(3 - 3)
أخذوا ميتهم وغسلوه وصلوا عليه وقبروه (يحكى أنه كان يوم مظلم مع شدة سطوع الشمس في ذلك اليوم وكأن على الشمس غشاوة) ,, وكان جل اهتمامهم كيفية أخذ الثأر قبل أن يبرد الدم وقبل أن يستوي الميت في قبره.
قام العزاء وانتهى دون دموع ودون نوم ,, ثلاثة أيام كانت تعادل ثلاثة أعوام ,, أيام طويلة لأهل القاتل وأهل القتيل ,, فأهل القاتل يبحثون عن صلح ولكن وجهاء القبيلة قالوا بعد العزاء ,, وأهل القتيل يريدون إنقضاء العزاء وذهاب الناس إلى اشغالهم ليتمكنوا من قضاء شغلهم الشاغل (الثأر).
.........................................
أيام لم تتجاوز الأسبوع ليصل عم القتيل من الرياض بعد وصول الخبر إليه حيث كان يعمل في جيش الملك سعود إن ذاك ,, كان الخبر كالصاعقه بما تحمله من معنى "فالقتيل سمي عمه هذا ,, وعم القتيل عقيم لا ينجب وكان يعامل هذا الولد على أنه ولده فهو يحبه لأنه سميه ولأنه ولده مثلما كان يقول".
ذهب لرئيسه وسلم بدلته وسلاحه وقال: أنا برجع الديرة لأن عندنا حالة وفاة ولازم أفصل من العسكرية و أسافر الآن , لكن رئيسه رفض طلبه بالفصل ومنحه إجازه.
رفض الإجازة كما رفض إستلام راتبه ومستحقاته من عمله (العسكرية) وأصر على السفر في الحال ,, فكل ما يحتاج إليه موجود (بندقيتين مع مشط رصاص) وأخبر رئيسه بأنه ذاهب إلى النهاية ولا يحتاج إلى شيء من الدنيا ,, وتوجه من الرياض إلى الجنوب.
وصل ديرته و وجد أهله على أسوء حال ,, سلم عليهم وتعشى وبعد العشاء أعطاهم العلم بشكل موجز جداً.
وقال: علمنا خير وما عندنا إلا خير ,, جانا علم سميي وليت الرميه في صدري عن صدره (وشهق شهقه كادت أن تخرج بروحه ,, بعدها بكى بصوت مرتفع مخيف ومحزن في نفس الوقت) أسكتوه وذكروه بأن هذا حال الدنيا , و واصل حديثه قائلاً: جيت من الرياض و وصلت الليلة ,, وعندي علم بأن فلان بن فلان (أخو القاتل الأكبر) بيسرح يسوق بكره فوق عين .... ,, وأنا أدري أنه لو عاش أنه ليضيع دم سميي (القتيل) , فخلنا وأنا أخوك نسرح من ذلحين نمسك له عند العين (نترصد له) ونذبحه ,, وأعاهد الله أني لأخذ واحد(ن) منهم خلاص(ن) في سميي ,, وهذا علمي وسلامتكم.
رد أخوه الكبير في العلم (والد القتيل) وقال: سلم نباك والشر ما جاك , أنحن في تالديرة والله على كل ديره و...........إلخ , ماغير جاك علم ولديه فلان , والخطأ يحصل والكلام الزين يقضي في الدين لكن وأنا أخوك ذبحه ذبحة الـ..... وأفلح وخلاه ,, وألين ذلحين ما أحد بدى فينا ولا أحد ألتهمنا , و ولدهم في الحبس (السجن) لكن أب يفتكه أخوه فلان (يقصد أخو القاتل الأكبر) , لكن علمك على متمه وشورك وهداية الله , الليله نسرح وبحيل الله ما تشرق الشمس ألين نرضي فلان في قبره (القتيل).
سرحوا من ليلتهم ,, وجلسوا في مكان قريب من العين ,, وبالفعل بعد الفجر وصل أخو القاتل الأكبر وبندقته في يده ,, كان يحمل بندقيته ولم يضعها وكأنه يشعر بوجود شيء مختلف ذلك اليوم.
قال أحدهما لأخوه : إذا غمزت على قدمك بقدمي خلنا نرمي الرجال مع بعض علشان إذا أخطت واحده ما تخطي الثانية ,, وبالفعل بعد ما يقارب الساعة أحس أخو القاتل الأكبر بنوع من الأمان فليس أحد سواها في ذلك المكان ,, وبعدها وضع بندقيته.
تركوه حتى ابتعد مسافة كبيرة عن البندقيه وقاموا بإطلاق النار عليه في وقت واحد كما خططوا لذلك ,, رصاصتين أخترقت جسده في نفس اللحظة ولكنه لم يستسلم للموت (كان طويل القامة وعريض المنكبين) ,, سحب نفسه حتى أقترب من بندقيته لكن الموت كان أسرع ,, مات بالتأكيد تحت تأثير نزيف طلقتين في نفس الوقت ,, وأيضاً تركوه على حاله دون سحبه إلى ظل شجرة أو حتى تغيير وضعيته (وهذا من باب الرد بالمثل).
................................................
قام عم القتيل وقال لوالد القتيل (أنا رجال ما يجي لي ذريه ,, براسي ولا براسك ,, وأنت معك ملى البيت بنات خلك تفيي عليهم) ,, ولأنه عقيم سلم نفسه على الفور للحكومة ,, وأبلغهم بأنه قتل فلان بن فلان (أخو القاتل الأكبر) وأنه قتله برصاصتين من بندقيته ولم يشاركه أحد في فعلته.
.....................
وبعد فوات الآوان بدأت مساعي الصلح ,, وأن فلان خلاص(ن) في فلان ,, ليصطلح أهل القتيلين من مبدأ حفظ الدم وأن فقيدين فيهم باب الكفاية من الفقد والألم والحزن ,, أُطلق سراح القاتل الأول كما أُطلق سراح عم القتيل ,, وانطوت الأيام على تلك الأحداث كما انطوت على مثلها وأقل منها وأكثر منها ,, هذا حال الدنيا لا تقف لموت أحد أو لحياة أحد.
...........................
نفس بنفس ,, ودم بدم ,, ليغسل الدم بالدم كما في قانون الثأر.
أناس ماتوا بلا ذنب ,, وأناس أذنبوا دون رغبه ,, وأناس ماتوا بالغبن والحزن.
رحمهم الله جميعاً وتجاوز عنهم جميعاً
أسأل الله لنا ولكم العمل الصالح وحسن الختام
سبحانك اللهم وبحمدك ,, أشهد أن لا إله إلا أنت ,, استغفرك وأتوب إليك
أستودعكم الله ,, ولنا لقاء آخر بمشيئة الله
تقبلوا حبي و ودي