لم أكن في شارع الشانزليزيه أو حتى في ساحة الحرية
ولم أكن في منتصف الليل ذروة ملاحم التسكع والتقليعات
كانت مجرد مشاهداتٍ عابرة في ساعةٍ من النهار أتت تباعاً
وتوالت أحداثها دراماتيكية وهو تقريباً سيناريو يتكرر كل يوم
ذوو سحناتٍ مألوفة تكتظ بهم جنبات الطريق وتهيمن عليهم صبغة
التجمّع البشري البعيد حساً وانتماءً عن كل اعتزازٍ بالمواطنة ومتطلباتها
ألبسةٌ أقربُ لأزياء المهرجين تفضح العورات وتفزع الروعات
قَصّاتُ شعرٍ ثائرةٌ ومسترسلة وشيءٌ مما يتجمّل به الجنس اللطيف
سجائرٌ تتطايرُ أعقابُها من نوافذ السيارات
إيقاعاتٌ موسيقيةٌ صاخبةٌ وأغانٍ بلسانٍ أعجميٍ مشين
كضربٍ من ضروب العبث بالمشاعر والتعدّي على الأذواق
توحي بوجود ثقافةٍ ربيبةٍ لأقاصي الثقافات وعاقةٌ لقربى العادات والانتماءات
أشباحٌ معلقة الأرواح بالعيش كيفما مالت بها رياح الأهواء
وعصفت بها تيارات الاغتراب والخواء
أجسادٌ تغادر وتعود وعقولٌ تهاجر مع تلك الأجساد أو بدونها ولا تعود
وقعت في أسر الانبهار وهيام الانصهار
شارعٌ مزدحمٌ بما لا يمت لهويتنا السعودية بصلة
أو يعكس رصيدنا الثقافي والحضاري إلا بتسارع فقدنا لموروثاتنا
وتفاقم نزف قيمنا وتفريغها من محتواها العريق واستبداله بما شذّ شكلاً ومضموناً
.
فما هكذا تورد الإبِل يا دعاة التغيير ومُطاردي موضة والانسلاخ والتهجير
فلقد أوردتم شبابنا المشرب الكدر بالاندفاع والانصياع
لكامل ما يقذف عنوةً في مفاهيمهم من غث الحضارات المستوردة
دون سمينها وأفرغتم عقولهم وأفئدتهم من كل انتماءٍ لدينهم
ووطنيتهم وثقافة مجتمعهم لجعلها خاويةً لتلقي ما وافق أهوائكم
فإن كُنّتم لا تملكون مفهوماً عن الرقي في سُلّم التطوير والارتقاء
إلا بتغيير الأشكال والمبادئ وتبعيّة القيم والعادات
فقد أُصيبت أدمغتكم بهوس التقليد وحكمتم عليها بالانتحار
في دهاليز الانحلال والانقياد وراء مالا طائل من ورائه
ولن نرضى بذلك السبيل لمستقبل أجيالنا وسنظل ننادي ببطلانه
ونسعى لكشف نواياه السقيمة وتبعاته العقيمة
.
دمتم ودامت بلادنا بأمان الله ورعايته
من زيغ القلوب وضُلال الدروب