16-06-2011, 07:38 AM
|
#4
|
|
رد: الحياة الزوجيه في حيات الرسول
والله دائما أقول ..
رغم التكليف الإلهي لمحمد صلى الله عليه وسلم بتبليغ الشريعة على أكمل وجه ، وتحميله مسؤولية الرسالة ، فقد أدى الأمانة ونصح الأمة وجاهد في الله حق جهاده صلوات الله وسلامه عليه ..
ولم يشغله ذلك عن حياته كإنسان .. يحب ويشتاق .. يرحم ويشفق .. وحياته كزوج هي صورة للحياة الزوجية المثالية ..
وأرفق لكم جزءا من بحث سابق لي اعتنى بشخصية محمد صلى الله عليه وسلم ، قلت فيه :
المطلب الرابع: رسول الله صلى الله عليه وسلم مع النسـاء:
المرأة عاطفة تتدفق .. ومشـاعر تتألق .. جعلها الإسلام سكن الوالد .. ومحضن الولد .. وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفق بها وشبهها بالقوارير ، فقال: (رويدك يا أنجشة سوقك بالقوارير)[1] ، وقد راعى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الجانب في النساء فتميز النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم بشخصية باهرة في التعامل معهن ، ومن هذا ..
يحكي أنس بن مالك فيقول: ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام فضربت التي النبي في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت ، فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ويقول: غـارت أمكم ، ثم حبس الخادم حتى أُتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت)[2].
وفي الحديث ما كان عليه نبي الأمة من رفق عظيم ، وصبر جميل ، وتصرف حكيم ، مع نسائه الضرائر ، وأثر ذلك الخلق القويم في تهدئة المشاعر الثائرة ، واحتواء الأزمات الطارئة ، وعلاجها وتفادي الأضرار المحتملة.
ولنقترب أكثر... ولندلف إلى بيت الحبيب صلى الله عليه وسلم .. فإذا الخادم يحمل طعاماً صنعته ضرة عائشة رضي الله عنها ليأكل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتها... والبيت مليء رجـالاً من الصحـابة ، وعائشة مشغولة بإعداد الطعـام لضيوف زوجها ، فترى الخادم بين يديه الصحفة ، فتتحرك حمية الغيرة في خواطرها ، وتحتدم عواطفها وتغتم لمرآه ، فلا تملك نفسها حتى تضرب إنـاء ضرتها ، فيتصدع ويتناثر على الأرض بما فيه ، على مرأى ومسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يلمح ذلك بطمأنينة وهدوء ، ويتنفس هموم حبيبته ، ويعذر الغيرى ، ويعرض عن لومها وعتـابها ، ويضرب عن تأديبها ولو بالكلام ، ويهوي بتواضعه الجم إلى فلق الصحفة ، وأشلاء الطعام ...فيجمعها من الأرض .. وهو يردد ويتودد .. بأرق عبارة وأعذب بيان وأجمل اعتذار .. (كلوا.. غـــارت أمكم ) وقوله صلى الله عليه وسلم (غارت أمكم) اعتذار منه صلى الله عليه وسلم لئلا يحمل صنيعها على ما يذم ، بل يجري على عادة الضرائر من الغيرة فإنها مركبة في النفس بحيث لا يقدر على دفعها [3].
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينبوعـاً لا ينضب من الحب والحنان والدفء ورقة المشــاعر العاطفية فهاهو مع عائشة رضي الله عنها يأبى إجابة الطعام حتى تصحبه ، فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث أنس ، أن جاراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم فارسياً ، كان طيب المرق ، فصنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جـاء يدعوه ، فقال: (وهذه؟) يعني عائشة ، فقال: لا ، فقال رسول الله : لا ، فعاد يدعوه ، فقال رسول الله: (وهذه؟ ) لعائشة ، فقال: لا ، قال رسول الله: لا، ثم عاد يدعوه ، فقال: رسول الله: (وهذه؟) لعائشة ، فقال: نعم ، فقاما يتدافعان حتى أتيــا منزله.
قال النووي: (... فكره الاختصاص بالطعام دونهـا ، وهذا من جميل المعاشرة وحقوق المصاحبة ، وآداب المجالسة المؤكدة)[4]
فانظر إلى وفائه r ومراعاته لأهل بيته ، فإنه امتنع عن إجابة الدعوة لكون عائشة لم يؤذن لها بالمشاركة ، وتأمل حلمه على الفارسي ، وتقديره للداعي حيث اعتذر عن استقبال عائشة مرتين، فامتنع رسول الله r عن الإجابة دون أن يقرن امتناعه بتوبيخ أو تأنيب على عدم استقبال أهله، لتقديره لظروف أصحـابه ، وتأمل إصراره على مشاركة عائشة له الطعام ،لطيب مرق الفارسي ، ومنعه نفسه من هذا المرق الطيب حتى تشاركه زوجه رضي الله عنها ، فصلوات الله وسلامه عليه ، كم كان عظيمــا!![5].
