عضو اداري كبار الشخصيات
|
رد: (“'•.¸§(استراحة الشقائق )§ ¸.•”)
وعاد الدفء من جديد ..قصة بقلم ليلى حجازى 6/10/2010
ليلة شتوية باردة...لم تكن مختلفة عن باقى أيامها ولياليها...وقفت خلف زجاج شرفتها ترتدى وشاحاً رمادياً، أقبضت بين كفّيها كوباً من القهوة الساخنة ، علقت فى أذنيها سماعات مسجلها الصغير ...أدارت به أغنية لم تغيرها واستمعت إليها مراراً...
" اشتقت إليك فعلمنى أن لا أشتاق....علمنى كيف أقص جذور هواك من الأعماق....علمنى كيف تموت الدمعة فى الاحداق...علمنى كيف..... "

فوق أطلال تلك الكلمات ...امتزجت دموعها بقطرات بخار القهوة المتكاثفة على زجاج الشرفة....ظنتها تمطر ،، فتحت شرفتها وخرجت لتطلق بناظريها إلى السماء،، إنها تبحث عنه،، ذلك النور الأوحد فى سمائها ( القمر )
بخلت عليها الغيوم تلك الليلة أن تمتع مقلتيها بالنظر إليه,,, تلبّدت السماء بالضباب الكثيف
(وكأن حياتها تفتقد الرمادية) تماماً مثلما تلبّدت رأسها بأكوام الحكايات المتراكمة ,,,
كانت تنتظر البدر لتسردها له طوال الليل...
استسلمت لقوانين الطبيعة الطاغية والقت بكل ما فى جوانحها إلى السحاب ،،،علّها تبعث رسائلها للقمر,,, كانت قد تعلقت به كثيراً منذ أن أصبح جليسها و أنيس غربتها فى هذا المكان الموحش الذى لا تسكنه سوى جدران خاليه إلا جداراً بنفسجياً واحداً حمل على عاتقه إطاراً خشبياً,,,احتضن ذلك الإطار صورة زفاف توارت ملامحها خلف لوح زجاجى التحف غبار السنين ...
نعم ,,, لم تكن تقطن ذلك البيت وحدها,,,,, إنه أيضاً هناك (زوجها الحاضر الغائب) ,,,,
يقضى أوقاته الفارغة مابين مشاهدة الأفلام والتقلب بين صفحات الانترنت التى سحبته دواماتها الغريقة ,,,,
وأنسته أن له زوجة بات مقصراً فى حقها...
كم تمنت تلك التعيسة أن تصبح بطلة من بطلات تلك الافلام
أو أن تكون لفافة من سجائره يتناولها بين إصبعيه ويلثمها بين شفتيه
فتذوب فى أنفاسه لتخرج من فمه مجرد حلقات دخان بلا هوية....
عندها تذكرت تلك اللعينة (السجائر)
وكيف حرمتها من الأمومة بالرغم من مرور خمس سنوات على زواجهما,,,,,
تذكرت الطبيب وهو يخبرهما أنهما ليس بهما أية علّة
تمنعهما من الإنجاب ولكن التدخين من أسباب تأخر الإنجاب...
امتثلت لأمر ربها وأيقنت أن شيئاً لن يكون إلا بإرادته,,,,
تذكرت توسلاتها إليه ومشاجرات حادة دارت بينهما ليقلع عن التدخين ,,,
ولكن كل محاولاتها باءت بالفشل أمام عناده....
تحدثت كتيراً لقمرها المتوارى خلف الضباب ...
اشتدت الغيوم كثافة إلى أن واتتها صفعة رعدية شقتها بزجزجات البرق فتساقطت الأمطار دفعة واحدة,,,,,,,,,
وفجأة انقطع التيار الكهربى,,,,,, دخلت إلى حجرتها مسرعة بعد أن أغلقت الشرفة بإحكام,,,
سمعت صوته يناديها ،، كانت تعلم أنه يريد أن يخفى بعضاً
من خوفه وراء ذلك السؤال" أين انتِ؟؟ لا تخافى "
ذهبت إليه تتحسس خطواتها فى الظلام _ إنها تعلم أنه يعانى من فوبيا الظلام منذ طفولته_
أراد أن يثبت لها عدم خوفه فاستجمع بعضاً من شجاعته الكاذبة وقرر الذهاب للبحث عن شمعة,,,
تعثرت قدماه فى شىء ما ,, فارتطمت رأسه بالحائط " آآآآه ",,,,
لم تستطع أن تتمالك نفسها من السقوط فى دوامة من الضحك الهيستيرى.....
أغضبته ضحكاتها فصاح " لن أحضر الشمع ،فلتذهبى انت " ,,,,
كانت ثمة فرصة قد سنحت له للهروب من الخروج فى الظلمة ،،،
استقر الموقف على أن تذهب هى لإحضار الشموع...
وما أن همّت بالخروج من الحجرة ,,,, شعرت بدفىء أنامله التى تفتقدها أطرافها الباردة منذ فترة,,,
فأقبض على يدها وقال " سأذهب معك حتى لا أتركك وحدك فى الظلام ",,,,
لم تكن تعلم أن تلك اللحظة ستعوضها عن الحرمان من الامومة عندما أمسك بردائها كالطفل الصغير,,,,
تمنت لو تطول فترة بحثها عن الشمع الذى كانت تعرف مكانه جيداً حتى لا تترك يديه,,,
كانت مليئة بالدفىء,,, حينها تذكرت كلمات كانت تتناقلها زميلاتها بالمدرسة
" أن من لديه كف بارد فهو يتمتع بقلب دافىء ،والعكس"
انتابها شعور بالحزن مرة أخرى وتمنت أن ترتمى بين أحضانه
حتى تذيب تلك الجمرة المتوهجة بين ضلوعها هذه الصخرة الثلجية التى حالت بينهما,,,,
بعد دقائق قليلة من البحث وجدت الشموع,,أضاءتها,,,
وجلسا أمام أضوائها الخافتة يتبادلان أطراف الحديث,,,
غمرتها سعادة بالغة,,فهى لم تحظ بتلك الجلسة الشاعرية منذ سنين,,,
نظرت إليه فى حب ودهشة شديدين وقد ألصق ناظريه بعينيها،،،كم كانتا جميلتين بين اضواء الشموع,,
أخذا يقلبان فى أوراق ذكرياتهم الجميلة " أول لقاء ، أول كلمة ، أول هدية ، ..... "
تحولت ليلتها الباردة الى ليلة حفتها ذكريات الحب والحنين،،،، أثناء أحاديثهما الشيقة ,,عاد التيار الكهربى ,,
فصاح مهللا"هيييييييه النور جه"
عاد النور وقطع كل أحبال الود التى اغترست فى أعماق الماضى الجميل ,,,
كسر جسراً من الحب امتد بينهما....
عاودت النظر الى شرفتها ... وهمت للوقوف أمامها من جديد,,,,
فامتدت يديه الى ذراعها يجذبها إليه،، اقترب منها ،،همس فى أذنيها " سامحينى,,,
سامحينى ,,, احتاج اليكِ ،،لا تتركينى "
فى هذه المرة شعرت بتلك البرودة بين أنامله وأحست رجفة فى عينيه,,,,
غمرتها السعادة مرة أخرى,,, ارتمى بين ذراعيها,, اعتذر كثيراً وبكى أكثر
كفكفت دموعه الساخنة وقالت له " ما رأيك أن نصلى ركعتين تضرعاً لله ",, وافقها دون تردد,,,
صّلا ,, وأطالا السجود ,,, عسى الله يتقبل دعواتهما,,,
بكت كثيراً وتوسلت ربها أن يرزقها بطفلاً ينير حياتهما
هو أيضا بكى ودعا الله كثيراً أن يغفر له قسوته عليها
وأن يعينه على ترك التدخين ليس طمعاً فى الانجاب ولكن تقرباً إلى الله وطمعاً فى استرضاء حبيبته....
مرت الايام والشهور ,,, اواصر الحب تتواصل بينهما ,, استعادا كل مافقداه فى غفوة السنين,,,
فى ليلة صيفية رائعة الجمال ,, وقفت بشرفتها تستنشق نسمات الهواء العليلة ,,,
ولكنها ليست وحيدة تلك المرة ,,, وقف الى جوارها محتضناً إياها تحت ذراعه,,,
أطلقا بناظريهما الى السماء الصافية وجالت عينيهما هنا وهناك بحثأ عن النور
فى جنباتها إلى أن جذبتهم تلك النجمة بجمالها الساطع,, رمقاها بنظرة امتلأت بالدعاء
,, يمنيان النفس أن يمتلكا نوراً مثل نورها فى سماء دنياهما,,,مال عليها وسألها "
أتذكرين تلك الليلة المظلمة التى تضرعنا فيها الى الله؟,,,أليس الظلام فى رحابه أجمل بكثير؟"
اعتلت وجهه ابتسامة حزينة برّاقة,,,,فقالت له لاتحزن ,,حتماً سيأتينا نور من الله....
لم تعد جدران البيت خاوية,,,, تلونت بأحلى الالوان,,, وهذا الجدار البنفسجى الذى يحمل صورة زفافهما
سطع فوقه إطاراً آخر أخذ شكل قلب,,,احتضن صورة لثلاثة هو ، وهي ،
وبينهما تلك الصغيرة (ابنتهما رحمة)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التعديل الأخير تم بواسطة شذى الريحان ; 17-09-2011 الساعة 01:09 AM.
|