رد: رجال حول الرسول صلّى الله عليه وسلّم (9) أبو موسى الأشعري
موقف أهل السنة والجماعة من الحرب التي وقعت بين الصحابة الكرام رضي الله عنهم هو الإمساك عما شجر بينهم إلاّ فيما يليق بهم رضي الله عنهم؛ لما يسببه الخوض في ذلك من توليد العداوة والحقد والبغض لأحد الطرفين وقالوا: إنه يجب على كل مسلم أن يحب الجميع ويرضى عنهم ويترحم عليهم, ويحفظ لهم فضائلهم, ويعترف لهم بسوابقهم, وينشر مناقبهم, وأن الذي حصل بينهم إنما كان عن اجتهاد, والجميع مثابون في حالتي الصواب والخطأ, غير أن ثواب المصيب ضعف ثواب المخطئ في اجتهاده, وأن القاتل والمقتول من الصحابة في الجنة, ولم يجوَّز أهل السنة والجماعة الخوض فيما شجر بينهم, وقبل أن أذكر طائفة من أقوال أهل السنة التي تبين موقفهم فيما شجر بين الصحابة أذكر بعض النصوص التي فيها الإشارة إلى ما وقع بين الصحابة من الاقتتال بما وصفوا به فيها وتلك النصوص هي:
1- قال تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ). [الحجرات:9].
ففي هذه الآية أمر الله تعالى بالإصلاح بين المؤمنين إذا ما جرى بينهم قتال لأنهم إخوة, وهذا الاقتتال لا يخرجهم عن وصف الإيمان حيث سماهم الله –عز وجل- مؤمنين، وأمر بالإصلاح بينهم، وإذا كان حصل اقتتال بين عموم المؤمنين, ولم يخرجهم ذلك من الإيمان, فأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين اقتتلوا في موقعة الجمل وبعدها أول من يدخل في اسم الإيمان الذي ذُكر في هذه الآية, فهم لا يزالون عند ربهم مؤمنين إيمانًا حقيقيًا، ولم يؤثر ما حصل بينهم من شجار في إيمانهم بحال؛ لأنه كان عن اجتهاد.
2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق», والفرقة المشار إليها في الحديث هي ما كان من الاختلاف بين علي ومعاوية, رضي الله عنهما, وقد وصف صلى الله عليه وسلم الطائفتين معًا بأنهما مسلمتان, وأنهما متعلقتان بالحق, والحديث علم من أعلام النبوة: إذ وقع الأمر طبق ما أخبر به عليه الصلاة والسلام, وفيه الحكم بإسلام الطائفتين: أهل الشام وأهل العراق, لا كما يزعمه فرقة الرافضة والجهلة الطغام من تكفيرهم أهل الشام, وفيه أن أصحاب علي أدنى الطائفتين إلى الحق, وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة أن عليًا هو المصيب وإن كان معاوية مجتهدًا, وهو مأجور, إن شاء الله, ولكن عليًا هو الإمام فله أجران كما ثبت في صحيح البخاري: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر».
3- وعن أبي بكرة قال: بينما النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب جاء الحسن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين". ففي هذا الحديث شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- بإسلام الطائفتين أهل العراق وأهل الشام, والحديث فيه رد واضح على الخوارج الذين كفّروا عليًا ومن معه, ومعاوية ومن معه بما تضمنه الحديث من الشهادة للجميع بالإسلام, ولذا كان يقول سفيان بن عيينة: قوله فئتين من المسلمين يعجبنا جدًا, قال البيهقي: وإنما أعجبهم لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمّاهم جميعًا مسلمين، وهذا خبر من رسول الله بما كان من الحسن بن علي بعد وفاة علي في تسليمه الأمر إلى معاوية بن أبي سفيان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
|