.
ما تبقـــــى..!
"دماءٌ" ثائرة ما تلبث ان تتدفق في اطرافي .. يتشتت ذهني بين الاقدام والعودة.
سرت حيث لرجلي رغبة ملحة بالعودة الى تلك الازقة.
رعشة لم اعهدها يستجيب لها شعر جسدي النافر.
الجفاف يكاد يلجم لساني.
كان المكان يعج بالأرواح والاجساد.. تنعدم روائح الخير التي كانت تعطر البيوت, الا من حموضة في طرف لساني.
اتذوق طعم قطع السمسم والنارجيل التي كانت تباع على ناصية المدخل الشرقي.. من حيها العامر بشبابي.
بين عشرات عمائر حي البلد ادخل الى حاضنة كبيرة من الاسمنت المتهالك,
يخرج من باب العمارة سرب من الاطفال لا اعلم من أي عالم هم.. لكني اتحاشى النظر اليهم.
اصعد سلالم عمارة تخشى الغريب وترتاب من الدخيل.. منذ ان عرفتها.
جدرانها تبدو كأحافير الحيونات المنقرضة, على غير العادة تبدو ابوابها المصنوعة من الحديد المطعم بالزجاج طويلة الى الحد يثير الذعر..
عبرت هذا الطريق عشرات المرات.. كنت شابا اخر غير الذي يعود اليوم بعد عشرة اعوام.
على الحائط عبارات فاضحة واخرى باسمة وسومات بليدة تشارك في رحلة الصعود من دور الى اخر.
اصوات موسيقي وضحكات صاخبة من احد الابواب في اقصى طرقة الدور الثالث, فضول قاتل, قد يكون جيرانها اسوء مما توقعت..
اعلم طريقي جيدا, لكن التلصص لازال يلازمني كباحث عن المتاعب..
في هذه الشقة هدف يمكن العودة اليه في يوم اخر.. أن استطعت!
اكمل صعودي متثاقلا, لكن بالكثير من الثقة التي عهدتها..
نعم هو المكان.!
اطرق باب اريج, واعتدل في قامتي بالكثير من السكينة..
ـ مين يدق الباب؟
ـ منصور.
ـ مين ؟
ـ منصور.
يفتح الباب على اشباهـ انسانة قديمة.. غائرة العيني, منهكة القوى, موميائية الملامح.
عمرا ملء الفرق بين الحياة والموت.
ترسم ابتسامتها بكثير من العناء, وتطيل النظر.
يهولني منظر كسر كل رغبة لي في الفحولة.. أين ذاك الجمال الذي انسكب في كاسي في يوم من الايام؟
ـ معقولة انتي اريج؟
نطق كل شيء في تلك اللحظة الا هي ... خيل لي ان باب شقتها تحول الى فم وحش يهم بالتهامي.
بقيت على صمتها, وعادت ادراجها الى داخل الشقة..
تصلب فيّ كل عرق, وفقدت القدرة على "الهروب".
عادت اريج نحوى وبيدها علبة دواء بيضاء..
رفعتها نحوى وجهي وهزتها, حتي سمعت هيجان حبة تائه في قاع تلك العلبة..
قالت: ...
.
هذا ما تبقى مني يا منصور.!
.
.
برّاق 2011