كنــز الافتقار وعــز الانكسار
أوضح ما يكون إكرام الله لك ، وأوضح ما يتجلى لك إحسانه إليك ، وفيضه على قلبك ، حين تتحقق كلياً بفقرك إليه ، وشدة حاجتك إليه ، وتعلن ذُلّك بين يديه ، مع شعور بالعزة لأنك كذلك ، مع تصحيح افتقارك له ، ويطيب لك طول الوقوف على أعتابه ،. متلبساً بآداب العبودية له : من الانكسار بين يديه ، وشدة الفاقة إليه ، وإعلان الإفلاس من كل شيء ، فلا حول ولا طول ولا قوة ..إلا به سبحانه ..ونفض يديك من التعلق بأية قوة على وجه الأرض ، .حيث لا نافع إلا هو ، ولا ضار إلا هو ، ولا معطي إلا هو ، ولا مانع إلا هو ، ولا محيي إلا هو ، ولا مميت إلا هو ، ولا قدرة لمخلوق _ أياً كان _ أن يفعل شيئا بذاته ، ما لم يمكنه الله من أن يعمل ، فقد رفعت الأقلام ، وجفت الصحف بما فيها ..!.هنالك تهتز روحك بنسيم العافية ، وتجد برد الرضا ، ويشيع فيها أنس القرب منه سبحانه ، وتتذوق ذوقا مباشرا واضحاً ، حلاوة هذا الأنس ..فيطيب لها المناجاة ، وتحلو لها الضراعة ، وتنتشي بطول الانكسار بين يدي مولاها ،. وعلى قدر ما تظهر فاقتها وفقرها وذلها له جل في علاه ، على قدر ما يزداد إكرامه لها ، وإحسانه إليها ، وعزه لها .. وتأمل إن كنت ذا فهم قوله تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ ... ) هذه مثل تلك ..!.ومن لم يعرف هذه الحقيقة ، فهو من أجهل خلق الله ، ولو امتلك شهادات الدنيا بجميع اختصاصاتها !! ومن عرفها وآمن بها وصدقها ، غير انه لم يشمر للسير إليها ، وترجمتها في واقع حياته ، فهو محروم مخذول ، وإن بدا للناس في غاية الابتهاج !.اللهم أغننا بالافتقار إليك .. ولا تفقرنا بالاستغناء عنك ..اللهم إنا بك كل شيء .. وبدونك لا شيء ألبته ..اللهم إنه لا عز إلا عزك ، وطريق تحصيل هذه العزة ، أن تحققنا بكمال العبودية لك ..فلا تخذلنا يا الله، وأكرمنا بما أكرمت به أولياءك وأحبابك ..اللهم آمين .. اللهم آمين .
--------------------
أبو عبد الرحمن