الأمُّ ( حواء )
كان الأب الأول للخلق جميعًا يعيش وحده بين أشجار الجنة وظلالها،
فأراد الله أن يؤنس وحشته، وألا يتركه وحيدًا، فخلق له من نفسه امرأة،
تقرُّ بها عينه، ويفرح بها قلبه، وتسكن إليها نفسه، وتصبح له زوجة يأنس بها،
فكانت حواء، هدية الله إلى أبي البشر آدم -عليه السلام-
وأسكنهما الله الجنة ، وأباحها لهما يتمتعان بكل ما فيها من ثمار، إلا شجرة واحدة أمرهما أن لا يأكلا منها:
(وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ)[البقرة: 35].
وعاشت حواء مع آدم عليه السلامُ بين أشجار الجنة يأكلان مما فيها من فواكه كثيرة وخيرات متعددة، وظلَّا على عهدهما مع اللَّه ، لم يقربا الشجرة التي حرمها عليهما .
لكن إبليس لم يهدأ له بال ، وكيف يهدأ بالُه وهو الذي توعد آدم وبنيه بالغواية والفتنة ؟!
و كيف تستريح نفسه وهو يرى آدم وحواء يتمتعان في الجنة ؟!
فتربص بهما ،
وفكر في طريقة تخرجهما من ذلك النعيم ، فأخذ يدبر لهما حيلة ؛ لـيعصيا اللَّه ، ويأكلا من الشجرة؛ فـيحلَّ عليهما العقاب ..
ووجد إبليس الفرصة ! فقد هداه تفكيره الخبيث لأن يزين لآدم وحواء الأكل من الشجرة التي حرمها الله عليهما،
لقد اهتدى لموطن الضعف عند الإنسان، وهو رغبته في البقاء والخلود :
( فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ(20) وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) ) [الأعراف: 20-21] .
وهكذا زيَّن لهما الشيطان الأكل من الشجرة ، وأقسم لهما أنه لهما ناصح أمين ،
وما إن أكلا من الشجرة حتى بدت لهما عوراتهما ، فأسرعا إلى أشجار الجنة يأخذان منها بعض الأوراق ويستتران بها ..
ثم جاء عتاب اللَّه لهما، وتذكيرهما بالعهد الذي قطعاه معه - سبحانه وتعالى -:
( فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِين )
[الأعراف : 22].
وعرف آدم وحواء أن الشيطان خدعهما وكذب عليهما...
فـندما على ما كان منهما في حق اللَّه سبحانه ، ولكن ماذا يصنعان ؟ وكيف يصلحان ما أفسد الشيطان ؟!!
وهنا تنزلت كلمات اللَّه على آدم، ليتوب عليه وعلى زوجه :
( فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) [البقرة: 37].
وكانت تلك الكلمات هي:
( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
[الأعراف: 23].
وبعد ذلك ..
أهبطهما ربهما إلى الأرض , وأهبط معهما الشيطان وأعوانه , ومخلوقات أخرى كثيرة :
( وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36) فَتَلَقَّى آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39) )
[البقرة : 36].
وهكذا بدأت الحياة على الأرض , وبدأت معركة الإنسان مع الشيطان ,
وقدَّر اللَّه لآدم وحواء أن يُعمرا الأرض , وتنتشر ذريتهما في أرجاء المعمورة .
ثم نزلت لهم الرسالات السماوية التي تدعو إلى الهدى والتقوى .
قال تعالى:
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )
[النساء:1].
وقد حذرنا الله تعالى من طاعة الشيطان بقوله :
{ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ }
(6) سورة فاطر
وظلَّـت حواء طائعة لله - تعالى - حتى جاء أجلها , فرضي الله عنها ..