الإشراك بالله
أيها الأخوة المؤمنون.. قدمنا الجمعة الماضية تعريف الكبائر والفرق بين الكبائر والصغائر، ووعدنا أن نبتدئ هذه السلسلة، نشرح في كل خطبة بإيجاز واختصار قدر المستطاع كبيرة من الكبائر مما بينه النبي صلى الله عليه وسلم أو استنبطه العلماء من كلام الله تبارك وتعالى وكلام المصطفى صلى الله عليه وسلم، بالأوصاف والضوابط التي قدمناها.
الكبيرة الأولى مما نص عليه النبي صلى النبي عليه الصلاة والسلام نصاً الشرك بالله، الإشراك بالله، جاء ذلك في حديث أبي بكرة رضي الله تعالى عنه في الصحيحين وفي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في الصحيحين، الحديث الأول: (ألا أدلكم على أكبر الكبائر، قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله وعقوق الوالدين) وكان متكئاً فجلس صلى الله عليه وسلم أي: إظهاراً للاهتمام بما سيقول، فقال: ألا وشهادة الزور ألا وقول الزور. وفي حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه: (اجتنبوا السبع الموبقات) أي: المهلكات، وأول ذلك عد النبي عليه الصلاة والسلام: الإشراك بالله.
الإشراك بالله رأس كل ذنب وأصل كل معصية، وأعظم من كل تعد على الله تبارك وتعالى، لأن الإشراك بالله هو عبادة غير الله عز وجل، والإشراك بالله هنا في هذا الحديث لا يشمل فحسب عبادة غير الله مع الله تبارك وتعالى، وإنما يندرج تحته كل كفر، فإنكار وجود الله تبارك وتعالى من جملة ذلك، والشك في وجود الله عز وجل من جملة الإشراك بالله، والتلفظ بكلمة الكفر والردة بعد الإسلام من المقصود بهذا الحديث، في كلام النبي صلى الله عليه وسلم (أكبر الكبائر الإشراك بالله)، ولذلك فإن الله تبارك وتعالى قال في القرآن الكريم: ]إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِر ُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ..[ [النساء 48]. أي إن الله تعالى لا يغفر الكفر، لا يغفر عبادة أحد من دونه، لا يغفر أن يتعدى الإنسان على الإيمان بالله تبارك وتعالى فينكره، (ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) أي أن الذنوب بعد ذلك تغفر بالتوبة بالشفاعة بفضل الله تبارك وتعالى.
لكن الكفر مما لا يغفره الله تبارك وتعالى إطلاقاً، ]أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ *[ [القلم 35 - 37]، لا يمكن أن يسوى المسلم بالكافر، فالذي يقر بوجود الله عز وجل ووحدانيته ويؤمن بكتبه وسله ويصدق برسالة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ويتبعه ويؤمن بما جاء به، هذا رجل من المؤمنين من المسلمين، إذا أذنب فباب التوبة مفتوح، وإذا غفل عن الله تبارك وتعالى فباب التذكير واسع، وفضل الله تبارك وتعالى لا يحد، ولا يمكن أن نسوي بهذا الذي آمن بالله تبارك وتعالى واتبع نبينا عليه الصلاة والسلام وصدق بكل ما جاء به لا يمكن أن يساويه أهل الأرض جميعاً من الكفار، فالرجل الواحد من المسلمين خير من جميع من على وجه الأرض من الكفار، بماذا؟.. بـ: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فاشكروا الله تعالى على هذه النعمة.
اشكروا الله تعالى أنه جعلنا من المسلمين، أنه جعلنا من المؤمنين به، أنه عرفنا بنبيه ورسوله وحبيبه سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، اشكروا الله تعالى أننا نذكره باللسان، ونؤمن به ونصدق بكل ما أنزله بالجنان، هذه نعمة لا يعرف فضلها إلا من حرمها وقصدها، وتعرفون كم يجاهد بعض أهل البلاد الغربية للدخول في الإسلام، فيتيه الواحد منهم عشرين سنة وثلاثين سنة وأربعين سنة يبحث عن الدين الحق، حتى يصل إلى هذا الدين، حتى يهديه الله تبارك وتعالى ويشرح صدره، فيجتمع بواحد من المسلمين يقدم إليه القرآن الكريم أو يستمع إلى محاضرة من المحاضرات فيدخل الإسلام عند ذلك، ونحن ولدنا مسلمين ونشأنا على هذا الدين بفضل الله تبارك وتعالى، ولكننا لا نقدر هذه النعمة قدرها، ولا نعرف حق هذه النعمة، قولوا: الحمد لله على نعمة الإسلام، الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة.
أيها الإخوة، صور لنا الله تبارك وتعالى صورة في القرآن الكريم عن الذي يشرك به سبحانه، في هذه الصورة نرى بشاعة الكفر، ومن جملة الضوابط التي تنضبط بها الكبائر -عدا النص عليها من النبي عليه الصلاة والسلام- هذا الوصف البشع للفاعل والمرتكب لهذه الكبيرة، كما قدمنا في الخطبة السابقة في وصف آكل الربا: ]الذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إلَّا كَمَا يَقُومُ الذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسِّ[ [البقرة، 275] وفي وصف المغتاب: ]..أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيْهِ مَيْتَاً فَكَرِهْتُمُوهُ[ [الحجرات،12]، قال تبارك وتعالى: ]وَمَنْ يُشْرِكْ باللهِ فَكَأنّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخطَفُهُ الطَّيْرُ أو تَهْوِي بِهِ الرِّيْحُ في مَكَانٍ سَحِيْقٍ[ [الحجّ : 31] لأن الذي يكفر بالله تبارك وتعالى يهوي إلى أدنى درجات الحيوانية، بل يكون الحيوان خيراً منه، ويكون الجماد خيراً منه، نسأل الله تبارك وتعالى السلامة، لأن في الإيمان إعمال العقل، والإنسان إنما يتميز من الجماد وسائر أنواع الحيوان بالعقل، فإذا لم يعمل عقله في أهم ضرورات الوجود وفيما خلق لأجله من الغايات لم يكن عاقلاً، وما خلقَنا الله تبارك وتعالى إلا لمعرفته، قال سبحانه: ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[ [الذاريات:56].
يقول تبارك وتعالى آمراً لنا بعبادته وعدم الإشراك: ]وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا[ [ النساء: 36] ويقول تبارك وتعالى: ] إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ[ [المائدة 72].
أما الله تبارك وتعالى فلا يضره كفر الكافرين ولا شرك المشركين، ولا يغير جميع هذا الكفر والتعدي على حدود الله تبارك وتعالى من حقيقة وجود الله تبارك وتعالى ووحدانيته شيئاً، ولذلك فإن الذي يقول: (لا إله إلا الله) يوحد الله تبارك وتعالى في قلبه ويفرده في العبادة والتعظيم، أما في الوجود فما ثمة إلا الله ولم يكن إلا الله ولا يكون إلا الله، ] كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ[ [القصص، 88] ] كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ والْإِكْرَامِ [ [الرحمن، 26 -27]. ولذلك فإن الله تبارك وتعالى قال: ] فَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ[ [الأعراف 190] ]سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ[ [الروم: 40] أي ننزهه سبحانه وتعالى ونصفه بكل صفات الكمال وراء كفر الكفار ووراء شرك المشركين، قال تبارك وتعالى: ]لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ[ [التوبة،31].
لا شك ولا ريب أيها الإخوة أننا ولدنا مسلمين ونشأنا مسلمين، ونسأل الله تبارك وتعالى حسن الخاتمة لنا ولكم أجمعين، ولا شك ولا ريب أن الحديث عن الكفر والشرك حديث يتعدى حدود المساجد، لأن المخاطب به هم الكفار، ولكننا أيها الإخوة نذكر هذه الكبيرة من الكبائر تحذيراً من الوقوع فيها، تقول لي: أيقع الواحد منا في الكفر بعد الإسلام؟!.. وقد بين النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه الشيخان: (ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار) نعم كل واحد منا يكره ذلك أشد الكراهية، ولكن كراهية ذلك تعتمد أولاً على معرفة قدر هذه النعمة وشكر الله عز وجل عليها، ثم تعتمد بعد ذلك على معرفة الأحكام الشرعية وقواعد الإيمان، حتى لا يخرج الإنسان من هذا الدين بعد أن دخل فيه، ولذلك فإن العلماء يبحثون في ألفاظ الردة.
تقول لي: أيشرك الواحد منا؟!.. أقول لك: لا، أنا لا أصدق أن مسلماً يشرك بالله عز وجل أو يكفر به، ولكننا نرى المسلمين يسبون الدين، يغضب على رجل فيسب دينه، مسبة الدين هذه كفر تخرج الإنسان من الإسلام، أيها الإخوة نرى بعض الناس يستهزئ بالدين، يستهزئ بالقرآن، يستهزئ بالعلماء، يكفر ببعض سنن النبي عليه الصلاة والسلام، وهذه الأفعال من المكفرات، يخرج بها الإنسان من الإسلام، وإذا خرج الإنسان من الإسلام فقد حبط عمله، وهذا ما أخبرنا به الله تعالى في القرآن الكريم مما أوحاه إلى النبيين، قال تبارك وتعالى: ]وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ[ [الزمر:65]، حتى أن بعض العلماء نص على وجوب قضاء الصلوات وتجديد حجة الإسلام لمن كفر بعد الإسلام.
فينبغي لنا معرفة الأحكام الشرعية، ومعرفة الكلمات والحذر من هذه الكلمات التي يخرج الإنسان بها من الإسلام، خشية أن يحبط عمله، خشية أن يموت على الكفر وهو لا يدري، خشية الكفر بالله تبارك وتعالى، والكفر الستر والجحود، لأن نعمة الإسلام هي أعظم نعمة امتن الله تبارك وتعالى بها علينا، وهذه المكفرات واسعة، ويضبط هذه المكفرات لمن أراد البعد عنها أن يلتزم الأدب مع الله تبارك وتعالى والأدب مع رسوله صلى الله عليه وسلم والأدب مع كتاب الله عز وجل والأدب مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم والأدب مع أهل العلم فلا يتعدى حدوده، وأن يضبط كلامه فلا يتكلم بكلام لا يحتاج إليه، إذا كان خلافك مع أخيك في التجارة والمال فلماذا تسب دينه وتخرج بذلك عن الإسلام؟! ومما يزيد الأمر سوءاً أيها الإخوة أن الذي يكفر يفرق بينه وبين زوجته، لأنه لا بقاء لمسلمة تحت كافر، وهذا من قواعد الدين ومما أجمع عليه جميع الأئمة المجتهدين بلا خلاف، فإذا ارتد الإنسان عن الإسلام يفرق بينه وبين زوجه، فإذا تلفظ بكلمة الكفر انفسخ عقد الزواج فيما بينه وبين زوجته، فيحتاج إلى تجديد هذا العقد.
وكم من الناس يغضب ويكفر ويسب الدين وهو لا يدري نتيجة ذلك، ولذلك فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال في الحديث الصحيح: (إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في نار جهنم سبعين خريفاً) نسأل الله تبارك وتعالى السلامة والحفظ لنا ولكم، وأن يديم الله تبارك وتعالى علينا وعليكم نعمة الإسلام والإيمان، ونعمة العبادة والطاعة، ونعمة التعظيم لله تبارك وتعالى والأدب معه، وأن يديم علينا وعليكم نعمة العلماء العاملين، ونعمة الصلحاء والأولياء والعارفين.
إنه سميع قريب مجيب، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه........