جلس الأسد على كرسيه مهموماً مشغولاً بأمر غابته، إذ أنه يرى أن قانون الغاب تملك حيوانات الغابة ولم يعد هناك فسحة للأخلاق أو العواطف الطيبة، وفكر ملياً في تغيير هذا القانون وتبديله بقانون ينظم العلاقات بين الحيوانات، ويؤسس لعلاقة طيبة بين الحيوانات والقيادة المتمثلة بشخصه، لكن التفكير أعياه وأتعبه، وسهر الليالي وقضى الأيام والشهور يفكر في حل لهذه المشكلة، لكنه لم يتوصل إلى حل مرضي، عندها عقد العزم على أن يجمع سكان الغابة ويستشيرهم.
أصدر الأسد أوامره للطيور: أن نادوا في سكان الغابة ليجتمعوا اليوم في ساحة الحكم، فطارت الطيور على أنواعها تبلغ الأمر الملكي لكل سكان الغابة، وحان وقت الاجتماع العظيم، وبدأت الحيوانات والطيور على أنواعها تجتمع في ساحة الحكم، والتفت حول كرسي الأسد تنتظر وصول الأسد ليعرفوا سبب اجتماعهم.
وصل الأسد متأخراً كعادته، وجلس على كرسيه وصمت الجميع ولم يبقى من الأصوات سوى همسات هنا وهناك تستفسر وتتساءل عن سبب الاجتماع، قال الأسد: يا أهل غابتي الكرام! إنني ما جمعتكم اليوم إلا لأمر خطير وحدث جليل، لقد فكرت في تغيير قانون الغاب لنضع بدلاً منه قانوناً يؤسس لعلاقة طيبة بين أفراد الغابة.
فتعالت أصوات الحيوانات الأليفة موافقة على اقتراحه وفي الجانب الآخر تعالت أصوات الطيور الكاسرة والحيوانات المفترسة رافضة الاقتراح فالوضع بالنسبة لهم أكثر من ممتاز!
فزأر الأسد ورفع صوته قائلاً: كفى! عاد الصمت مرة أخرى للاجتماع، ثم تابع الأسد حديثه قائلاً: إنني تأملت في حالنا فوجدت أن غابتنا سينتهي سكانها إن لم نعدل من قوانينها، ولذلك جمعتكم على أساس أن نتشاور لنخرج بقانون يرضي الجميع ويعدل بين الجميع، ويحفظ لغابتنا قوتها ومهابتها، وأعرض عليكم أمرين، الأول أن توافقوا على مشروع لقانون جديد أعده لكم مجموعة من حكماء الفيلة، أو أن تختاروا انتم مجلساً تشريعياً يكتب لكم القانون الجديد.
فتعالت أصوات الحيوانات مرة أخرى وعادة الفوضى للاجتماع، ففعل الأسد مثل فعلته السابقة وهدئ الجميع، وبعدها قال: من يوافق على الاقتراح الأول فليرفع يده أو ذيله!! فلم يجد موافقة إلا من الفيلة التي رفعت خراطيمها بكل فخر! لكن سرعان ما طأطأة الفيلة خراطيمها عندما رأت أن الجميع غير مهتمين بهذا الاقتراح.
قال الأسد: أرى أن الجميع يوافق على الاقتراح الثاني إذاً؟ فرفعت الحيوانات ذيولها والطيور أجنحتها وعلا صوت الجميع بالموافقة، إلا قرد وبومة! لم يأبه لهما أحد، وقال الأسد: لنختر من بيننا أحكم الحيوانات ونعطيهم كل الصلاحيات ليشرعوا كيف ما شأوا، فلم يتكلم أحد ففهم أنهم موافقون بصمتهم، ثم قال: أنا أختار الفيلة لأنها أحكم الحيوانات، فأشارت الحيوانات بالرفض، فقال النمر: نحن لها، لكن الحيوانات الأليفة خافت من بطش النمور وجشعها، وعاد الصمت مرة أخرى، واستغل الصمت الثعالب المكارة فقال رئيس الثعالب: نحن أدهى الحيوانات وأشدهن مكراً فلماذا لا تختبرونا؟ فعلى صوت الجميع بالرفض، واحتارت الغابة في من تختار لمجلسها التشريعي.
