يا شام معذرة زاغ الحديث بنـا والهم في النفس أشتات وأشجان
أكْـرِمْ بقوم شـروا لله أنفسهـم فالملك عارية والروح قربان
نالوا الشهادة إذ قـامت وسائلهـا بكل جنب فطاعون وطعان
في المرج رهط وفي عَمْواس طائفـة حُمَّ القضاء وما للقوم أكفان
ما مات قوم أبو الدرداء خَالِفُهـم أنسى بحكمته ما قال لقمان
سل قلعة النصر والإصرار هل بقيت من آل حاميم أصداء وبنيان
إذ جاء من طيبة الغراء مصحفها لما اعتنى بكتاب الله عثمان
الله يجزيه خيراً مـا سـمى أحـد وما تألق بالترتيل نعمان
معلم الخيـر بالإحسـان يذكـره في البر نمل وفي اللجات حيتان
بكت دمشق زماناً من مواعظـه وفي القلوب ينابيع وصلدان
وإن ألمت به في الـرأي معضلـة يمده خابر الأديان "سلمان "
القول إن قـال أمثـال مصرفـة والفعل للمقتدي هدي وإحسان
يجلـو قلوبا يغشِّى الران رونقهـا ويرتقي بالتي في نورها غان
* * *
والتابعون من الآفاق قـد وفـدوا أزد وقيس وأنمار وخولان
فـللجـوامـع أحبـار محلقـة وللرباط صناديد وفرسان
حياك يا أمـة التوحيد مـا طربت ورق وما ثملت بالشدو أفنان
ولى هرقل وولاها معاوية فعلَّم الروم أن اليأس سلوان
الحلـم شيمتـه والغـزو همتـه أرسى السفين كأن البحر قيعان
ما بيـن شاتيـة تغـدو وصائفـة ما فل عزم ولا وافاه خذلان
والصافنات أبو أيوب يـزجرهـا وللمنايا أخاديدٌ وخلجان
يا أشرف الصحب داراً طاب مضطجعٌ بساحة الروم نائي الدار ضحيان
جعلته معلمـاً يـذكي عزائمنـا إذا تخبطها دنيا وشيطان
ثم انبرى الخثعمي الشهم يوردهـا أصفى الموارد عزاً وهو نهلان
لله هذا الفتى مـا كـان أعظمـه لانت صخور الرواسي وهو صوان
ستون عامـاً قضاهـا في مرابطـه لم توقد النار إلا وهو يقظان
وهل رأيت حبيبـاً حبـه لـهب إذا أديرت رحاها فهو طحان
يا شام سـاء صبـاح الروم قد نزلت بساحة الروم أهوال وشجعان
ما أصبحت بالكماة الشم مترعـة وعسها الليل إلا وهي جبان
* * *
وظـل ديدننـا هـذا وديدنهـم حتى اعترانا البلى والسعد ظعان
هنا استبدت بنور الحـق غاشيـة وسنة الله أن الزيغ غشيان
ومن يزيد إلى الحجاج ما فتئت تشكو من الظلم أنحاء وأعيان
والظلم شؤم وشر الظلم ما ولغت فيه الملوك وأثرى منه سلطان
والناس إن بايعوا والسيف يخفقهـم فلفظهم مادح والقلب لعان
والناس تخدع من بالزيف يخدعهـا تطيعه صورة والسر عصيان
والكسرويـة في الإسـلام محدثـة أكلما مات حرب قام مروان
وفـي أميـة للإسـلام مـأثـرة كما لهم ثلمة والله ديان
إن كفَّر الله عنهم بعض مـاعقـدوا واستأثروا فبما أمضى سليمان
لكن للعـدل كَرَّاتٌ وإن نـدرت تذكر الناس بالشورى متى بانوا
* * *
وكان أول وعد صادق عمر تبارك الله عين العدل إنسان
الراشـد الماجـد الميمون طائـره عليه من سمة الفاروق تيجان
فاعجب له عمراً يقفو خطا عمر كما همى صيِّبٌ يتلوه هتان
