[طائر الفينيق]

.. يحدق في زوايا غرفته الصغيرة , بعد أن أنزوى بنفسه خلسة ليخرج من عالمه ولو لدقائق , محاولا أن يلمح طيف حبيبة جمعت بينه وبنها أحلى أيام العمر , فأيام المراهقة بالنسبة له لم تكن كسائر أقرانه , كان هو الوحيد من بين إخوته الثلاثة الأكثر تمردا .
يشعل سيجارة وينفث بقايا الكربون ومعها تخرج آهات بطعم الألم , يسترجع لحظات الحب الأول , فقد مرت خمسة عشر عاما على حب بدأ صدفة , ولم يمت رغم السنين وتغير المواقف , تسقط من أحداقه دمعة دون أن يشعر , يعلم جيدا أن الأقدار قد حددت مصير كل منهما , وكل بدأ حياته بعيدا عن الآخـر .
يعلم تماما أن ذلك الود لم ينتهي فبعد سنة أو سنتين يسأل كل منهما عن الآخر , كيف هي أحواله؟ , ولا يعلمان ما سر هذا الاحتياج الجائع لبعضهما , أهو تعب الحياة وظلم الآخر ..!.
يغمض عينيه ويسافر مع روحه إليها , يعانق أيام العشق الشجي, يزور بخياله كل الأماكن التي شهدت جنون المراهقة .
فجأة يقرع باب غرفته لتنسف كل الأطياف الوردية بتلك الزوايا , يستيقظ من عالمه إلى واقعه , ودون استئذان يفتح الباب وإذا بأصغر أطفاله يصرخ ألما , يشكي من بطش أخيه الأكبر , يضمه بحنان الأب إلى صدره لكنه يحس بدبيب الحبيبة الأولى بينه وبين طفله الصغير وكأن أصابعها تنغرس في صدره احتجاجا على تصرفه الأرعن بعد أن كان للتو معها .
يحمل صغيره ويغادر الغرفة تاركا وراءه " طيف " السنين الحبيبه من عمره وبقايا سجائره وقليل من رماد .
تحياتي