يجهل أهالي قرية الصُدَاق ببلاد زهران الفرق بين الحياة و الموت حين يكون للأمر علاقة بإغاثة ملهوف.
بسبب الأمطار الغزيرة التي هطلت يوم أمس الأحد على أجزاء متفرقة من وادي تربة، عاد ضيف الله بن صالح بصعوبة بالغة من عمله عند الساعة الثالثة بعد الظهر ليتناول غداءه مع صغاره في أبوة حانية.
توضأ بعد ذلك و اتجه لأداء صلاة العصر في مسجد القرية الذي لا يبعد كثيراً عن بيته. بعد الصلاة، رأى ضيف الله أن يلقي نظرة على مزرعته ليرى ما إذا كانت قد تعرضت لضرر جراء الأمطار التي بدأت منذ الصباح الباكر.
استغرق الأمر زهاء الساعتين قفلَ الرجلُ بعدهما عائداً إلى صغاره وقد أخذ منه التعب و الإعياء ما الله به عليم.
قبل أن يدلف إلى بيته، تلقى ضيف الله اتصالاً يفيد بأن سيارتين قد علقتا في أحد الأودية المجاورة، و أن فريق الإنقاذ الذي بعثت به إدارة الدفاع المدني قد علق هو الآخر قبل أن يتمكن من الوصول إلى المركبتين.
نسي ضيف الله حينها أن أبناءه ينتظرون عودته إليهم كي يُسمِعهم عبارات المديح على أداءهم لواجباتهم المدرسية كما هي عادته قبل أن يودعوه إلى أسِرةِ نومهم. لم يتذكر حينها إلا أنه رجل أمن، فضيف الله مدير مركز شرطة بني عدوان.
في دقائق معدودة، وصل ضيف الله بسيارته الخاصة إلى الموقع ليشاهد السيارتين عالقتين على مقربة من الضفة المقابلة للوادي و إشارات الاستغاثة لا تفتأ تلوح من الطرف الآخر.
يدرك ضيف الله أن عبور الوادي مخاطرة شديدة قد لا يلقى صغاره بعدها.
الليل يدنو في موعد لم يخلفه قط.
السيل الجارف يملأ جنبات الوادي.
ماء السماء يزداد انهماراً
الغرق مصير بدا و كأنه نهاية القصة
مخالب الموت تتراءى أمام عينيّ المنقذ
الوقت لا يعطي فرصة للتفكير
عباب الماء قد يزج بروح ضيف الله إلى عنان السماء
غير مبالٍ بما قد يحدث، يتقدم الشجاع في مشهد تذهل منه العقول
يصارع الموت و المياه ليصل أخيراً إلى هدفه النبيل
صحيفة ،،،،،،،،، التقت الرجل الشجاع الذي قال: أحسنت الظن بربي و قلت في نفسي و أنا أرى الصبية و من معهم أن الله لن يخذلني قط في مهمتي الإنسانية تلك.
و أضاف: (حين شاء الله أن أصل إليهم، أدركت أن الله قد أراد بي و بهاتينك العائلتين خيراً، فلم أكترث حينئذٍ لخوض تجربة الموت مرة أخرى في طريق عودتي)
ضيف الله سجل موقفاً رجولياً آخراً حينما أصر على أن يترجل عن سيارته ليقدمها لأحد الرجلين ليوصل الأسرتين إلى قريتيهما.
إصرار الرجل الشهم كلفه العودة إلى بيته سيراً على قدميه تحت جنح الظلام، قاطعاً جبلين يفصلان قرية الصداق عن قرية الهُجران حيث موقع التضحية
[blink]
ضيف الله بن صالح عيضه الزهراني،، ثكلته أمه من ليس كمثلك
[/blink]