وتعجب حين تقلب صفحات السيرة النبوية من شخصية محمد صلى الله عليه وسلم المنحدر من بيئة صحرواية جبلية قاسية ، يعمها الجهل والفوضوية ، كيف بلغ أعلى مستوى من النجاح الاجتمـاعي المنقطـع النظير..
أخرج ابن ماجه في سننه عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي r مرّ ببعض المدينة ، فإذا هو بجَوار يضربن بدفهن ، ويتغنين ويقلن:
نحـــن جَــوَارٍ من بنــي النجــار يا حبذا محـــمد مـــن جـــار
فقال النبيr : (يعلم الله إني لأحبكن)[6] ، ففي الحديث أن النبي r أحسن الأمة خلقـاً ، وأبسطهم وجهاً ، كان فيه من اللطف ما لم يكن في غيره ، صلى الله عليه وسلم.
وها هو رسول الله r مع الأرملة ، التي حرمت من الزوج بعد وجوده ، فانكسر خاطرها ، وجرح قلبها ، وبحاجة إلى من يعولهـا ويمسح بيد الحنان على أولادها ، يرغب في السعي عليها والقيام بشؤونها فيقول: (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجـاهد في سبيل الله ، كالقائم لا يفتر ، وكالصائم لا يفطر)[7] ، قال ابن قتيبة: سميت أرملة لما يحصل لها من الإرمـال ، وهو الفقر وذهاب الزاد بفقد الزوج [8] ، ومعنى الساعي: الكاسب لهما العامل لمئونتهما[9] ، الذي يذهب ويجيء في تحصيل ما ينفع الأرملة والمسكين[10].
وعن عبد الله بن أبي أوفى قال: (كان رسول الله r يكثر الذكر ، ويقل اللغو ، ويطيل الصلاة ، ويقصر الخطبة ، ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين ، فيقضي له الحاجة)[11] ، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (إن كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله فتنطلق به حيث شاءت)[12].
وهذا دليل على مزيد تواضعه وبراءته من جميع أنواع الكبر r ، وعبر عنه بالأخذ باليد الذي هو في غاية التصرف[13].
وعن أنس رضي الله عنه قال: (أن امرأة كان في عقلها شيء ، فقالت:يا رسول الله إن لي إليك حاجة،فقال:يـا أم فلان ، انظري أي السكك شئت ، حتى أقضي لك حاجتك ، قال:فخلا معها في بعض الطرق حتى قضى حاجتها)[14] ، ففي الحديث بيان بروزه للناس وقربه منهم ، ليصل أهل الحقوق إلى حقوقهم ويرشد مسترشدهم [15]، وفيه حرصه على النسـاء وقضـاءه حاجاتهم ... صلى الله عليه وسلم .. كم كـان رحيماً لطيـفاً!
وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يجيب النسـاء لما طلبنه ، ويجعل لهن وقتاً لما أردنه ، فيأتيهن ويحدثــهن ، فيطمئن قلوبـاً وجلة ، وأفئـدة خاشعة ، ويبشرهن بأعظـم بشـارة ويواسيهن بأروع كلمة ، ففي الحديث: (جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله،ذهب الرجال بحديثك ، فاجعل لنا من نفسك يومـاً نأتيك فيه ، تعلمنا مما علمك الله ، فقال: اجتمعن في يوم كذا وكذا في مكان كذا وكذا ، فاجتمعن ، فأتاهن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمهن مما علمه الله ،ثم قال: ما منكن امرأة تقدم بين يديها من ولدها ثلاثة إلا كان لها حجاباً من النار ، فقالت امرأة منهن: يــا رسول الله ، اثنين! قال: فأعادتها مرتين ، ثم قال: واثنين واثنين واثنين)[16].
ورغم أعباء محمد r الثقيلة ، كرئيس للدولة ، وقائد للجيش ومرشد فكري وأخلاقي لأتباعه ، فإنه لم يغفل أن يكون الحبيب المعين لأسرته ، حيث كان يخدم زوجـاته ويساعدهن في أعمالهن المنزلية ، مشعراً إياهن بأهمية المرأة وقيمتها العالية في الدين الإسلامي.
فعن الأسود قال: (سألت عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي يصنع في أهله؟ ، فقالت: كان يكون في مهنة أهله تعني خدمة أهله ، فإذا حضرت الصلاة خـرج إلى الصلاة)[17].
وتتجلى شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وتعامله مع المرأة حين نلج إلى بيته صلى الله عليه وسلم ، فعن عائشة قالت:قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لأعلم إذا كنتِ عني راضية وإن كنتِ علي غضبي ، قالت: فمن أين تعرف ذلك؟ ، فقال: أما إذا كنتِ عني راضية فإنك تقولين:لا ورب محمد ، وإذا كنت غضبى قلتِ: لا ورب إبراهيم ، قالت: قلت: أجل ،والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك)[18].
ففي الحديث إن من فطنة الرجل ورقة عاطفته ويقظة إحساسه استقراؤه لحال زوجته ، من فعلها ، وقولها ، وحركاتها ، فيما بتعلق بالميل إليه وعدمه ، والحكم بما يقتضي القرائن ، لأنه صلى الله عليه وسلم جزم برضا عائشة وغضبها بمجرد ذكرها لاسمه وسكوتها ...!! فبنى على تغير الحالتين من الذكر والترك ، تغير الحالين على الرضا والغضب[19].
قال الطيبي: (لا أهجر إلا اسمك) ... هذا الحصر لطيف جداً ، لأنها أخبرت أنهـا إذا كانت في حال الغضب الذي يسلب العاقل اختياره ، لا تتغير عن المحبة المستقرة.
وفي اختيار عائشة رضي الله عنها ذكر إبراهيم عليه السلام دون غيره من الأنبياء دلالة على مزيد فطنتها وحدة ذكائها لأن النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس كما نص على ذلك القرآن ، فلما لم يكن لها بد من هجر الاسم الشريف أبدلته بمن هو منه بسبيل حتى لا تخرج عن دائرة التعلق في الجملة[20].
قال ابن بطال: فيه الصبر على النسـاء ، وما يبدو منهن من الجفـاء ، والحرج عند الغيرة ، لما جبلن عليه منـها ، وأنهن لا يملكنها ، فعفي عن عقوبتهن فيه ... وعذرهن الله فيه [21].
وكما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرعى مشاعر نسائه ، كذلك كان لابنته فاطمة رضي الله عنها
فعن المسور بن مخرمة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو على المنبر ، إن بني هشام بن المغيـرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب ، فلا آذن ثم لا آذن ، ثم لا آذن ، إلا أن يريد بن أبي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم فإنما هي بضعة مني يريبني ما أرابها ويؤذيني ما آذاها)[22] ، وما قال ذلك إلا أن ابنته فاطمة رضي الله عنها كانت فاقدة من تركن إليه ، من يؤنسها ، ويزيل وحشتها من أم أو أخت ، بخلاف أمهات المؤمنين فإن كل واحدة منهن ترجع إلى من يحصل لها معه ذلك وزيـادة ، وهو زوجهن r ، لما كان عنده من الملاطفة وتطييب القلوب وجبر الخواطر بحيث أن كل واحدة منهن ترضى لحسن خلقه وجميل خلقه بجميع ما يصدر منه ، بحيث لو وجد ما يخشى وجوده من الغيرة لزال عن قرب [23]، فقدر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولم يأذن بزواج علي على ابنته رضي الله عنهـمـا ، وهـذا من رحمته صلى الله عليه وسلم بابنته.
وفي هذا المطلــب حوادث كثيرة ومواقـف شتى أكتفي منها بما ذكرت ولو حاولت الاستقصـاء ما استطعت.. وأعلم أني ولجـت يمـاً لا شاطئ له ، لكنما هي شذرات وإلمحـات برحمته صلى الله عليه وسلم ورفقه ولطفه وعونه للمرأة أيــا كـانت .. فصلى الله عليه وعلى آله وصحبـه أجمعين.
[1] أخرجه البخـاري في صحيحه (5797) ، ومسلم (2323)
[2] صحيح البخــاري ،رقم (4927)
[3] حقوق المرأة في ضوء السنة النبوية ، د.نوال العيد ، ص 856
[4] شرح النووي (13/ 209)
[5] حقوق المرأة ، ص 868
[6] رواه ابن ماجة في السنن (1899) ، وصححه الألبــاني.
[7] رواه البخاري في الصحيح ، برقم (5295)
[8] شرح النووي على صحيح مسلم 18/112
[9] المرجع السابق
[10] فتح الباري (9/499)
[11] رواه النسائي في سننه (1414) ، وصححه الألباني.
[12] رواه البخاري في صحيحه ، برقم (5610)
[13] عمدة القاري (22/141)
[14] رواه مسلم في صحيحه (4293)
[15]شرح النووي على صحيح مسلم (15/ 82)
[16] متفق عليه ، رواه البخاري في صحيحه (6880) ، ومسلم (2633)
[17] رواه البخاري في صحيحه (644) ، (5048) ، (5692)
[18] متفق عليه ، رواه البخاري (4930) ، ومسلم (2439)
[19] ينظر: فتح الباري (9/326) ، وعمدة القاري (20/211)
[20] فتح الباري (9/326)
[21] شرح ابن بطــال (7/352)
[22] صحيح البخـاري (4932)
[23] فتح الباري (9/329)
|
|
|