نقل جميل ورائع ابا خالد سلمت يداك
يقول الشيخ سعد البراك :
من سبل تحقيق احترام الذات :
اولاً : عدم التطاول على الآخرين :
فمن تطاول على الناس تطاولوا عليه ، ومن نال منهم نالوا منهم ، والعكس بالعكس ، وهذه قاعدة قررها أهل العلم استنباطاً من قوله تعالى {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم } . قال النووي في شرح مسلم : قال العلماء : فالله نهى عن سب آلهة الكفار وهو أمر مباح ومندوب إليه شرعاً لما فيه من إغاظة الكافرين وإغاظتهم قربة لله جل جلاله ، ومع ذلك نهى الله عن ذلك السب وجعله محرماً لكونه يفضي إلى سب الله جل جلاله ، ومن هذا قالوا أن سد الذريعة في هذا واضح . (شرح الترمذي للشنقيطي 12 /17 )
وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لعن الله من لعن والديه : قالوا يا رسول الله ويلعن الرجل والديه ، قال : يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه ، فيسب أمه " .
فنهى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل أن يسب أبا الرجل لأنه إذا سبه أفضى إلى سب الثاني لأبي الأول فكأنه تذرع بهذا الأمر للمحذور.
ثانيا : احترام الوالدين ولا يكون ذلك إلا ببرهما وتوقيرهما .:
قال تعالى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا }.فقد قرن سبحانه عبادته وتوحيده بالإحسان إلى الوالدين ولين الجانب وخفض الجناح لهما .كان محمد بن المنكدر يضع خده على التراب ويقول: يا أماه ضعي رجلك على خدي.
بل وصى الله تعالى بهما في وصية خالدة إلى يوم القيامة نزل بها سيد الملائكة على سيد البشر والأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم ، فقال {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا } ، وقال {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ}. قال ابن عباس رضي الله عنهما: (ثلاث آيات نزلت مقرونة بثلاثة، لا يقبل الله واحدة بدون قرينتها، أما الأولى فهي قوله تعالى:{ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ } فمن أطاع الله ولم يطع الرسول فلن يقبل منه، وأما الثانية فهي قول الله {وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ }، فمن أقام الصلاة وضيع الزكاة لن يقبل منه، أما الثالثة فهي قول الله تعالى {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ } ، فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه فلن يقبل منه.
وشكر الوالدين يكون ببرهما والإحسان إليهما ، وهذا من مقامات النبوة ومن أخلاق الأنبياء، فهذا نبي الله نوح يقول {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِي مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ } . وهذا نبي الله إبراهيم ، يتحبّب إلى والده بأحب كلمة له كلمة : يا أبتِ ، مع أن أباه كافر يصنع الأصنام ويبيعها ، ومع ذلك ناداه نداء رقيقاً رقراقاً يلين القلوب القاسية ، فقال {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا * إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا *يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدْ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا }
إن البر من أعظم الطاعات وأجلّ الأعمال . ففي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سألت النبيّ صلى الله عليه وسلم : أيّ العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها"، قلت: ثمّ أيّ؟ قال: "بر الوالدين "، قلت: ثمّ أيّ؟ قال: "الجهاد في سبيل الله".
وفي صحيح البخاري عن عبد الله ابن عمرو رضي الله عنه أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى، فقال صلى الله عليه وسلم : "فهل لك من والديك أحد حيّ؟ ". قال: نعم، بل كلاهما، فقال صلى الله عليه وسلم : "فتبتغي الأجر من الله تعالى؟"، قال: نعم، قال: "فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما".
الوالدان من أبواب الجنّة ، كما قال أحد الصالحين عندما ماتت أمه فبكى بكاء مريرا، فلما سألوه: لِمَ تبكي هكذا؟ قال: كيف لا أبكي وقد كان لي بابان إلى الجنة، واليوم أغلق أحدهما؟!
وبرهما سبب في دخول الجنة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كلاهما فلم يدخل الجنة ".
وفي الحديث الذي رواه البيهقي ورواه ابن ماجة وحسنه الألباني أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أردت أن أغزو ـ أي في سبيل الله ـ وقد جئت أستشيرك، فقال: "هل لك أم؟" قال: نعم، قال: "فالزمها، فإن الجنة عند رجلها".
ثالثا : احترام الكبير :
وكما أُمرنا باحترام الصغير فإننا أُمرنا باحترام الكبير أيضاً . عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم : ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا ، أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي .
أي انه ليس من أخلاقنا أن لا نعطي الكبير حقه من الاحترام والتقدير مهما بدر منه .
فمن احترام الكبير: تقديمه على الصغير. قال أبو مسعود البدري رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح منا كبنا في الصلاة ويقول " استووا ولا تختلفوا . فتختلف قلوبكم . ليلني منكم أولو الأحلام والنهى (الرجال البالغون ) . ثم الذين يلونهم . ثم الذين يلونهم"، قال أبو مسعود : فأنتم اليوم أشد اختلافا . رواه مسلم.
ومن احترام الكبير الحياء منه : عن أبي سعيد رضي الله عنه قال "لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً فكنت أحفظ عنه فما يمنعني من القول إلا أن ها هنا رجالاً هم أسن مني" . رواه الشيخان .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله قال أخبروني بشجرة مَثَلَها مثل المسلم ، تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ، ولا تحتُّ ورقها . فوقع في نفسي أنها النخلة ، فكرهت أن أتكلم ، وثَمَّ أبو بكر وعمر ، فلما لم يتكلما ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : هي النخلة. فلما خرجت مع أبي قلت : يا أبتاه ، وقع في نفسي أنها النخلة ، قال : ما منعك أن تقولها ، لو كنت قلتها كان أحب إلي من كذا وكذا ، قال : ما منعني إلا أني لم أرك ولا أبا بكر تكلمتما فكرهت . رواه البخاري