من طنجة للعالم في 30عاماً
ولد ابن بطوطة في طنجة بالمغرب عام 1304 لعائلة عرف عنهاعملها في القضاء. وفي فتوته درس الشريعة وقرر عام 1325،وهو ابن 21 عاماً ، أن يخرج حاجاً. كما أمل من سفره أن يتعلم المزيد عن ممارسة الشريعة فيأنحاء بلاد العرب. في أول رحلة له مر ابن بطوطة في الجزائر وتونس ومصر وفلسطين وسورياومنها إلى مكة. وفيما يلي مقطع مما سجله عن هذه الرحلة:
"كانخروجيمن طنجة مسقط رأسي... معتمداً حج بيت الله الحراموزيارة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام ، منفرداً عن رفيق آنس بصحبته ، وركب أكون فيجملته ، لباعث على النفس شديد العزائم ، وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة... فجزمت نفسي على هجر الأحباب منالإناث والذكور ، وفارقت وطنيمفارقة الطيور للوكور ، وكان والداي بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وصباً ، ولقيت كمالقيا نصباً."
في تلك الأيام الخوالي, كان السفر عبر هذه المسافات الشاسعة والمغامرة بدخول أراضغريبة مجازفة. غير أن ابن بطوطة كانت لديه الجرأة ، أو على الأقل العزم ، بما يكفيللشروع في رحلته وحيداً على حمار. وفي الطريق ، التحق بقافلة من التجار ، ربما بدافعالسلامة ، وكانت القافلة تتكاثر مع الطريق بانضمام المزيد إليها. ومع وصولهم القاهرةكان تعداد القافلة قد بلغ عدة آلاف من الرجال ولم يتوقف بعد عن الازدياد. ولابد أنابن بطوطة قد أحس بإثارة بالغة لتقدم رحلته. فقد كانت أول تجاربه المباشرة في تعلمالمزيد عن أكثر ما يهواه ، وهو دار الإسلام. فقد قابل علماء المسلمين واكتسب مزيداً من المعارف الدينيةوالشرعية.
حين وصولهم إلى الجزائر ، أمضت القافلة بعض الوقت خارج أسوار المدينةلينضم إليها مزيد من الحجيج. وعند مدينة بجاية ، تدهورت صحة ابن بطوطة. غير أنه بقيعازماً على مواصلة المسير وعدم التخلف عن الركب بسبب صحته. ومشيراً إلىهذا الحادث يقول: " إذا ما قضى الله أجلي ، فسيكونموتي على الطريق ، ميمماً وجهي شطر مكة."
وأثناء مسيرة القافلة في أراضي ليبيا،وجد ابن بطوطة أن من المناسب له أن يتزوج ابنة تاجر تونسي مسافر معهم في القافلةإلى الحج. وقد تزوجها ابن بطوطة في مدينة طرابلس ، غير أن الزواج لم يعمر طويلاًبسبب خصومته مع حميه الجديد. لكن على ما يبدو لم يزعج هذا ابن بطوطة كثيراً فسرعان ما خطب فتاة أخرىهي ابنة حاج من فاس. وفي هذهالمرة كان حفل الزفاف يوماً كاملاً من الاحتفالات.
مصر و سوريا
بدأت القافلة تقترب من مصر. وقد أذهلت القاهرة ابن بطوطة ، إذكانت كما هي اليوم ، أكثر المدن العربيةصخباً ونشاطاً ولهذا قرر أنيمضي فيها بضعة شهور. إذلايزالعلىموعد الحج على أية حالثمانية شهور. كانت القاهرة كما وصفها ابن بطوطة "أم المدن, سيدة الأرياف العريضةوالأراضي المثمرة ، لا حدود لمبانيها الكثيرة ، لا نظير لجمالها وبهائها ، ملتقىالرائح والغادي ، سوق الضعيف والقوي... تمتد كموج البحر بما فيهامن خلق بالكاد تسعهم..."
بقي ابن بطوطة في القاهرة قرابة شهر. وحين رحيله عنها قررأن يسلك طريقاً غير مباشر إلى مكة مادامت شهور عديدة تفصله عن موعد الحج. ومضى إلىدمشق ، التي كانت حينها العاصمة الثانية للدولة المملوكية في مصر. لم يكنهذا الجزء من رحلة ابن بطوطةمليئاً بالأحداث, ربما لاستتباب الأمن فيه نسبياً في عهد المماليك. لكن دمشق سحرتابن بطوطة بجو التسامح والتعاضد الذي يسود فيها. وعنها يقول: "تنوع ونفقات الأوقاف الدينية في دمشق تتجاوزكل حساب. هناك أوقاف للعاجزين عن الحج إلى مكة ، ومنها تدفع نفقات من يخرجون للحجنيابة عنهم. وهناك أوقاف أخرى توفر أثواب الزفاف للعرائس اللائي تعجز عوائلهن عنشرائها ، وأوقاف أخرى لعتق رقاب السجناء. وهناك أوقاف لعابري السبيل تدفع منريعها أثمان طعامهموكسائهمونفقات سفرهم لبلدانهم. كما أن هناكأوقافاًلتحسين ورصف الدروب ، لأن كل الدروب في دمشق لها أرصفة على جانبيها يمشي عليها الراجلون ، أما الراكبونفيمضون في وسط الدرب."
أخيراً مضى ابن بطوطة للحج. وبعد قضائه مناسك الحج ، أدركأن نفسه تواقة أكثر من أي وقت مضي لمواصلة الترحال. ولم يكن لديه بلاد بعينها يريدأن يقصدها ، بل كان هدفه الوحيد هو زيارة قدر ما يستطيع من البلدان, لكنه توخى أنيعبر دروباً مختلفة. وهكذا تنقلفي الشرق الأوسط بأكمله ، من إثيوبيا جنوباً إلى فارس شمالاً. "ثم سافرنا إلى بغداد، دار السلام وعاصمة الإسلام. فيها شاهدت جسرين كالذي في الحلة، يعبرهما الناس صباحمساء ، رجالاً ونساء.
الدروب إلى بغداد كثيرة ومعمرةبإتقان, معظمها مطلي بالزفت من نبع بين الكوفة والبصرة يفيض منه بلا انقطاع. ويتجمع على جوانب النبع كالطينفيجرف من هناك ويؤتى به إلى بغداد. في كلمعهد ببغداد عدد من الحمامات الخاصة به ، وفي كل منها جرن اغتسال عند أحد أركانهايتدفق الماءفوقهمن صنبورينأحدهما للماء الساخن والآخر للبارد. ويعطى كل مغتسل ثلاث مناشف, واحدة ليلفها حولخصره حينما يدخل والأخرى ليلفها حول خصره حينما يخرج والثالثة ليجفف بهاجسده."
ثم توجه ابن بطوطة شمالاً ليستطلع بحر قزوين والبحر الأسود وجنوبروسيا. لكن أسفاره اللاحقة الأكثر متعة كانت إلى الشرق في آسيا. فقد قصد الهند حيثنال هناك إعجاب الإمبراطور المغولي لمعارفه وقصصه. وعرض الإمبراطور على ابن بطوطةمنصباً في بلاطه فقبله. وهذا ماأتاح له الفرصة ليجوب كل أنحاء الهند. وبعد اكتسابه معرفة وفيرة ببلاد الهند لكثرةأسفاره فيها, أرسله الإمبراطور سفيراً للهند إلى الصين. وكان مقدراً لهذه الرحلة أن تكون الأخيرة قبل عودته ابنبطوطة لوطنه. فرغم بعد المسافة قرر أن يقصد المغرب. وقد وصل شمال غرب إفريقيا عام 1351. وقبل عودته أخيراً إلى فاس في المغرب عام 1353 خرج في رحلة صغيرة إلى إسبانباثم في سفرةجنوبية إلى الصحراءالكبرى.