يا واعظاً وعظ الدنيـا بسيـرتـه روح من الرشد لاحيف وإدهان
والظالمون لهـم يـوم سيفجؤهـم إذا تسربلهم نار وقطران
* * *
تـاريخنـا هكـذا حيناً عمالقـة غر وحيناً طواغيت وأوثان
هـذا يبيت ثقيـلاً من مـظالمهـا وذاك للرد والإنصاف سهران
وكـم تـوثب فينـا ثعلـب خَتِلٌ ودبر الملك قينات وخصيان
وكم تحكـم باسـم الدين طاغيـة وكم تحكم باسم العلم كَهّان
وكم رأيت دعاة الحـق يقذفـهـم بلعام ُ واستخدم الأشرافَ دهقانُ
إذا تـألـه فـرعـونٌ عـلى ملأ فهل يلام على الإفساد هامان ؟
وأغفلُ الناس مـن تغلـي رعيـتـه غيظاً ويحسب أن الصمت إذعان
والناس ينسون إلا مـن يجـرعهـم مرارة الظلم ما للظلم نسيان
يدسـه الجـد للأحفـاد مستعـراً والأم ترضعه والثدي لقان
إذا الفراعين سنـوا الظلـم فلسفـة تلطخت فيه أقلام وأذقان
باسم السياسة حل الظلم بل نسخت من الشريعة أعلام وأمتان
الـرعب يستلب الأحـلام يقظتهـا وبهرج الزيف للأنظار دخان
* * *
ومرَّ دهر ودنيا الشام خـاملـة منذ استبدت برأس الأمر بغدان
حتى اقتضت سنة الرحمن أن طرقت أبوابها من جيوش الكفر صلبان
ومـا الفرنجـة إلا معشـر همـج أخنى عليه دهور وهو وسنان
والدين للنـاس مفتـاح يحركـه باسم التعصب صديق وشيطان
وربما اعتذر الشيطـان -سيـدهم- مما افترى "بطرس " وافتات "أُربان"
* * *
والترك لما تخلى العرب قـد ورثـوا عبء الجهاد فما هانوا ولا لانوا
شجاعة الترك بالإسلام قـد زكيت ليست كما ربها خان وخاقان
هـم المغاويـر لا ريث ولا وجـل هم العماليق خيال وسفان
لا ترتوي من دماء الـروم أنفسهـم بل نابهم لهث عنها وإدمان
فـإن شككت فسل عنهم عطارفـة لما تعاورها روس وشيشان
هم وحدهم قد أذاقوا الروس ملحمة والروس للغرب كل الغرب أقران
والشام أبطالها من حاط ساحتها ولا تبالي متى جاءوا ومن كانوا
* * *
وهكـذا جاء نور الدين فـابتهجت في السهل عرس وفي الأبراج أحضان
أتى إلى حلب الشهبـاء ينقذهـا إذ كان لطخها بالرفض رضوان
وجـاء بالسنـة الغـراء يبعثهـا هداً لكفر العبيديين إذ خانوا
خمسون حصناً بحد السيف حررها وكلها بالعلوج الشقر ملآن
قـد عاهـد الله أيمانـاً مغلظـة وهو الصدوق وإن لم تعط أيمان
ألا يُرى ساعة في الدهـر مبتسمـاً ولا يقر لـه حال ولا شان
مادام في حـوزة الكفـار مسلمـة يسومها الفحش دعار ومجان
ولا يظللـه سقـف ولا كـنف ما قام للسيف إعمال وإثخان
ما نال من بيت مـال المسلمين يداً وإنما رزقه بالوقف دكان
وزوجه تنسـج الأستـار صـائمةً نهارَها وهي للإفطار أثمان
دار الحديث بناهـا فـهي سـامقة والعلم أس وباقي الأمر بنيان
ألغى المكوس وأقصى من تـأولهـا والسحت مهما طغى غبن وخسران
والعدل والنصر مصفودان في قـرن ومنتهى الظلم إدبار وخذلان
شـر الملوك الذي يختـان أمتـه في رزقها فهو مكاس ومنان
قـل للمرائي بلا جهد ولا نـصب أقصر لُعنت فخير منك قزمان