الموضوع
:
سنين العنف وسويعات السلام
عرض مشاركة واحدة
09-02-2011, 07:01 PM
#
7
سجين
رد: سنين العنف وسويعات السلام
الـــقـــريـــة
أنجبت حسناء ليلى،في ليلة ليلاء،لم تذق فيها طعم النوم،ومرت ساعة الألم كما تمر بكل الأمهات،تعب ونصب،وآلآم لو عرفها المرء لانحنى لأمه عبدا وخادما ابد الدهر....!!
ولدت ليلى،بعد ميلاد عمار بثلاثة اشهر،وكانت ظروف العائلتين متشابهة ومتقاربةإلى حد كبير،بل لعلها كانت صورة طبق الأصل،والحال مشابه لحال اهل القرية بعمومها،حيث الفقر والجوع قرينان لايفترقان وعدوان يجتمعان.....!!
الجوع....؟؟
نعم إنه الجوع،المارد الذي يفتك بتلك الأجساد المنهكة الضعيفة،فلا تتبّلغ منه الا كما يتبلغُ المحب من وصل حبيبه، كريح الصبا تهب من مرابع حبه،وموطن قلبه،فلا الصبا ونسيمه يطفئ نار الوجد،ولا يروي ظمأ الفقد..!!
وعاشت الأختان ((سلمى)) و ((حسناء)) في كبد،تعملان من الصباح الباكر الى وقت الغروب،حياة كلها شقاء ونصب،لتعودان ليلا والآلآم ثالثهما،في غياب العائل،وفقد الزوج....
فزوج سلمى سالم،عامل بسيط - كما اسلفنا- في ((شركة ارامكو)) هرب من القرية فقيرا معدما، لعله يجد بتلك الصحراء القاحله،ما يسكت به جوع بطنه،وتعب اسرته،وسداد دينه،ولا يعود لقريته الصغيرة ولأسرته الا بعد سنة او مايقارب،يعود بمال قليل ..لعاعة دنيا،لا تسمن ولا تغني من جوع....
وأما زوج حسناء،فلم يكن بأفضل حال من صاحبه،هاجر ايضا من القرية وعمل سائقا شقيا اجيرا،يكابد العناء ليلا ونهارا،فلا يدري ايعود بعد تلك الاشهر لزوجه وطفلته ام يذهب ضحية لتلك السيارت البائسة وطرق الموت الوعرة.....!!
ايام شقاء وتعب..........
إنها حياة القرية البائسة،فالأرض لم تعد تروي ظمأ تلك الأفواه،وتشبع تلك البطون،لذا هاجر الكثير من الرجال،وتركوا ورائهم الزوجات في نصب وتعب،يقاسون الجوع نهارا،والحرمان ليلا....
وعاشت الأختان،في تلك البيوت الحجرية الصامدة،بيوت صغيرة جدا،بُنيت من الحجارة والحصى،كانت بيوت القرية متلاصقة متقاربة،ومع ذلك الفقر القاسي،والحرمان المضطرد،الا ان روح الحياة لازالت تدب في تلك الخرابات التي يسمونها بيوت...!!
فالقرية كانت وطن واحد...وقلب واحد...وأسرة واحده...فالصغير فيها ابن للكبير،والكبير فيها والد للصغير،وحين يغيب العائل،او يفقد بموت او سفر،فالقرية كلها رجالا ونساءا،تصبح لتلك الأسرة المفجوعة الفاقده الحضن الذي تلجأ إليه،لعلها تبكي في دواخله تعب الأيام،وخواء السنين...فترتاح...!!
ومن اين تأتي الراحة،في هذا الواقع البائس الغريب......!!
ضاعت القرية على رأس ذلك الجبل الممتد من جبال السروات،ونامت على ذراه،حباها الله جمالا وخضرة،وطبيعة ساحرة خلابه،تمتد وديانها على سهول من جنات العريش،وكروم العنب،واشجار الرمان والتين...
وحين الغروب يبهرك منظر السنابل الصفر وهي تنحني ملأى بالحب حين يهب عليها نسيم الصبا الجميل، فتتمايل كالغادة الحسناء ضاحكة مستبشره .
تلوح بيدها باسمة للراحل المجافي... وللحبيب الجافي، كأنها تودع شمس الاصيل وتحييها،فتكللها الشمس بأشعتها الذهبية رادة تلك التحية،فترسل على تلك الكروم شعاعا ذهبيا يزيد جمالها جمالا،ويغدق على روعتها الجلال إغداقا،فيصبح لمنظرها المرء سكرانا،وعلى جمال ابدعه الله فيها هائما وبها ولهانا....
جمال الطبيعة،وقسوة الحياة....اجتمعت في تلك القرية البائسة..........
ولكن الناس لم تعد تسعدهم تلك الطبيعة الساحرة،وتلك الوديان المترعة خضرة وحياء،ولا يثير مسامعهم خرير الماء،كأنه وشوشة الأحبة في ليل بهيم،لأن الجوع لم يترك في نفوسهم معنى للأدب تتذوق به ذلك الجمال وتعيشه.........
فالحب والجوع قرينان لايجتمعان ابدا،ولا يتعايشان مطلقا،ولو جاع العشاق وخيروا بين الخبز...والحب،لاختاروا الخبز وكفروا بالحب.....!!
وهكذا دارت رحى الأيام،وبهكذا سارت عجلة السنين تقطع الفيافي والقفار،وعاش الناس على اية حال حياتهم،راضين بها على مضض،فلم يكن بالإمكان كما قيل بافضل مما كان.........
وعاشت الأختان هذه الحياة،في هم وغم ...شقاء ووحده،لايسعدهما ولايخفف عنهما الا تلك الضحكات التي تطلقهما افواه ذينك الطفلين بعد رقاد....عمار وليلى...!!
وهكذا رويدا رويدا...كما تدب اشعة الشمس متسللة عبر سديم الظلام،ناشرة الدفأ وشعاعات الفرح،هكذا كبر الطفلان،وهكذا يكبرون،وعلى غناء العصافير صاروا يحبون....
وفي ليلة كمل فيها القمر،وصار بدرا....عاد سالم ...التقى بأهله...ودار هذا الحوار :
******** سلمى بحزن وتوجع : غبت كثيرا يا ابا عمار ...اطلت الترحال...فمتى تكف عن هذا العناء وترتاح..؟؟
سالم بتوجع وهو يحمل عمار : آه يا سلمى...وماذاعساي ان افعل...؟ فالحياة اصبحت صعبة جدا،وكسب العيش اصبح عسيرا في هذه القرية،فالمزرعة لم تعد تكفينا شيئا،لا بد من الرحيل...؟؟
سلمى : ولكنك تعبت كثيرا ياسالم،ولم يفدك التعب نفعا ابدا،وما تحوزه بعد كل هذه الشهور الطويلة،فتات لايكفي ولا يعول،ولا ينفع،فابق هنا،ودعنا نعش كما كنا نفعل ،لا احمل هما الا ان نعيش بهدوء،لنربي هذا الصغير،لا اريده ان يكبر وانت عنه بعيد..؟؟
سالم : لعل الله يفرج عنا مانحن فيه،وعلى اية حال فأنا لن ابقى هناك طويلا،سأعود حتما لهذه القرية،ولكن لن اعود خالي الوفاض ياسلمى...ولن اعود لأيام الفقر من جديد..؟؟
سأشقى لكي يعيش عمار سعيدا هانئا،لا اريد له ان يقاسي العذاب الذي قاسيت،ولا الهم الذي عانيت..؟؟
اتعلمين يا سلمى،سأدخل عمار المدرسة،وسأعلمه احسن تعليم،وسأجعل منه مهندسا ،كحال رئيسنا السويسري الذي نعمل تحت امرته اجراء...؟؟
سأطلق حياة الفقر ياسلمى،لن اعود للفقر،ولن ارتع فيه...؟؟
سلمى تطلق زفرة توجع : ولكني تعبت ياسالم،لا استطيع تحمل الشقاء لوحدي،فهذا الصغير بحاجة لاهتمام ورعايه،وانا اخاف ان اتركه،حين اذهب للمزرعة...او للرعي,,..!!
سالتك بالله،ان تبقى ياسالم،لا اريد ان افقد هذا الصغير،او افقدك،فانا لم اعد اتحمل الشقاء والنصب وأترك عمار لوحده...فإنه الحياة التي احياني الله بها بعد موات دام لسبع سنين...؟؟
سالم : لاتخشي شيئا ياسلمى،سيكبر عمار تحت ناظريك،وسيعوضك الله خيرا و مايقدره الله لنا سيكون يا ام عمار،وانا لن اطيل الترحال،سأعود حتما يوما ما،ولكني لن اعود للفقر من جديد...!!
سلمى : أواه يا سالم...احس عرى الصبر تنفك عروة...عروة...لاقدرة لي على التحمل كثيرا ياسالم..؟؟
سالم : لاباس ياسلمى،فلنصبر قليلا،سنحترق كالشمع لنضيء لهذا الصغير طريقه غدا...اترين بسمته ياسلمى،انظري إلى جمالهاوبراءتها،انها تريحني من عذاباتي كلها،او لايستحق عمار منا ان نضحي..؟؟
الا يستحق ياسلمى....؟؟
*******
تصمت سلمى ....فلا تجيب...!!
*******
وفجأة تدخل حسناء اخت سالم،تحمل صغيرتها في حجرها....
سالم بفرح : اهلا حسناء....مرحبا بك اخيه،،،كيف حالك...؟؟
حسناء : بخير يا سالم،وحشتني كثيرا،لم كل هذا الغياب،هل نسيتنا...؟؟
يقهقه سالم ضاحكا : معاذ الله ان انساكم يا اختي،كيف حالك،وكيف حال ليلى...هاتيها...هاتيها ياحسناء..؟؟
*******
يحمل سالم ليلى في حجره،يلاعبها،ويقعدها بجانب عمار...؟؟
*******
سالم : ماشاء الله تبارك الله،ابنتك جميلة يا حسناء،حفظها الله...اكيد طالعه لخالها...؟؟
يضحك سالم عاليا.....
حسناء وعلى وجهها ابتسامة الرضى : نعم هي جميلة لخالها...اليس كذلك ياسلمى..؟؟
سلمى : تهز راسها بالموافقه...وهي تبتسم..
سالم مخاطبا زوجته وأخته : غدا ان شاء الله،ينتهي هذا البلاء،وتتعدل بعون الله ظروفنا وأحوالنا،صدقاني لن يطول هذا الفقر القابع بالقفر،ستتغير احوالنا الى الأفضل بعون الله،لعل الله يرفع عنا بلاء الفقر والحرمان رحمة بهؤلاء الصغار....لاتيأسا ولا تبأسا،فالعسر بعده يسر،والضيق مفتاح الفرج،وظلام الليل يعقبه شروق الفجر....
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها** فرجت وكنت اظنها لاتفرج..
بالمناسبة...حينما يكبر الصغيران،سأزوجهما من بعض،،،،ومن الآن فصاعدا عمار...لليلى...وليلى لعمار..؟
ما رأيكما...؟؟
*******
يبتسمان في هدوء....
مايكتبه الله يصير يا ابا عمار ....
سالم : ماحال زوجك يا اخيه...هل من اخبار عنه..؟؟
حسناء : لا والله يا اخي،له الآن اكثر من خمسةاشهر،ولا نعلم عنه شيئا،حتى ابنته لم يرها الا مرة وحدة،ثم سافر ولم يعد الى الان،اخشى ان يكون قد صابه مكروه...؟؟
سالم : لا يا اخيتي...تفائلي بالخير،سيعود بعون الله....!!
حسناء : ارجو ذلك....!!
*********
وهكذا...عاشت هذه الأسرة،في ظل ظروف بائسة مريرة،الجوع...الفقر...المرض... الثلاثي المرعب الذي ابتليت به البلاد في ذلك الزمن المغبّر،وكما اسلفت،كان الفقر يغرس انيابه السامة في خواصر البلاد،شرقا وغربا،شمالا وجنوبا،زمن طويل والناس تعيش البلاء،وترفع اكفها الى السماء...تنتظر الفرج من الله...
ولم يطل بالناس البلاء,فبعد حين،ستتبدل الأرض غير الأرض والسماء غير السماء،ولربما تتحقق نبوؤة ابي عمار،ليعيش عمار وجيله متعلما ودارسا،ولعل الله رحم اولئك الخلق... رحمة بأولئك الصغار....
وعلى اية حال...فالخط الآن مابين السابق واللاحق،الماضي والمستقبل،فاصل في الزمن وتطوره،والحضارة ونقلتها الباهرة في وقت قصير،فمابين الأمس الغابر ((القرية)) والألم،والغد المشرق ((المدينة)) والأمل،خيط دقيق فاصل،يرسم الطريق لتلك الأقدام الغضة،والذي قدر لها السير عليه،فهل كانت الأيام القادمة حلوة نضرة تعبق بالأمل،وتفوح منها رائحة الغنى والمجد والسعادة،كما توقع وتنبأ ابو عمار،ام هي ايام مخيفة مرعبة غامضة،كما تراها ام عمار.....!!
يتبع
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
[align=center][align=left]اثْنان يــســتــحــقــون الــعــطــاء أنـــا ونــفــســي[/align][/align]
[align=center]
http://audio.islamweb.net/audio/list...10942&type=ram
[/align]
أخر مواضيعي
سجين
مشاهدة ملفه الشخصي
البحث عن المشاركات التي كتبها سجين