رحله شاقه بين الماضي والحاضر
رحلة شاقة ( بين الماضي والحاضر ) ..!!!
--------------------------------------------------------------------------------
رحلتْ بي الذكرى إلى حقبةٍ ليست ببعيدة ، فلست من الرعيل الأول ، ولا من الجيل الجديد ، ولكني متوسط بين الفريقين ، أدركت بقايا من الماضي ، وعايشت ولادة الحاضر ، والمنتصف موقعٌ يحبذه كثير من الناس ولكن أعتقد أن من عايش تلك الفترة الانتقالية ، سيعلم أن المفترق صعب ، فالناس مابين متشبث بالماضي ، ومغازل للحاضر ، منهم من كان يرى كثيراً من الضروريات في هذا الزمن ( عار وشنار ) زمنٌ كان فيه – الشاي- نقلة حضارية مذهلة ، والأرز من خصوصيات الأغنياء ، كان ذلك الزمن مريحاً رغم ، شغف العيش ، وقوة الكدح ، كان الأب لايجد صعوبة بالغة في تسيير أمور بيته وأهله ، فالمزرعة بجانب المنزل ، يَهبُ إليها الصغير والكبير ، من الأب إلى أصغر الأبناء ، يتولى كلٌ منهم مهمة معينة ، فالأب يسقي ويحرث ، والزوجة تحمل مخلاتها وتصرم السبل ، والأبناء (يورعون) البهائم في مكان مخصص أو جزء من المزرعة يسمى ( المخراش )وكل هذا في منظومة عائلية رهيبة ورائعة ، توحي بالمحبة والألفة ، والأمان ، ثم تنطلق الأم بصحبة إحدى بناتها لتأخذ قليلا من ( الذرة أو البر ) فتطحنه بواسطة الرحى ( آلة كالطاحونة ) وتقوم بخبزه وإحدى بناتها تقوم بحلب إحدى الشياه ، ليتم إعداد وجبة الإقطار ،وتجتمع العائلة على تلك الوجبة بحب وصفاء بعيداً عن صخب الحضارة وضجيجها ، ومع ذلك فتلك الوجبات متوجةٌ بالصحة والنقاء ، آآآه ما أجمل ذلك الزمن الذي كان فيه كل بيت يمتلك السمن ، والعسل ، والدقيق ، واللبن ، واللحم ، والدجاج ، وكل ذلك من إنتاج رب البيت وربة البيت ، بل وحتى قوت البهائم كان من المزرعة ، زمنٌ لم يتحكم فيه الناس بأرزاق الناس ، زمنٌ كان أقرب إلى التوكل ، لا إلى التآكل ، تقوم المرأة من نومها لتعد طعام أسرتها دون عناء وبحث في الأسواق أو البقالات ، في عولمة محلية فإذا نقص الدقيق أرسلوا إلى الجيران بإناء من اللبن أو السمن ، ليؤخذ مقابله حفنةً من الدقيق ( تبادل اقتصادي ) ، لم يكن الناس في ذلك الزمن يعيشون الرعب المعيشي الذي يعيشونه اليوم ، فقد أصبح ارتفاع الدولار يؤثر على معيشة الأسرة في الشرق والغرب ، واصبح الجشع التجاري يُهدد حياة الكثير من الناس في شتى بقاع العالم ، ولكن مع ذلك كله أعتقد أن الأسر لها دور في هذا العناء ، فهناك فرق بين أسرة الماضي والحاضر، فأسرة الماضي تعمل ماتحتاجه بيدها ومن إنتاجها ، وأسرة الحاضر لاتأكل إلا من إعداد غيرها ، حتى وإن كان الطعام معداً في المنزل ، فمكوناته تمر بمراحل متباعدة ومتعددة مما يجعل الفرد يواجه صعوبة في جلبه ، وهذا يفقده الأمان الغذائي ( هذا المصطلح ربما يستغربه الكثير ) ، إنني اعتقد أن حب الأسر للرفاهية ، وعدم سماح الدولة لها بإنشاء ماتريده من مسكن بالطريقة التي توافق ظروفها المادية ، فشروط المساكن وغلاء الأسعار حال بين الأسر والتملك ، واعتقد أن حلم الأسرة الأول في هذا الوقت هو المسكن. إنني اعتقد أن كابوس العولمة سيجعل من العالم افريقيا جديدة ، فعدوا عدتكم وارجعوا الى مزارعكم ، ورمموا مناحلكم ، وقربوا الشياه والأبقار ، والمخلاة ، والمحش ، والمهراس ، والمحماس ، فقد تقوقعت الفضة الى نحاس .
استفيدوا ممن سبقكم خبرة ، واسألوهم عن بلادكم ومعافيكم القديمة ، فقد اهملتموها وكما قيل ( قديمك نديمك )قربوا السحب والشبنة ، وهيئوا اللومة ، وازرعوا حياتكم بأيديكم لا بأيدي غيركم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|