلمى...ما رأيك..؟؟

سلمى في هدوء وراحة وسعادة : الراي رأيك يا ابا عمار...؟؟


**************
عاشت تلك الاسرة سبع سنوات لم يلد لهم ولد،سبع سنوات والزوجان يعيشان في هم وغم،لتأخر ذلك الولد،حتى فقدا الأمل ،وغاب سالم عن عيون اهل القرية ليواري فشله ،فاشتغل عاملا بسيطا في شركة ((ارامكو)) بشرق البلاد،هاربا من جنوبها ....مسافة بعيدة وشاسعة جدا،يقطعها الراحل على سيارات ((لوري؟؟)) قديمة جدا،في مسافة ثلاثة ايام الى اربعة بلياليهن،ولا تسأل عن العذاب في تلك الرحلة التي كانت قطعة من جهنم!

هرب سالم يبحث عن لقمة العيش التي لم تعد تكفيه من مزرعته البسيطة ،وهرب ايضا من عيون الناس والسنتهم واسئلتهم كذلك التي لاتتوقف....لماذا لم ينجب الى الآن..؟؟

وأما الآن فرأسه عالية مرفوعة،وراس زوجه سلمى كذلك،المرأة الصابرة المؤمنة،وبعد الصبر يأتي الفرج،وبعد سبع سنين من الالم يهل الامل المفعم الجميل....بميلاد (( عمار الصغير؟؟))........


***************
ولد بطل قصتنا ((عمار)) لزوجين عانا العقم لسبع سنين،ثم هل خريف العام الثامن بقدوم ((عمار..))... وعاد رب الاسرة من جديد الى عمله البعيد البعيد،تاركا امرأة كالرجال تحمي وليدها،في ظل رجال لايراها صغيرهم الا ام له،ولاينظر لها كبيرهم الا اختا له،او ابنة له.......انهم رجال القرية ..اولئك الأعراب الذين عاشوا في فطرة نقية بجهل،وجهل في نقاء،كانوا رجالا حقا،لم تفسدهم بهارج الدنيا وترفها الى الوقوع في ادناسها........

عاشت سلمى تعمل في المزرعة مع عائلة سالم،تعمل بجد فتسقي الزرع،وتحلب الضرع،وتحرث الارض،وتعين على نوائب الدهر،والوقت وقت حصاد صيف،وبعد انتهاء نفاسها،خرجت الأم تعمل كما كانت في شقاء...وتمشي في عناء...

وكان الحال - حقيقة - حال جميع النساء ليس في تلك القرية فحسب،بل في كل مدن وقرى ((المملكة؟؟)) كانت الحياة كما يقولون ((قشراء؟؟)) متعبة ومهلكة،فالجوع يغرس انيابه السامة في خواصر البلاد من شرقها لغربها،ومن شمالها لجنوبها،وكان الضمأ يحرق بلهيبه القاسي البلاد من شامها ليمنها،الا ان بوادر الغيث صارت تقطر...قطرة...قطرة...فبدأ النفط يتدفق...قطرة...قطرة...وكأنه نذير للصحراء بقدوم الغيث لتلك البلاد التي عانت الفقر والجوع والمرض سنينا طويلة... وأعواما مديدة........


*********
كانت سلمى تعمل من الصباح الى قبيل المغرب،وتعود الى بيت العائلة،فتتسامر الحديث مع صاحبتها ((حسناء)) وهي اخت زوجها سالم من امه،وصديقتها العزيزة الى قلبها،كانت حسناء لاتفارق زوجة سالم في غيابه ورحيله،وعلى اية حال فهي تسكن الى جوارها في بيت حجري قديم بسيط ملاصق لبيت أخيها،تزوجت حسناء من سنتين او اقل...وهي الآن قاب قوسين او ادنى من الوضع....

وحين خروج سلمى للعمل،تضع الصغير عمار عند ((خالته)) وتخرج،لم تكن حسناء تعمل هذه الايام لأنها كما اسلفت تنتظر مولودها الاول عن قريب......

عادت سلمى بعد نهار شاق ومتعب الى بيت ((حسناء)) لتاخذ ولدها وتطمئن على اختها ....

ولم يطل المقام بأخت سالم،ان ولدت طفلة صغيرة جميلة،اسموها ((ليلى؟؟))..........

.........يتبع...

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
[align=center][align=left]اثْنان يــســتــحــقــون الــعــطــاء أنـــا ونــفــســي[/align][/align]
[align=center]

http://audio.islamweb.net/audio/list...10942&type=ram[/align]
أخر مواضيعي
سجين غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس