الصحابية الشاعرة
بسم الله الرحمن الرحيم
- حياتها ونشأتها:.
هي تماضر بنت عمرو بن الحرث بن الشريد بن السلميه, ولدت سنة 575 للميلاد، لقبت بالخنساء لقصر أنفها وارتفاع أرنبته. عرفت بحرية الرأي وقوة الشخصية ونستدل على ذلك من خلال نشأتها في بيت عز وجاه مع والدها وأخويها معاوية وصخر، والقصائد التي كانت تتفاخر بها بكرمهما وجودهما، وأيضا أثبتت قوة شخصيتها برفضها الزواج من دريد بن الصمة أحد فرسان بني جشم؛ لأنها آثرت الزواج من أحد بني قومها، فتزوجت من ابن عمها عبد الله بن رواحه بن عبد العزيز السلمي ، إلا أنها لم تدم طويلا معه ، لأنه كان يقامر ولا يكترث بماله ، لكنها أنجبت منه ولدا ، ثم تزوجت بعدها من ابن عمها مرداس بن أبي عامر السلمي ، وأنجبت منه أربعة أولاد ، وهم يزيد ومعاوية وعمرو وعمرة . وتعد الخنساء من المخضرمين ؛ لأنها عاشت في عصرين : عصر الجاهلية وعصر الإسلام ، وبعد ظهور الإسلام أسلمت وحسن إسلامها . ويقال أنها توفيت سنة 664ميلاديه .
2- الخنساء ونهر الدموع:.
أ- الخنساء في الجاهلية..
كانت الخنساء صغيره عندما دق الموت بابها اسمها تماضر وهي تشبه الضبي الصغير وسميت الخنساء بهذا الاسم نسبة لأحد أسمائه .لم يلتفت أحد إلى جمالها ، ولم تلتفت هي إلى نفسها .
كانت قبيلتها ( سليم ) في ذيل القبائل حتى جاء أخواها .. معاوية وصخر.
لقد أصبح من حق أبيها أن يسير إلى عكاظ ليفاخر بقية العرب لا بماله ولا بنسبه وإنما بولديه.
وحفظت الخنساء هذا التفاخر تمثله كحقيقة شخصيتها ، تعزو من حولها من القبائل وتفرض كلمتها، ماذا تفعل بنو مرة وأسد أو غطفان ، و ليس فيهم صخر أو معاوية .
ومع الحرب والغارات تدفقت الأسلاب على القبيلة وامتلأ البيت حول الخنساء بالغنائم الملوثة بالدم وكانت رائحتها أطيب من أي عطر لدى الخنساء .
معاوية هو الأكبر .. القائد.. الشمس الساطعة التي تبهر عينيها ، غاية في السماحة و الجود والعطاء والقوة ، لم يدانيه في الفروسية إلا دريد بن الصمه فارس بني حتم لذا تصادقا و تحالفا .
ولكن نهاية معاوية كانت سريعة ، امرأة هي السبب مجرد امرأة تؤثر الأقوى والأقدر على دفع الثمن .
إنها ( أسماء المرية ) بغى سوق عكاظ دعاها معاوية إلى نفسه فامتنعت وصمم معاوية على أن ينالها.
واعتبر ( هاشم ) الذي فضلته على ( أسماء المرية ) أن ما فعله معاوية بمثابة الإهانة, وظل يترصد معاوية ويرقب تحركاته حتى تخلى معاوية ذات مرة عن حذره وسار وسط جمع قليل من رجاله وإذا بجيش ( بني مرة ) يحاصرهم .
وحاول معاوية شق طريقا ولكن هاشما وأخاه تصديا له
تظاهر أحدهما بالهزيمة وحين هم معاوية بالإجهاز عليه طعنه الأخر في ظهره .
منذ تلك اللحظة خرج طائر الصدى يجوب الفضاء ويزعق من العطش ولبست الخنساء الحداد وبدأت أيام المراثي .
قال صخر لأخته سوف نذهب لموسم الحج هذا العام لعلنا نرى من قتلوا أخانا فنهضت الخنساء لتمسح دموعها ، وتستعد للرحيل إلى البلد الحرام حيث يتجاور القتلة وطالبوا الثأر ، دون أن يجرؤ أحد على رفع سيفه .
سافرا إلى مكة وطافا بالكعبة والأصنام وسوق عكاظ وفى كل مكان يسألان عن مكان بني مرة .
كان صخر هادئا والخنساء تنتابها انفعالات شتى حتى رأت عباءة معاوية معلقة فوق الخيام ممزقة من أثر الطعن ملوثة بالدم وولدا (حرملة وأسماء) يشربان ويفاخران بما فعل أبواهما وصخر والخنساء لا يستطيعان شيئا إنهما في البلد الحرام .وعادا إلى ديار ( سليم ( وبدأ صخر يستعد للثأر بينما الخنساء تستعد للزواج زواج بلا حب أو رغبة ولكنها تؤدى ما تعرض عليها التقاليد القبلية وفى ليلة الزفاف لم تخلع ثوب الحداد وزفت وهي حليقة الرأس وظلت تنتظر عودة صخر من أول غزواته ونسيت الخنساء أنها وزوجها ( رواحه ) قد أصبحا في بيت واحد وعندما وضع يده عليها ارتعدت نظرت إليه في اندهاش وسمعت الخيل وهى عائدة فهرعت إليها فكان صخر فهتفت به !هل أدركت ثأرك ؟
فأجابها صخر قائلا لم أشف غليلي بعد !وفى ليلة جلست الخنساء أمام رواحه تجتر أحزان عمرها الذي لم يبدأ بعد واستيقظت في الصباح ولم تجده بجانبها.ولكن ها هو صخر قد عاد عاد سعيدا من الغزو لقد أباد بني مرة قتل ولدى حرملة ظفر بثأر وحشي وسوف تظل الجثث عارية تأكل منها الجوارح حتى التخمة ثم تذروها العواصف لعل معاوية يهدأ ولعل أشعار الخنساء تصفو اندفع إلى خيمتها يحمل البشرى فوجدها باكية ماذا أصابك يا أختاه ؟
انه رواحه لقد أخذ ما يمكن بيعه وذهب فاستل صخر سيفه وهو ما زال دافئا .
ورغم أن رواحه هو ابن العم والزوج ولكن أشرق وجه الخنساء عندما انتبهت لعلامات القتال على ثياب صخر فهتفت بسؤالها التقليدي هل أدركت ثأرك ؟
فأجاب وأفنيت بني مرة عن بكرة أبيهم كان يحسب أنها سوف تهدأ ..لكنها تساءلت في مرارة وحلفاء بني مرة .. أسد وغطفان مازالا بخير ؟ أليس كذلك ؟ ووافقها صخر كأن الصحراء كانت مقبرة واسعة .. وعلى الجميع ان يكونوا فيها موتى .
وفى الصباح عثروا على جثة رواحه زوج الخنساء قالوا إنه تعثر في الصخور وسقط لكن آثار الطعان كانت واضحة في جسمه ، نقلوه إلى بيته ثم إلى قبره
ولم تكن الخنساء قد خلعت ثوب الحداد بعد لكنها لم تنح عليه بكلمة .لم ترثه ببيت
ولم تفكر لحظة في أن تزور قبره وظلت ترثى معاوية كأنه هو الذي مات بالأمس ولم يبقى إلا عبد الله ابن رواحه ( و ابن الخنساء (الشاهد الوحيد لهذه الزيجة
تفرغت الخنساء لصخر وتفرغ صخر للثأر ثأر يقع على من شاهد القتلة أو سمع عنهم ثلاث قبائل كاملة من أجل رجلا واحد لكن القبيلتين الباقيتين لم تكونا فريسة سهلة فقد توثقتا وتعاهدتا وأحضرتا ( ربيعة بن ثور ) أبرع من رمى الرمح في بلاد العرب استضافوه وجهزوا له الأموال والجواري حتى يأتي وقته .
ويركب صخر فرسه الشماء وقال لأخته :
أختاه
أخشى أن يعرفوني .. ويعرفوا غرة الشماء فيتأهبوا فسودت الخنساء غرة الشماء بتراب الفحم وودعها صخر و حمحمت الخيل إلى ديار غطفان ونفذ سيف صخر في أجساد بني غطفان فهرعوا إلى ربيعة بن ثور فأطلق رمحه كالوميض إلى جانب صخر ولم يخطئ وانتزع صخر الرمح وظل يقاتل ويتراجع وينزف مات معاوية مرة واحدة .. لحظة واحدة...لكن صخر يموت في كل لحظة عشرات المرات ليته ميت فينعى وليته حي فيرجى .. فقد ظل صخر يعانى اللام الجرح حتى مات بعد عام .يا خنساء : أيهما أوجع وأفجع ؟
أما صخر فجمر العمر وأما معاوية فسقام الجسد وترحل الخنساء إلى عكاظ وتتذكر كيف كانت بالأمس و أخيها ووقفت تنشد المراثي وتسأل العرب هل هناك من هي أعظم مصيبة ؟
فخرجت إليها امرأة وقفت في محاذاتها وهتفت في الموجودين أنا أعظم العرب مصيبة .ونظرت الخنساء إلى البكاءة المنافسة وسألتها من أنت ؟
فأجابت : أنا هند بنت عتبة أعظم العرب مصيبة أبكى أبى عتيبة بن الربيعة وعمي شيبة وأخي الوليد
الذين قتلوا في بدر على يد حمزة بن عبد المطلب وانطلقت تنشد الأشعار تحكى عن يوم بدر وتحرض الجميع على ( محمد صلى الله عليه وسلم )وانطلقت الخنساء تنشد كلا من معاوية وصخر وكل منهما تتباهى بقتلاها وتفضل مصيبتها .وتحول الحزن الإنساني إلى منافسة منافسة تفوقت فيها الخنساء وانصرفت هند بنت عتبة مخذولة لكنها ما لبثت أن أطفأت حرقتها حين مضغت كبد حمزة في يوم أحد وبقت الخنساء وحيده في حاجة إلى عدد هائل من الأكباد كي تشفى غليلها .أفاقت ) سليم ) وقد عادت إلى مكانتها الأولى ضعيفة مكسورة الناب لا تقدر على رد اللدغة فقد ذهب فارسا( آل الشرير( ولكن بقيت ( أسد وغطفان ) خطرا دائما متجددا .ولذلك اجتمعت قبيلة سليم وتناقشوا وكان الاتفاق على الانضمام إلى اكبر القوى الصاعدة والتي تعاديها أسد وغطفان في الوقت ذاته فقرروا أن ينضموا إلى الإسلام .
ب- الخنساء في الإسلام:.
وتالف وفد منهم ظهرت عليهم إمارات الاقتناع المفاجئ بالدعوة الجديدة والخنساء بينهم، تسير بثوبها الغرابى وكان النبي ( صلى الله عليه وسلم ( في مسجده وأحست سليم أن الأمر مختلف عما تصورت ليس تحالف أو سعيا للحماية بل إنها رسالة وليست فرصة تنتهز انسابت كلمات النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وتشربتها نفوسهم كالأراضي العطشى .وابتسم النبي ( صلى الله عليه وسلم ) في وجه الخنساء واستمع إلى أشعارها في حزنها وأخبرها أن في الإسلام العزاء لكل القلوب الحزينة .وتزوجت الخنساء للمرة الثانية من ( مراوس بن أبي عمر (
شيخ كبير يلائم مزاجها النفسي فتفرغت لحياتها الزوجية ووالت إنجاب الأطفال تحاول تعويض أيام العقم والرثاء لكنها تجردت من كل عواطفها ماتت داخلها رغبة الاستمتاع بالنزوات وأصبحت أما صارمة عكرة المزاج ولكن لم يمنعها هذا من أن تنجب بنتا جميلة هي ( عمرة ) ظبية صغيرة تملك قلبا متوثبا ولم ترحم الأيام الخنساء فقد حولت كل ذكرياتها إلى قبور ولم ترحم هي نفسها وحين أقبلت الخنساء على المدينة ومعها أناس من قومها التقوا مع بن الخطاب وقالوا :
----------------
يتبع