قال حمار الوحش: نحن؟ فضحك الجميع وغرق الجميع بالضحك حتى سالت دموع أعينهم والبعض منهم وضع يديه على بطنه واستلقى على ظهره من شدة الضحك! فنظر حمار الوحش مستغرباً للحيوانات، فنهق ورفس شجرة خلفه وقال: نحن حمير الوحش والحمير الأهلية مظلومون! في كتب الأدب ينعتون الناس بنا لغباء البشر وبلادتهم، لكننا أذكى من كل الحيوانات وهذا ما أثبتناه على مر العصور، من ساعد البشر في بناء الحضارة؟ من حمل البشر في تنقلاتهم؟ نحن وبكل فخر، وكان في منافستنا الجمال والإبل لكن الغابة لا تسكنها الجمال.
صمت الجميع مقتنعين ومتأثرين بكلام الحمار الوحش، فقال الأسد: أرسلوا رسولا منكم ينادي بين أعمامكم من الحمير الأهلية، وفعلوا وجاءوا بمائة حمار ليكونوا مجلساً تشريعياً بدلاً من المجلس السابق الذي لم يحقق طموحات حيوانات الغابة.
جاء المجلس المنتخب بأغلبية الأصوات ما عدى صوتي قرد وبومة، وبدأ بعقد الجلسات تلوا الجلسات من غير فائدة ترجى أو تقدم واضح في الوضع المراد تغييره، وتملك اليأس من نفس الأسد، وتخلت الغابة عن الفكرة، لكن الأسد بقي في نفسه بصيص من أمل لتغيير الوضع، فعاد لجمع سكان الغابة مرة أخرى واستشارهم في انتخاب مجلس جديد، رفضوا أن يرشحوا أحداً لمجلس جديد، لكنهم أصروا على استجواب المجلس التشريعي ليستفهموا منهم سبب تأخرهم في تشريع قوانين جديدة تعدل من الوضع القائم.
اجتمع المجلس أمام بقية الحيوانات، فقام رئيس المجلس يشرح ما دار من نقاش بين أعضاء المجلس الموقر، وتبين أن اختلاف المصالح بين الحيوانات وضياع حقوق حيوانات أخرى يحول دون تشريع قوانين جديدة حيث رأى رئيس المجلس رئياً وقاله بكل صراحة: قانون الغاب هو الأصلح للغابة، ولا يمكن أن نأتي بقوانين البشر لنطبقها على الحيوانات.
خيم الصمت على الجميع، وفجأة! سمعوا صياح القرد من وهو متعلق بفرع شجرة عالية قائلاً: قلت لكم! قلت لكم! لقد رفضت كل محاولات الأسد لتعديل قانون الغاب، لكنكم لم تستمعوا لي، إن البشر لهم قوانينهم الخاصة التي تناسبهم لكنها بكل تأكيد لا تناسبنا، وكيف تريدون من الحيوانات ذات القدرات العقلية المتواضعة أن تفكر بمثل تفكير البشر؟ لن تستطيعوا أن تكونوا مثل البشر أبداً ولو طال الزمان بكم.
إن كل مجلس تنتخبونه أو يقوم الأسد بتعيينه لن يفلح في تغيير شيء ما داموا يريدون التفكير بعقلية البشر، قلت لكم وأقولها لكم اليوم، لنعد إلى ما كنا عليه في السابق وسنعيش في أمان، صاح الجميع موافقين مؤيدين، وقبل أن يقوموا من أماكنهم سمعوا صوت البومة وهي تطير مبتعدة قائلة: إن رأس مائة حمار لا يساوي رأس إنسان واحد!
منقول