دع التشاغل بالغزلان والغزل ... يكفيك ما ضاع من أيامك الأَوَلِ.
قال الشاعر:
دَعِ التَّشَاغُلَ بالْغِزْلَانِ وَالغَزَلِ ... يَكْفِيكَ مَا ضَاعَ مِنْ أَيَّامِكَ الأَوَلِ
ضَيَّعْتَ عُمْرَكَ لا دُنْيَا ظَفْرِتَ بِهَا ... وَكُنْتَ عَنْ صَالِحٍ الأَعمَالِ في شُغُلِ
تَرَكْتَ طُرْقَ الهُدَى كالشمسِ واضِحَةٍ ... وَمِلْتَ عنها لِمُعْوَجٍّ مِنَ السُّبُلِ
وِلم تَكُنْ نَاظَرًا في أمْرِ عَاقَبَةٍ ... أَأنْتَ في غَفْلَةٍ أم أَنْتَ في خَبَلِ
يَا عَاجِزًا يَتَمَادَى في مُتَابَعَةِ النَّـ ... نَفْسِ اللجُوجِ ويَرْجُو أَكْرَمَ النُّزلِ
هِلا تَشَبَّهْتَ بالأكياسِ إِذْ فَطِنُوا ... فَقَدَّمُوا خَيْرَ مَا يُرْجَى مِنَ العَمَلِ
فَرَّطْتَ يَا صَاحِ فَاسْتَدْرِكْ عَلَى عَجَلٍ ... إِن المَنِيَّةَ لا تَأتِي عَلَى مَهَلِ
هَلْ أَنْذَرَتْكَ يَقِينًا وَقْتَ زَوْرَتِهَا ... أَوْ بَشَّرَتْكَ بِعُمْر غَيْرِ مُنْفَصِلِ
هَيْهَات هَيْهَاتَ مَا الدُّنْيَا بِبَاقِيَةٍ ... ولا الزَّمَانُ بِمَا أمَّلْتَ فيه مَلي
لا تَحْسَبَنَّ الليَالِي سَالَمَت أَحَدًا ... صَفْوًا فَمَا سَالَمَتْ إِلا على دَخَلِ
ولا يَغُرَّنْكَ مَا أوِليتَ مِنْ نِعَمٍ ... فَهَلْ رَأَيْتَ نَعِيمًا غَيْرَ مُنْتَقِلِ
كَمْ مِن فَتَى جَبَرَتْهُ بَعْدَ كَسْرَتِهِ ... فَقَابَلَتْهُ بِجُرْحٍ غَيْرِ مُنْدَمِلِ
إِلَامَ تَرْفُلُ في ثَوْبِ الغُرُورِ عَلَى ... بُسَاطِ لَهْوَكَ بَيْنَ التِّيهِ والجَذَلِ
والشَّيْبُ وَافَاكَ مِنْهَ نَاصِحٌ حَذِرٌ ... فَمَا بِهِ كُنْتَ إِلا غَيْرَ مُهْتَبِلِ
وَلَمْ تُرَعْ مِنْهُ بَلْ أَصْبَحْتَ تَنْشُدُهُ ... إِنِّي أَتَّهَمْتُ نَصِيحَ الشَّيْبِ في عَذَلِ
وَسِرْتَ تَطْلُبُ حَظَّ النَّفْسِ مِنْ سَفَهٍ ... فَبَهْجَةُ العُمْرِ قدْ وَلَّتْ وَلَم تَصِلِ
وَمَالَ عَصْرُ التَّصَابِي مِنْكَ مُرْتَحِلاً ... وَحَالةٌ عَنْ طَرِيقِ الغَيِّ لَمْ تَحُلِ
أَقْسَمْتُ بِالله لو أَنْصَفْتَ نَفْسُكَ مَا ... تَرَكْتَهَا بِاكْتِسَابِ الوِزْرِ في ثِقَلِ
اَمَا عَلِمْتَ بأنَّ الله مُطَّلِعٌ ... عَلَى الضَّمَائِرِ وَالأَسْرَارِ والحِيَلِ
وكُلُّ خَيْرٍ وَشَرٍّ أَنْتَ فَاعِلُهُ ... يُحْصَى وَلَو كُنْتَ فِي الأَسْتَارِ وَالكَلَلِ
أَمَا اعْتَبَرْتَ بِتَرْدَادِ المَنُونِ إِلى ... هَذِي الخَلِيقَةِ في سَهْلٍ وَفِي جَبَلِ
وَسَوْفَ تَاتي بِلا شَكٍّ إِليكَ فَمَا ... أَخِّرْتَ عَمَّنْ مَضَى إِلا إِلى أَجَلِ
لكِنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ لَدَيْكَ فَخُذْ ... بالحزْمِ وانْهَضْ بِعَزْمٍ مِنْكَ مُكْتَمِلِ
دَعِ البَطَالَةَ وَالتَّفْرِيطَ وَابْكِ على ... شَرْخِ الشَّبَابِ الذي وَلَّى وَلَم يَطُلِ
