الموضوع
:
صفحات واضاءات من ال ( Facebook )
عرض مشاركة واحدة
08-05-2012, 05:50 PM
#
30
ابن روزه
مراقب عام
رد: صفحات ومقتبسات من الفيس بوك
عبد الله بن مرضي، (Abdullah)
يا فايق "التّيْسين" رُعْيَانك عوازيب
ما رعاك إلا شُعَيْبِي
فا يق "التّيس" الذي في حَلْق دَوْقه
جرّت " الأوكان " فوقه
الله يعلّك بالمطر يا فوق يا فوق
أرجو أن ترفعوا أيديكم معي إلى السماء مستغيثين الله كما قد دعا من قبل عزيزنا شعيبي – رحمه الله رحمة واسعة - بأن يعلّ المطر الفوق الذي نبت في قمّة بل ذروة جبل "التيسين" الذي يقع في حلق دوقة والذي تعذّر الوصول إليه على جميع الناس ماعدا شعيبي .
"يا فايق التيسين" ، الفايق هو نوع من العشب النظيف الذي لا ينبت إلا في الذُرى ، بحيث لا تدنسه أقدام البشر ، ولا تراه أعين الناس الذين يتهيبون صعود الجبال .وصاحبنا هنا استعار صورة بكامل أبعادها ليعبر بها لنا عن معاناته على طريقته التي كانت طريقة أهل زمانه ، فبها من الرمزية الراقية البليغة ما يجعلنا نعيشها كما هي :
فالكنية التي استعارها هنا لينادي بها حبيبته هي"الفايق" أو " الفوق "، على عكس ما كان يفعل شعراء العرب الأقدمين حين كانوا يصرحون باسم الحبيبة؛ سعاد، خولة ،عزّة ، وبثينة ... الخ . أما في المنطقة الجنوبية فإنّ الرمز يبقى البديل في كل أبعاد الصورة التي نحن أمام واحدة من أجمل ما رُسِم منها .
تعالوا لنتخيّل المنظر : " فايق" في رأس جبل التيسين يبعد كما أعرف عن منطقة صاحبنا هذا مسافات بعيدة ، لم يرعاه أحدٌ قطّ ، عدا صاحبنا " شعيبي" ، رغم أن من يتمنّى رعايته كٌثر ، ولكن هيهات ، فكلمة "عوازيب" هنا التي تبعت "رعيانك " نَفَتْ نفيا قاطعا وجود من يستطيع أن يرعى ذلك "الفوق" ، وهي هنا ؛كلمة "عوازيب ، تعني الغياب ، حيث أنها في لغة أهل المنطقة تعني كذلك ، فإذا ضاعت الدابة سواء كانت ناقة أو شاة أو غيرها فهي عازب ، والعازب والأعزب في اللغة العربية هو الذي لا يوجد له قريب ، وهي ليست بعيدة عن هذا المعنى فالرّعاة الذين يرعون هذا "الفوق" قد غابوا ولم يسجّلوا حضورهم إطلاقا لذلك فإن هذا "الفوق" سيبقى معفيّا إلا من رعاية "شعيبي ".
ولتكتمل أبعاد الصورة هنا فإن الشاعر يربطنا ربطا وثيقا بالمكان " التيس الذي في حلق دوقة " ، ويؤكد لنا أنه دائم الخضرة وأن الرياح تجرّ إليه السّحاب وتعلّه بالأمطار بصفة متكررة .وهو يدعو الله أن يجعلها ديمة دائمة .
هذا هو ما نفهمه من ظاهر النّص، أما القصة؛ التي ولد عنها هذا اللحن، فقد طرّزها شعيبي وصديقته بحبهما العذري الأصيل، حيث كان" شعيبي" يتمتع بالسمعة التي جعلته أكثر الرجال جاذبية في عصره، ليس لوسامته التي أصبحت معيارا في عالم اليوم بل لما فيه من صفات الفروسية والرجولة والشهامة والشجاعة والعفّة والكرم.على عكس والده الذي كان يمثل الشخص الغير مرغوب فيه لبخله ونذالته وسوء طبعه.
" شعيبي" هذا يسرح مع غنمه منذ أن أصبح مُكلّفا بما يكلّف به أقرانه في عصرهم، تجمعه المهنة نفسها مع "حليمة" التي يكبر في قلبها حب "شعيبي" كما يكبر نهدها الذي تزاحم في المكان مع "شعيبي" للدرجة التي أصبح صدرها لا يحتمل وجود ثلاثة أشياء تتضخم أحجامها جميعا في مكان لم تتغير كثيرا مساحته مع مرور الوقت .
أبو شعيبي في المقابل كانت معاناته من فقد زوجته وقسوة الظروف المحيطة به تدفعه للبحث عمن تشاركه همّه ويشركها في أمره، لكنه كان يصطدم بصدى سمعته التي تواجهه في كل مكان يذهب إليه؛ شايب عايب، بخيل جائر، تكاد تفرّ منه حتى الحجارة التي يطأ عليها !
************
حليمة : لماذا لا تتقدم وتخطبني من أهلي، ماذا تنتظر ؟ سألت "حليمة "التي كانت تعرف العهد الذي قطعاه على نفسيهما: "أعاهدك بالله أنك حسابي من النساء، وأنا أعاهدك بالله أنك حسابي من الرجال " !!
شعيبي: ظروف أبي يا حليمة ليست مناسبة، تعرفين أنه يبحث عن خطيبة منذ أن توفيت أمي، لكنه لم يجد من يوافق على الاقتران به، وأنا استحي أن أفاتحه في هذا الموضوع لكي لا يعتقد أنني لا أفكر إلا في نفسي." لا يستحق أن يعيش من عاش لنفسه فقط يا حليمة " .
حليمة : الوقت يمضي يا شعيبي، وأنا سأكون لك زوجة ولأبيك ابنة، سأهتمّ به للدرجة التي ينسى معها الحاجة إلى خطيبة خاصة وهو في هذه السن المتقدمة . وسيكون في زواجنا عوضا له عن الرفض الذي قوبل به من نساء القبيلة .
شعيبي: لا بأس، سأحاول إقناع والدي يا حليمة وسترينه قريبا عند أبيك، ربما تكون المقابلة الأولى مساء هذا اليوم إن شاء الله.
********
شعيبي: العلم خير يا أبي .
والد شعيبي: خير يا شعيبي... من أين يأتي الخير في هذه ألأيام ؟!
شعيبي:أريد أن استر ديني يا أبي.
والده : يا ليت يا شعيبي ولكن....
شعيبي: ولكن ماذا يا أبي، لا تخاف يا أبي لن ترفضني، لقد اتفقنا بل وتعاهدنا على ذلك.
والده : ماذا تقصد يا شعيبي بأنهم لن يرفضوك.. هل تعيّرني برفض بنات القبيلة ؟
شعيبي: لا .. لا ، معاذ الله يا أبي ، ولكنني أريد أن نجد من يرعانا ويتولى شؤون منزلنا فقد طال بنا الوقت يا أبي على هذه الحال
**********
والد شعيبي: العلم خير وصلاة على النبي يا ابوحليمة .
والدة حليمة : خير.. خير.. حيّاك الله وحيّا علمك .
والد شعيبي: تعرف ما جرّني إلا الحاجة ، فقد طال بي الوقت وأنا على هذه الحالة والرجّال لا بد له من " كافلة " تستر بيته ، وأنت عندك "فُقَه "، بنتك حليمة حقّ الزواج ، وأنا طالبها منك على سنة الله ورسوله !
والد حليمة :ههه.. ههه ، والله ما ظنّيت يا أبا شعيبي أنها تقبل بك .. يا لله حسن الخاتمة!
والد شعيبي: لا تستعجل يا رجال ، شاورها وخذ رأيها ، وإذا حصل نصيب لا ترده .
والد حليمة :خير.. خير.. أبشر نشاورها ولو أنني متأكد من الرّد.
*********
والد حليمة : حليمة .. يا حليمة .. قلب حليمة يكاد يطير من الفرح ، فاللحظة التي كانت تنتظرها قد حصلت ، ولا يمكن أن تضيعها!
حليمة :نعم يبه . خير.
والد حليمة : ابو شعيبي جانا الليلة يطلبك على سنة الله ورسوله!!
حليمة : لم تسمع حليمة المقطع الأول من كلمة " أبو شعيبي " فكلّ ما تعرفه وتريد سماعه هو" شعيبي" .
تسكت ولا ترد !!
والد حليمة : مالك يا حليمه لا تردين ؟ هل أفهم من هذا أنك راضية ؟ السكوت كما يقولون علامة الرضا .
على بركة الله يا بنتي ..!! والله هذا اللّي ما كنت أتوقعه ، يتمتم أبو حليمة وهو عائدا من عندها !
*********
أبو حليمة : ابشر بالخير يا أبا شعيبي . والله البنت وافقت!
أبو شعيبي: الله يبشرك بالخير . أروح أزْهَمْ على الفقيه يَمْلِك لنا فخير البرّ عاجله .
*******
يعود أبو شعيبي إلى بيته ، وينتظر منه ابنه شعيبي الخبر ، لكن هيهات ، إنه خبر لا يسر!
ينتشر الخبر في القرية كما تنتشر النار في الهشيم ، يا للغرابة ! حليمة أملكوا بها البارح على أبو " شعيبي"!!!
شعيبي" وحبيبته "حليمة " افترقا افتراقا لم يكن يطري على بالهما، فمع أن المهنة التي جمعت بينهما منذ الطفولة ( رعاية الغنم ) قد جمعتهما في صبيحة اليوم الثاني ، إلا أن" شعيبي " لم يستطع الاقتراب من " حليمة " هذه المرّة ، بحكم أنها قد أصبحت زوجة لأبيه!
**********
الطرف الثاني من هذه القصيدة التي أرسلها " شعيبي" على طرق الجبل، هو آخر ما كان يريد أن يعاتب به حبيبته التي غدرت به:
نصيحتي لا تعشقين إلا عوازيب
فإنّ عشق الشيب عيبي
وابن آدمي ما يأخذ إلا من وفوقه
يا عِطِر والماء يسوقه
حب الخلايق راخيٌ وأمّا أنت جاء فوق
لم يكن يعلم شعيبي بالخديعة التي خطط لها أبوه ، حين ذهب ليخطب حليمة ليس لابنه كما كان يعتقد ، بل له هو ، ولم يكن يعلم أيضا أن أباه قد تبعه في ذلك اليوم متخفيا ليرى ما إذا كان " شعيبي " سيحاول مقابلة "حليمة " بعدما أصبحت زوجة لأبيه ، إلا أن الذي لم يكن في حسبانه ولم يدر في خلده ولا في خياله هو أن أباه سيعاجله بضربة من رمحه حال انتهائه من آخر بيت من قصيدته تلك ليرديه قتيلا ويخسره ويخسر حليمة ويخسر نفسه وإلى الأبد.
-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع
أخر مواضيعي
ابن روزه
مشاهدة ملفه الشخصي
البحث عن المشاركات التي كتبها ابن روزه