عرض مشاركة واحدة
قديم 04-06-2012, 11:32 PM   #12
محمد الساهر
عضو مميز
 
الصورة الرمزية محمد الساهر
 







 
محمد الساهر is on a distinguished road
افتراضي رد: صفحة مكة المكرمه واخبارها وما قيل عنها في الماضي والحاضر



تشكل البيئة التي حول الكعبة، والمنطقة المحيطة بها مباشرة، القلب التاريخي لمكة، وهو الجزء، الذي يلتف حول الحرم الشريف مركز هذه المدينة المقدسة.
وقد تطورت هذه الرقعة خلال القرون الماضية؛ من اجل خدمة غرض معين ومحدد بالذات، ألا وهو تقديم التسهيلات للحجاج والمعتمرين سواءً قبل أو بعد الإسلام.
إن الرغبة الطبيعية للعيش قرب الكعبة المشرفة، أدت إلى استعمال كل المساحات المتوفرة لتوفير الأماكن للسكن والمحلات التجارية.
ولقد كان، على الطرق والمساحات العامة وبقية المساحات المكشوفة، أن تقاسي وتعاني من نشاطات الإنشاءات المذكورة، إذ قامت تلك النشاطات على حساب تلك المرافق.
ومع نمو المدينة، قامت إنشاءات عمرانية في المناطق المحيطة بالحرم، أخذت نفس النمط، بالقدر الذي تسمح به طوبوغرافية الأرض. وقد تبعت النشاطات التجارية خط امتداد الطريق الرئيسي المتجه إلى المركز أو الخارج منه، وكان حجمها يتناقص، كما تتناقص أهميتها، كلما ابتعدنا عن الحرم الشريف، وكلما صعب الوصول إليها من المنطقة المركزية.
ومن الخصائص الرئيسية في هيكل وتكوين المدينة، تجمع السكان فيها على شكل جاليات، حسب المكان الذي قدمت منه عند حضورها للحج أصلا".
ويعتبر هذا نتيجة ديموغرافية طبيعية لمكانة المدينة في قلوب المسلمين في شتى بقاع الأرض.
أولى الكثير من ولاة أمر المسلمين، من الخلفاء والسلاطين والأئمة والملوك، الحرمين الشريفين جل اهتمامهم بالتطوير، والتوسعة، والصيانة، والنظافة، والإدارة، بما يليق بمكانتهما وأهميتهما لكل مسلم ومسلمة في كل مكان، لمواكبة الزيادة المطردة في أعداد الحجاج والمعتمرين والزائرين والمجاورين، وذلك لتسهيل عمليه تأدية الشعائر الدينية، والإحساس بقوة سلطان المسلمين وترابطهم، أينما كانوا ومن حيث أتوا.
وتأتي مشاريع توسعاتهما، عبر التاريخ، على التأثير على محيطهما العمراني، خلافاً لما اعتاده كثير من المشاريع، ذات الطابع التوسعي، من تأثير المحيط العمراني على المبنى أو مجموعة المباني، وذلك بدءًا بتوسعة المصطفى صلى الله عليه وسلم لمسجده الشريف في المدينة المنورة، في العام السابع الهجري، وتتويجاً بتوسعة خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبدالعزيز، حفظه الله تعالى، للمسجد الحرام.
تمثل عمارة الحرمين الشريفين، على مر العصور، إنجازات مادية للتراث الإسلامي المتجدد النابع من منابع لا تنضب، هي القرآن الكريم والسنة النبوية وإجماع المسلمين.
كما تعتبر دليلاً حسياً على ترابط وتكامل ونضج المجتمع المسلم.
فما من أمة تسعى لاستمرار تطورها، إلا أولت مختلف مؤسساتها الحضارية جل اهتمامها، من إعمار وإصلاح وإدارة وحماية، فالعناية بالحرمين الشريفين، وإظهارهما بالمظهر المشرف، تعبير عن صدق وعمق العلاقة الحميمة بين الأمة الإسلامية وتراثها.
وإذا كانت مشاريع الحرمين الشريفين قد مرت بمراحل تطور مختلفة، فإن السعي إلى توثيقها، كأهم إنجازات الأمة الإسلامية، يصبح أمراً ملحاً حتى لا تنقطع الصلة بين الماضي والحاضر، وحتى لا يغيب إنجاز هذين المسجدين المأثورين عن منتدى الحياة العلمية الحاضرة والمستقبلة.
إن من أهم ما يميز الحرمين الشريفين ومحيطهما، كونهما بقعتين طاهرتين، تجتمع فيهما ملايين الأنفس البشرية، على اختلاف الأجناس والأعمار، وعلى قلب واحد، يتضرعون إلى العلي القدير أن يتقبل منهم مناسكهم.
يميز عمارة الحرمين الشريفين أنها تنطلق من ثوابت، لا يمكن المساس بها، خلاف أي مبنى آخر على وجه البسيطة.

