وينـــــــــــــــــــــــــــــكـ لا هـــــــــــــــــــــــــــــــــــــلا..؟
... عم فايز " واحد جبنة وواحد شاهي عدني "..!!
اخترقت هذه العبارة العشرات من الواقفين في ذلك الطابور العشوائي بانتظار العم فايز معلم السندوتشات , ليرفع بصره يتفحص الوجوه لمعرفة مصدر الصوت , وبعد أن قرأ وجهي جيدا , ابتسم ابتسامة عريضة مرحبا وهو يسال أين أنت كل هذه السنين..؟ , وأقول في نفسي... يا ألله أخيرا عدت إلى هذا المكان , فقد رأيت عمــــري يمر من أمامي , نعرف بعضنا جيدا , لطالما احتضنت هذه البوفيه الصغيرة على طريق الجامعة آهاتي وصباحات عمـــــري وفجــــر حياتي الطائشة , ومع عبق الشاي العدني ومع إطلالة كل صباح ومع بزوع خيوط الشمس أجدني أنا ورفيق دربي ( عبادي ) هنا في هذا المكان أرتشف الشاي أمام الباب حتى لا يزعج الزبائن دخان سجائري , حيث نتلذذ بمراقبة العابرين ألمح العيون الخائفة من مواعيد " ما قبل الطابور " والهاربة من المحاضرات . هنا في هذا المكان تفاصيل جميلة تتخللها كركرات الصباح وحواديت المراهقة , هنا كل الوجوه تعرف بعضها البعض , هنا طعم آخر لساعات الصباح .
لنعود إلى حيث نسكن بالقرب , في ذلك الحي القديم في بناية نتقاسمها مع عائلة أفريقية متواضعة , حيث الأزقة الضيقة والشبابيك المفتوحة على بعضها , والنظرات الملتهبة التي يخترقها آخر الليل صوت أم كلثوم وهي تصدح " هوا صحيح الهوا غلاب " , و " أنت عمــــري " , والبراد الأصفر المحروق , ورنين الهاتف الذي لا يهدأ , فهاك صوت حنون في الجهة الأخرى طالما كان يسأل عني في وقت لم يكن هناك من يهتم بالسؤال , ففي هذه المدينة كنت وحيدا لا أعرف أحدا سوى رفيق الدرب وبعض من عابري السبيل ..!, في كل ليللة لنا حكاية نعيش معها أيام , هنا عرفت معنى أن أحب , هنا حفظت عن ظهر قلب معنى " وينك لا هلا ...؟ " يعقبه سؤال آخر قبل الإجابة والتلكك " يعني ما بتعرف أنه بالي أنشغل عليك ..؟ " حفظت قهقهات عبادي من هذه الأسئلة المتكررة , هنا عرفت كيف يمكن أن يكون الرجل عظيما في عيني أنثى, رغم أني لا أملك إلا كتب الجامعة وعشرات الريالات مما تبقى من مكافأة الجامعة وعود مكسور وصورتان لها وهداياها .., تهت سنينا وأزمانا حبيبة في لحظات .
وتمر الأطياف واحدا تلو الآخر أمام عيني وإذا بيد العم فايز تهزني وهو يسأل :
الجبنة بشطة والا بدون... ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|