بســــم الله الرحمن الرحيم
إلى صحبي الكرام في أبها البهية :
بعد فراق تجاوز الشهرين , مضى الشهر الأول كالعادة بعطلة قضيت فيها أسعد اللحظات بين أحضان والدي ,
ثم أتانا شهر الخير , شهر العتق من النيران – جعلنا الله وياكم من عتقاء النار-
فبدأت حياةَ ليست كتلك التي اعتدت عليها , حياة عملية تتسم بالمرابطة التي تشعرني بلذة الصوم مع نكهة المواجهة .
لا ضير فإن كلامي قد يكون مليء بالشفرات , ولكن ليست كتلك التي تحلق الشعرة لتنبت أقسى منها .
نــــعم!!
عشت في كنف هذا الشهر وانقضت مدته ونسأل المجيب أن يتقبل منا الصيام والقيام , وأن يرحم تقصيرنا وأن يغفر لنا. بعد شهر من التأديب الإسلامي الذي يتذكر فيه الصائم صبر الفقير وتجمل العفيف وترقب المحتاج .
تبعه عيد الفطر الذي قبل صلاته يخرج المرء زكاته فيسعد غيره بفضل الله الذي رزقه من عدم .
بعد أن انقضى العيد تذكرت أياماً كنت اعتدّ فيها بعدتي وأتجهز للسفر ومجارات تلك الجامعة التي لا أعرف منها إلا اسمها فقط . ولكن الله عوضني بل أكرمني بمجموعة الثالث والثلاثين (33) بل هم عصبة بمسماها وحواريون بصفتها ,
فالمقتصد منهم أكرم مني وأصغرهم سناَ أفهم مني , وأضعفهم أحلم مني . كيف لا !! وأنا ابن أبي وأمي .
سنوات عدة قضيتها في تلك المدينة الرحبة كرحابة صدور أهلها , تعلمت خلالها تجارب الحياة ,
بعد أن تشبعت بمعنى الحياة وعادات أهل الكرم والنخوة بين أحضان أصالة زهران أحفاد الصحابة والملوك .
وكما هو الحال في بلاد زهران وغامد , فأهل عسير بكافة قبائلها ليس هم عنا ببعيد , فعاداتهم هي تلك التي عرفوا بها وتوارثوها أباَ عن جد . وطئوا أرضهم بأرجلهم فلا تسمع إلا صدى شهامتهم , ولا ترى إلا بريق إيمانهم . قوم خيلهم الصلاة الموقوتة , وسلاحهم الكلمة الطيبة , يعتزون بدينهم ويفرحون بصحبهم , ويتفاخرون بعاداتهم النبيلة .
صحبي الكرام ,
مهما يملي علي عقلي , لا استطيع مجارات إيجابياتكم , وما ذكرت هنا , هو نتيجة نماذج صحبتها من كل قبيلة .
أختم رسالتي بآخر كلمة ألقيتها بين أيديكم في حفل التخرج الختامي . التي افتتحت مقدمتها بما قاله الشيخ / عائض القرني , عن ابن تيمية –رحمه الله - .
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين , سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والتسليم .
أما بعد :-
هل الشمس بحاجة إذا توسطت السماء في يوم صحو أن ينبه على مكانتها ؟
هل القمر في ليلة اكتماله والسماء صافية بحاجة لمن يشيد بعلوه وسنائه ؟
أيها الأحبة .....
ببذلكم وعطائكم , بعلمكم و عملكم , بقولكم و فعلكم , بمظهركم ومخبركم , بماضيكم ومستقبلكم ..
فحيا هلا بكـــم ....
هذه الرسالة هدية أخيكم إليكــم ... دليل حبــه لكـــم ... وخوفه عليكــم ...
فاقبلوها على علتها , وغضوا الطرف عن هفواتها , وتجاوزوا بحلمكم عن زلاتها ...
أيها الأحبة .....
بالأمس كنا نتلقى العلم , ونبذل الجهد , من أجل هذا اليوم الذي نلبي فيه نداء أمتنا , ونرد بعض أفضالها علينا , فوفاءً لهذه الأمة ولهذا الوطن , نجدد العزم على البذل والعطاء , فشباب الأمة هم عصبها الحي وقلبها النابض ورمز قوتها .
كلنا نعلم أن العلم لا يتوقف ولا ينتهي بالحصول على شهادة أو درجة علمية , بل علينا المبادرة الجادة في الرقي بمستوياتنا العلمية والعملية , ولقد علمتنا الحياة أن معالي الأمور لا تأتي إلا بالصبر والمثابرة , ومهما بلغ الإنسان من العلم فهو قليل .
أخواني ,, بتخرجنا سننتقل إلى الحياة العملية وسنجد ما نعرفه وما لا نعرفه , وفي بلادنا الغالية تتسم الحياة بأنها رحبة في الوقت الراهن , وهناك الميادين الكبيرة التي تعرض طائفة واسعة من القدرات في شتى المجالات , لاسيما المجال العلمي البحت , وخاصةً مجال الطب البشري ..
وأحياناً حب التحديات في معترك الحياة يدفع كثيراً منا إلى التهور في اتخاذ القرارات , وخاصةً إن كان هذا التحدي ليس للوصول للنجاح بل لغرض إرضاء النفس , وإبراز الذات للغير ,.
ولكن حب التحدي الذي يتمثل في شخصية المسلم والذي لا يتنافى مع الشريعة الإسلامية الصريحة يصدر من العقلاء الناضجين الذين يملكون البصيرة النافذة و الحكمة العميقة في ترجمة الأمور التي تبدو شائكة ومعقدة وتحتاج وقتاً لحلها عند الكثيرين .
فينبغي أن نستثمر ما تعلمنا ليس كأفراد يطمحون لبناء مستقبلهم فحسب , ولكن كمواطنين مسلمين صالحين , يطمحون لتأمين مستقبل مشرف للأجيال القادمة , كما يجب علينا أن ندفع ونتجنب كل الأمور الشخصية التي تنعكس سلباً على القريب والبعيد .
إن الإسلام يوجد في كل مكان من المعمورة , ويمتد عبر القارات , ويتوزع بين الحضارات والثقافات , ويشكل حزاماً مترابطاً متيناً , ويتوفر على كبير طاقات وعظيم إمكانات , وكل شئ يؤهله ليقدم عطاءاته واهتماماته لخدمة العلم في تعاون مخلص نزيه , ذلك أن الإسلام ليس ديناً فحسب بل هو دين ودنيا .
فها نحن اليوم نفوس تواقة متطلعة لأيام جميلة لم نعشها بعد , فهي قادمة بمستقل مشرق أجمل من أيامنا هذه , أيام ملؤها الخير والحب , أيام مفعمة بأريج الأخوة والتعايش والسلام , رافعين شعار النجاح والفلاح .
أيها الأحبة ....
لا يسعني إلا أن أتقدم بالشكر لله العزيز الحليم , ولكل من وقف معنا ودعمنا وساندنا , فالشكر لكل يد طيبة مدت إلينا , وكل لسان لهج بذكر الله دعاءً لنا , وكل قطرة عرق كادحة صبت ليلاً أو نهاراً في راحتنا .
وإن المرء ليخجل أن لا ينحني شكراً وعرفاناً وتقبيلاً لوالديه الذين سهرا الليالي في تربيته و رفع مقداره ,
فلا بد أن ننحني بتواضع إجلالاً لهما وأن نرفع الصوت عالياً شكراً لهما , .
والشكر موصلاً لكم أنتم ..