لذا فإن كل محاولة لتوسعة أي منهما تأتي مؤثرة على محيطهما العمراني، حيث يعتبر كل منهما حالة فريدة لا تتكرر.
إن غنى وغزارة مأثورات الثقافة الإسلامية المتجددة، ممثلة بالتراث الإسلامي، يجعل من نفحاته عمارة ذات طبيعة نفعية، أهم شواهدها عمارة الحرمين الشريفين المعنوية والمادية.
فالشواهد المعمارية، وخاصة التي أبقيت من العمارة العثمانية، والتوسعات التي أضيفت لها، منذ بدايـة العهد السعودي، دليل مادي على ذلك.
وبما أن عمارة الحرمين الشريفين هي عمارة ولاة الأمر، فمن المؤكد أن الممارسة ُوظِفّت، بشكل أفضل بمشورة العلماء، والاستعانة بأرباب العمل المخلصين من العمال المهرة والمهندسين.
وبذلك أصبحت عمارة الحرمين الشريفين، بكل محتوياتها، وثيقة تاريخية وشاهداً من الشواهد على الإنجاز الكبير، تفرض بحق التوثيق والدراسة والبحث والاستنتاج.
إن إعداد هذه الدراسة يعد توطئة للعديد من الدراسات، التي تليها، عن عمارة الحرمين الشريفين.
وقد بذل المؤرخون أمثال الأزرقي، وابن شبة، والفاسي، والسمهودي، وباسلامة، والكردي وغيرهم، الجهد في توثيق عمارة الحرمين الشريفين.
وما هذه الدراسة إلا مشاركة متواضعة تضاف إلى الجهد والاهتمام المتنامي بالحرمين من مختلف القطاعات الرسمية والأهلية في المملكة، حيث وضع كل منهم ركيزة بحثية للمهتمين بعمارة الحرمين الشريفين، من مختلف مؤسسات الدولة الإسلامية، على مر العصور.
وتقع مهمة توثيق الإنجازات العمرانية والمعمارية للحرمين الشريفين، في الوقت الحاضر، على عاتق المتخصصين من المؤرخين، والمعماريين، والمهندسين، والمخططين، والمنظرين، وعلماء الاجتماع والنفس، والاقتصاد والسياسة والإدارة، الضليعين بهذه المواضيع والقادرين على الحديث عنها من واقع خبرة، وتجربة ومن خلال الرؤية العلمية الصحيحة.
سوف تحاول هذه الدراسة وضع منهجية لترجمة وتوثيق تاريخ تطور عمارة الحرمين الشريفين والبيئة العمرانية المحيطة بهما على مر العصور، وتشتمل على سلسلة متكاملة من الأبحاث والصور والرسومات، التي تم تحرى الدقية فيها لتكوين صورة شكلية عمرانية للمكان على اختلاف الأزمان.
فعند دراسة وتوثيق النواحي والإنجازات المعمارية للحرمين الشريفين، يتبادر إلى الذهن أن ما تتميز به عمارتهما من الأنظمة الهندسية على اختلاف أنماطها، والفنون المعمارية المستخدمة فيهما، وكذلك طاقتهما الاستيعابية من البشر، على اختلاف أجناسهم وألوانهم وأعمارهم وثقافاتهم، التي لا تتكرر في أي بقعة من الأرض، لا يتعدى كونه خطوة أولية لسلسة من الأبحاث والدراسات، التي تحتاج إلى توضيح وتمحيص.
فمثلاً، عند التركيز على دراسة معينة من النواحي الإنسانية أو الجمالية أو الجوانب الفنية للتصميم الخاص بالحرمين الشريفين يُقصد منه، بالإضافة إلى التوثيق المادي، اجتذاب القارئ، ودفعه إلى التوغل في أعماق ومدلولات الثقافة والعمارة الإسلامية، التي تعد جزءًا لا يتجزأ من محاولة الإلمام بأسرار وتطور هذين الكيانين العظيمين. وسوف تحرص هذه السلسلة من البحوث على تقديم المعلومات بأسلوب يرفع، وينمي هذا الجانب من جوانب المعرفة الإنسانية.
فمنهجية البحث محاولة جادة لتتبع الموضوع دينياً وتاريخياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً ومعمارياً وتقنياً، ورصد ما يتعلق به من معارف تراثية؛ من أجل الربط بين الماضي بالحاضر، وكذلك بين الحرمين الشريفين وبقية أرجاء العالم الإسلامي.





يتبع

محمد الساهر غير متواجد حالياً