عرض مشاركة واحدة
قديم 04-02-2013, 02:41 PM   #360
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

ألب أرسلان القائد المسلم هارم الصليبين



كانت مملكة بيزنطة تتكون بشكل رئيسي من مدينة القسطنطينية ، ومن إقليم أرمينيا ، ومن مناطق وحصون أخرى داخل أوربا . و قد صمدت زمنًا طويلاً في وجه الفتح الإسلامي ، وخاضت حروبًا صليبية ضد المسلمين ، كانت في معظمها سجالاً . لكنَّ الله هيأ للمسلمين قائدًا صادق الإيمان ، تمكن من توحيد الإمارات الإسلامية التي حول دولة بيزنطة ، واحتل معظم أرمينيا ، وأصبح كالشوكة في حلق الدولة البيزنطية .
كان ذلك القائد هو البطل التركي المسلم " ألب أرسلان " رحمه الله .
كان البطل ألب أرسلان من الأتراك السلاجقة ، وكان يعاونه في القيادة ابنه " ملكشاه " ، فأخذا ينقصان دولة بيزنطة من أطرافها ، حتى سيطرا على أرمينية ، وكشفا ظهر دولة الرها ، وأخضعا عمورية ، حتى أصبحا على مقربة من قونية الواقعة على بحر إيجة في آسيا الصغرى .
وفي أثناء ذلك كانت دولة بيزنطة تتحفز لاستعادة أرمينيا وكل ما فقدته من أرجائها ، وقد واتتها الفرصة حين توفي الإمبراطور البيزنطي قسطنطين العاشر، فتولت الملك بعده زوجته الإمبراطورة إيدوسيا وصية على ولدها الصغير ميخائيل السابع .
ثم تزوجت الإمبراطورة البيزنطية القائد العام لقواتها رومانوس ديوجين ، وكان فارسًا مغوارًا وبطلاً مقدامًا يفاخر الصليبيون بفتوته وبطولاته ، فلما رأى نفسه المتصرف في ملك الدولة البيزنطية طفق يؤلف جيشًا من متعصبي الصليبيين ، ولم يزل يجمع الجيش ، وينفق عليه الأموال الطائلة حتى بلغ جيشه مائة ألف مقاتل ، كلهم متعطش لدماء المسلمين ! إضافة إلى الحرس الجمهوري القوي الذي كان تدريبهم أعظم من غيرهم .
هذا بالإضافة إلى مرتزقة صليبيين من النورمان و الفرنج و الصقالبة و الترك ، المقيمين في جنوب روسيا و البشناق .
فلما أصبح الجيش الصليبي تام التجهيز، توجه صوب أرمينيا بقيادة رومانوس نفسه زوج الإمبراطورة التي رفعته إلى رتبة إمبراطور .
وكانت خطته أن يباغت أرمينية قبل أن يصل إليها ألب أرسلان ، الذي كان في الجنوب يخمد الفتن .
ولما بلغ البطل ألب أرسلان هجوم رومانوس في اتجاه حصن ملاذ كرد وحصن خُلاط، أسرع إلى أرمينيا ليواجه بجيشه الصغير تلك الجموع البيزنطية الهائلة بقيادة رومانوس ذلك الفارس الصليبي المتوثب .
وحاول ألب أرسلان دعوة جيشه وجمع أكبر عدد منهم ، لكنه وجد الوقت قصيرًا ، فلم يتمكن من جمع أكثر من خمسة عشر ألف جندي سار بهم - رحمه الله - ليواجه بهم مائة ألف مقاتل .
لكنه - رحمه الله - كان عظيم الأمل في الله ، فجمع فرسانه وخطبهم خطبة قال فيها : " سأقاتل صابرًا محتسبًا ، فإن انتصرنا فتلك نعمة من الله ، وإن كتبت لي الشهادة فهذا كفني و حنوطي جاهزين ، وأكملوا معركتكم تحت قيادة ابني ملكشاه " .
ثم توجه وجنوده إلى الميدان فوجد قطعة من جيش العدو تقدر بعشرة آلاف عند بلدة خُلاط يقودهم قائد روسي ؛ فاصطدم جيش المسلمين بتلك الفئة ، فنصر الله المسلمين ، وأُسر القائد الروسي ، وقُتل عدد كبير من عسكر الكفر وجمعت الغنائم ، وأرسلت إلى الخليفة في بغداد ، فكان فألاً مباركًا استبشر به المسلمون في مقدمة المعركة الحاسمة . فلما تقارب المعسكران أرسل السلطان ألب أرسلان إلى القائد رومانوس يطلب منه الصلح والمهادنة ، فرد الصليبي ردًّا قبيحًا حين كان جوابه (لا هدنة إلا بالري) ، يعني أنه لن يقبل هدنة إلا بعد أن يدمر عاصمة السلاجقة، ويحتل كل ديار الإسلام ؛ فانزعج السلطان المسلم ، وركبه همٌّ شديد لعدم تكافؤ العدد .