وَلَم تُحَصِّلْ بِهِ عِلْمًا ولا عَمَلاً ... يُنْجِيكَ مِنْ هَوْلِ يَوْمِ الحَادِثِ الجَلِلِ
وَابْخَل بِدِينكَ لا تَبْغِي به عِوَضًا ... وَلَوْ تَعَاظَمْ وَاحْذَرْ بَيْعَةَ السِّفَلِ
واتْلُ الكِتَابَ كِتِابَ الله مُنْتَهيًا ... عَمَّا نَهَى وتَدَبَّرْهُ بِلا مَلَلِ
وَكُلُّ مَا فِيْهِ مِن أَمْرٍ عَلَيْكَ بِهِ ... فَهْوَ النَّجَاةُ لتَاليهِ مِنَ الضُلَلِ
وَلازِمِ السُّنَّةَ الغَرَّاءَ تَحْظَ بِهَا ... وَعَدِّ عَنْ طُرُقِ الأَهْوَاءِ واعْتَزِلِ
وَجَانِبِ الخَوْضَ فِيمَا لَسْتَ تَعْلَمُهُ ... وَاحْفَظْ لِسَانَكَ واحْذَرْ فِتْنَةَ الجَدَلِ
وكُنْ حَريصًا على كَسْب الحَلَالِ وَلَوْ ... حَمَّلْتَ نَفْسُكَ فِيْه غَيْرَ مُحْتَملِ
واقنَعْ تَجدْ غُنْيَةً عن كل مَسْألَةٍ ... فَفِي القَنَاعَةِ عِزٍّ غَيْرُ مُرْتَحِلِ
واطْلُبْ مِنَ الله واتْرُكْ مَنْ سِوَاهُ تَجدْ ... مَا تَبْتَغِيهِ بِلا مَنٍّ وَلاَ بَدَلِ
ولا تُدَاهِنْ فَتىً مِنْ أَجْلِ نِعْمَتِهِ ... يَوْمًا وَلَوْ نِلْتَ مِنْهُ غَايَةَ الأمَلِ
واعْمَلْ بِعِلْمِكَ لا تَهْجُرْهُ تَشْقَ بِهِ ... وانْشُرْهُ تَسْعَدْ بِذِكْرٍ غَيْرِ مُنْخَذِلِ
وَمَن أَتَى لَكَ ذَنْبًا فَاعْفُ عَنْهُ وَلا ... تَحْقُدْ عَلَيْهِ وفي عُتْبَاهُ لا تَطُلِ
عَسَاكَ بِالعَفْوِ أَنْ تُجْزَى إذَا نُشِرَتْ ... صَحَائِفٌ لَكَ مِنْهَا صِرْتَ في خَجَلِ
وَلَا تَكُنْ مُضْمِرًا مَا لَسْتَ تُظْهُرُهُ ... فَذَاكَ يَقْبحُ بَيْنَ النَّاسِ بالرَّجُلِ
ولا تَكُنْ آيِسًا وارْجُ الكَرِيمَ لِمَا ... أَسْلَفْتَ مِنْ زَلَّةٍ لَكِنْ عَلَى وَجَلِ
وَقِفْ عَلَى بَابِهِ المَفْتُوحِ مُنْكَسِرًا ... تَجْزِمْ بِتَسْكِينِ مَا فِي النَّفْسِ مِن عِلَلِ
وارْفَعْ لَهُ قِصَّةَ الشَّكوَى وسَلْهُ إِذَا ... جُنَّ الظَّلامُ بِقَلْبٍ غَيْرِ مُشْتَغِلِ
ولازِمِ البَابَ واصْبِرْ لا تَكُنْ عَجِلاً ... واخْضَعْ لَهُ وتَذَلَّلْ وَادْعُ وابْتَهِلِ
وَنَادِ يَا مَالِكِي قَدْ جِئْتُ مُعْتَذِرًا ... عَسَاكَ بِالعَفْوِ والغُفْرَانِ تَسْمَحُ لِي
فَإِنَّنِي عَبْدُ سِوْءٍ قَدْ جَنَى سَفَهًا ... وَضَيَّعَ العُمْرَ بَيْنَ النَّومِ والكَسَلِ
وغَرَّهُ الحِلْمُ والإِمْهَالُ مِنْكَ لَهُ ... حَتَّى غَدَا في المَعَاصِي غَايَةَ المُثُلِ
وَلَيْسَ لِي غَيْرُ حُسْنِ الظَّنِّ فِيكَ فَإِنْ ... رَدَدْتَنِي فَشَقَاءٌ كَانَ فِي الأَزَلِ
حَاشَاكَ مِنْ رَدِّ مِثْلِي خَائِبًا جَزِعًا ... والعَفْوُ أَوْسَعُ يَا مَوْلاي مِنْ زَلَلي
وَلَمْ أكُنْ بِكَ يَومًا مُشْركًا وإلى ... دينٍ سِوَى دينكَ الإِسْلامِ لَمْ أمِلِ
وكَانَ ذَلكَ فَضْلاً مِنْكَ جُدْتَ بِهِ ... وَلَيْسَ ذَاكَ بِسَعْي كَانَ مِنْ قِبَلي
|