وهنا قال الإمام الفقيه أبو نصر محمد بن عبد الملك الحنفي : " إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره ، وأرجو أن يكون الله قد كتب لك بجيشك القليل شرف النصر ، فسِرْ إلى العدو الكافر يوم الجمعة بعد الزوال والأئمة على منابرهم يدعون لجيشك بالنصر، والله غالب على أمره " .
وتم ذلك عند ظهيرة يوم جمعة من صيف أربعمائة وثلاث وستين للهجرة (463هـ) ، وبينما كان رومانوس ينزل بجيشه واديًا ، انقض عليهم القائد المؤمن كأنه قارعة أو صاعقة بعد أن صلى وبكى؛ فبكى الناس لبكائه ، ودعا الله فدعا الناس بدعائه ، ثم ركب وقال للناس : " ليس عليكم الآن أمير، وكلكم أمير نفسه ، من شاء أن ينصرف فليعد إلى أهله " . وألقى القوس و النشاب وحمل السيف والدبوس معلنًا أن الأمر التحام وليس رماية ، فالتفَّ الروم حول المسلمين ، وكان المسلمون في الوسط.
فكانت فرصة وسط الغبار أن يقتل المسلمون عدوهم كيف يشاءون ، ودارت الدائرة على العدو الكافر، فتناثر من قتلاهم ما لا يحصى ، وجئ بالأسرى وإذا مقاتل صغير الجثة يسوق أمامه قائد الأعداء رومانوس .
وتذكر ألب أرسلان أنه مزح مع ذلك العسكري الصغير يومًا ، فقال له : " وما يدريك أن تُحضر إلينا ملك الروم ؟ و حقق الله مزحته ، و وقف رومانوس صاغرًا بين يدي ألب أرسلان فضربه القائد المسلم ثلاث مقارع ، وقال له : " دعوناك إلى الهدنة فأبيت ، فأين الهدنة التي في الري؟ ثم قال له : ما تظن أني فاعل بك ؟ فقال : كل سوء " .
لكن القائد المسلم - رحمه الله - قبل فدية مقدارها مليون دينار، واشترط عليه أن يطلق أسرى المسلمين ؛ فقبل رومانوس ووقع بذلك، وعندئذ ناوله القائد المسلم عشرة آلاف دينار وأطلق معه حاشيته فوصل إلى بيزنطة مهزومًا ، وهناك وجد أن الملك الصغير قد بلغ السن فتربع على العرش ، فأظهر رومانوس ابتهاجًا بابن زوجته وأخبره أنه وقع على فدية بمليون دينار، فجمع الملك الجديد ما عنده وإذا هو ثلاثمائة ألف دينار فأرسلها رومانوس إلى ألب أرسلان ، وحلف له أنه لا يملك غيرها ! فقبلها - رحمه الله - وسامح بالباقي .
لقد حصلت هذه المعركة قبل الحرب الصليبية بحوالي عشرين عامًا ، فقد مات ألب أرسلان بعد ذلك بعام ، وتولى الأمر بعده ابنه ملكشاه .
ولكن ظل العرب على الرغم من معركة ملاذ كرد التي يسميها الأجانب " منازي كرت " ، ظل العرب إمارات متفرقة يحكم كل واحدة منها أتابك أو أمير إلى أن أقبلت حشود الصليبيين ، فدخلوا ديار الإسلام ودمروا البلاد وقتلوا العلماء ، وظل الحال كذلك مدة خمسين عامًا ، حين هتف بالمسلمين هاتف الإسلام ؛ فأيقظهم لتكون الضحية الأولى إمارة الرها التي أسقطها عماد الدين زنكي رحمه الله .
إن تاريخ المسلمين ظل على الزمن عجيبًا ؛ لأن الكثرة والقلة لم تكن في حسبان المسلمين ، إنما كانت القلة دوامًا منتصرة على الكثرة الكافرة ؛ لكن المسلمين كانوا يُهزمون بتفرقهم وشتات أمرهم وأهواء زعمائهم ، فإذا سخّر الله لهم من يلمُّ شعثهم ويجمع شملهم ، عاد النصر وتحقق فيهم قول الله جل جلاله : {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47] .
و ديار المسلمين في أيامنا هذه تتقاسمها فتن؛ تترك الحليم حيران ، ولن يكون لها فرج إلا إذا أبرم الله لها أمر رشد يوحدها تحت راية التوحيد ، وكلمة التوحيد، وتتم عندئذٍ كلمة ربك صدقًا وعدلاً، لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم .
رحم الله الأمير المسلم ألب أرسلان ، وجزاه عن جهاده المحتسب خير الجزاء .
-----
المصدر: كتاب (أبطال ومواقف) للشيخ أحمد فرح عقيلان .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اذكروني بدعوه رحمني ورحمكم الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم



أخر مواضيعي
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس