لا تجــــــــزعــــــــي
قال أحمد بن عاصم:هذه غنيمةٌ باردة، أصلح ما بقي من عمرك يُغفر لك ما مضى.
-----------------
في زمن الجهل.. أو زمن الغفلة.. سمّه ما شئت
عشت في سباتٍ عميق.. ونومٍ متصل..
ليلٌ لا فجر له.. وظلامٌ ل إشراق فيه..
الواجبات لا تعني شيئاً.. والأوامر والنواهي ليست في حياتي. الحياة متعةٌ.. ولذة..
الحياة.. هي كل شيء.. غردت لها.. وشدوت لها.. الضحكة تسبقني.. والأغنية على لساني.. انطلاق بلا حدود.. وحياة بلا قيود..
عشرون سنة مرت.. كل ما أريده بين يديّ..
وعند العشرين.. أصبحت وردة تستحق القطاف..
من هو الفارس القادم؟ مواصفات.. وشروط..!!
أقبل.. تلُفه سحابة دخان.. ويسابقه.. صوت الموسيقى..
من نفس المجتمع.. ومن النائمين مثلي..
من توسد الذنب.. والتحف المعصية..
الطيور على أشكالها تقع.. طار بي في سماء سوداء.. معاصي.. ذنوب.. غردنا.. شدونا.. أخذنا الحياة طولاً وعرضاً.. لا نعرف لطولها نهاية.. ولا لعرضها حدّا.. اهتماماتنا واحدة.. وطبائعنا مشتركة.. نبحث عن الأغنية الجديدة.. ونتجادل في مشاهدة المباريات..
هكذا.. عشر سنوات مضت منذ زواجي
كهبات النسيم تلفح وجهي المتعب.. سعادةٌ زائفة!!
في هذا العام يكتمل من عمري ثلاثون خريفاً.. كلها مضت.. وأنا أسير في نفق مظلم..
كضوء الشمس عندما يغزو ظلام الليل ويبدده..
كمطر الصيف.ز صوت رعد.. وأضواء برق.. يتبعه.. انهمار المطر..
كان الحُلم يرسم القطرات.. والفرح.. قوس قزح..
• شريط قّدِّم لي من أعز قريباتي..
وعند الإهداء قالت.. إنه عن تربية الأبناء.
تذكرت أنني قد تحدثت معها عن تربية الأبناء منذ شهور مضت.. وربما أنها اهتمت بالأمر..
شريط الأبناء.. سمعته.. رغم أنه اليتيم بن الأشرطة الأخرى التي لدي.ز سمعته مرة.. وثانية..
لم أعجب به فحسب.. بل من شدة حرصي.. سجلت نقاطاً منه على ورقة.. لا أعرف ماذا حدث لي.. إعصار قوي.. زحزح جذور الغفلة من مكانها وأيقظ النائم من سباته.. لم أوقع هذا القبول من نفسي.. بل وهذا التغير السريع.. لم يكن لي أن أستبدل شريط الغناء بشريط كهذا!!
طلبت أشرطة أخرى.. بدأت أصحو.. وأستيقظ..
أُفسّر كل أمر.. إلا الهداية..
من الله.. وكفى..
• هذه صحوتي.. وتلك كبوتي..
هذه انتباهتي.. وتلك غفوتي
ولكن ما يؤلمني.. أن بينهن.. ثلاثين عاماً من عمري مضت.. وأنّى لي بعمرٍ كهذا للطاعة؟
دقات قلبي تغيرت.. ونبضات حياتي اختلفت.. أصبحت في يقظة.. ومن أولى مني بذلك.. كل ما في حياتي من بقايا السبات أزحته عن طريقي.. كل ما يحويه منزلي قذفت به.. كل ما علق بقلبي أزلته..
قال زوجي.. وقد هاله الأمر..
أنت مندفعة.. ولا تُقدرين الأمور!! من أدخل برأسك أن هذا حرام.. وهذا حرام.. بعد عشر سنوات تقولين هذا..؟! متى نزل التحريم..؟
قلت له.. هذا أمر الله وحُكمه..
نحن يا زوجي في نفق مظلم.. ونسير في منحدر خطير.. من اليوم.. بل من الآن يجب أن تحافظ على الصلاة.ز نطق الشيطان على لسانه.. هكذا مرة واحدة؟
قلت له بحزم.. نعم
ولكن سباته عميق.. وغفلته طويلة
لم يتغير.. حاولت.. جاهدت..
شرحت له الأمر.. دَعَوتُ له..
ربما.. لعل وعسى.. خوفته بالله.. والنار.. والحساب والعقاب.. بحفرة مظلمة.. وأهوال مقبلة
ولكن له قلبٌ كالصخر.. لا يلين!!
• في وسط حزنٍ يلفني.. وخوف من الأيام لا يفارقني
عنيٌ علي أبنائي.. وعين تلمح السراب.. مع زوج لا يصلي وهناك بين آيات القرآن.. نارٌ تؤرقني..
(ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين)
حدثته مرات ومرات.. وأريته فتوى العلماء.. قديماً وحديثاً من لا يصلي يجب أن تفارقه زوجته لأنه كافر
ولن أقيم مع كافر..
التفت بكل ببرود وسخرية وهو يلامس جُرحاً ينزف
قلب.. (اللهُ خير حافظاً وهو أرحم الراحمين)
• كحبات سبحة.. انفرط عقدها.. بدأت تتتابع المصائب.. السخرية.. ولإهانة.. التهديد.. والوعيد لن ترينهم أبداً.. أبداً
أمور كثيرة.. بدأت أعاني منها..وأكبر منها.. أنه لا يُصلي!!
وماذا يُرجى من شخص لا يُصلى؟
عشت في دوامة لا نهاية لها.ز تقض مضجعي.. وفي قلق يسرق لذة نومي.. هاتفتُ بعض العلماء..
ليست المشكلة بذاتي.. بل بفؤادي.. أبنائي..
وعندما علمت خطورة الأمر.. ووجوب طاعة الله ورسوله..
اخترت الدار الآخرة.. وجنة عرضها السماوات والأرض على دنيا زائفة.. وحياة فانية.. وطلبت الطلاق..
كلمة مريرة على كل امرأة.. تُصيب مقتلاً.. وترمي بسهم.. ولكن انشراح لها قلبي.. وبرأ بها جُرحي.. وهدأت معها نفسي.. طاعة لله وقُربةً.. أمسح بها ذنوب سنوات مضت.. وأغسل بها أرداناً سلفت
ابتُليتُ في نفسي.. وفي أبنائي..
أحاول أن أنساهم لبعض الوقت ولكن.. تذكرني دمعتي بهم قال لي أحد أقربائي.. إذا لم يأت بهم قريباً..
فالولاية شرعاً لك.. لنه لا ولاية لكافر على مسلم.. وهو كافر.. وأبناؤكِ مسلمون..
تسليت بقصة يوسف وقلت.. ودمعة لا تفارق عيني.. ومن لي بصبر أبيه..
• في صباح بدد الحزن ضوءه.. طال ليله.. ونزف جُرحه لابدّ أن أزور ابنتي في مدرستها
لم أعد أحتمل فراقها.. جذوة في قلبي تُحرقه.. لابدّ أن أراها.. خشيت أن يذهب عقلي من شدة لهفي عليها..
عاهدت نفسي أن لا أظهر عواطفي.. ولا أُبيّينُ مشاعري.. بل سأكون صامدة.. ولكن أين الصمود.. وأنا أ؛مل الحلوى في حقيبتي!!
جاوزت باب المدرسة متجهة إلى الداخل.. لم يهدأ قلبي من الخفقان.. ولم تستقر عيني في مكان.. يمنةً ويسرةً أبحث عن ابنتي.. وعندما هويت على كرسي بجوار المديرة..
استعدت قوتي.. مسحـت عرقـاً يسيل على وجنتي.. ارتعاشٌ بأطراف أصابعي لا يُقاوم.. أخفيته خلف حقيبتي.. أنفاسي تعلو وتنخفض.. لساني التصق بفمي.. وشعرت بعطش شديد..
في جو أترقب فيه رؤية من أحب.. تحدثت المديرة.. بسعة صدر.. وراحة بال..
أثنت على ابنتي.. وحفظها للقرآن.. طال الحديث.. وأنا مستمعة!!
وقفتُ في وجه المديرة.. وهي تتحدث.. أريد أن أرى ابنتي..
فأنا مكلومة الفؤاد.. مجروحة القلب..
• فُتح الباب..
وأقبلت.. كإطلالة فمر يتعثر في سُحب السماء..
غُشي علي عيني.. وأرسلت دمعي..
ظهر ضعفي أما المديرة.. حتى ارتفع صوتي..
ولكني سمعت صوتاً حبيباً.. كل ليلةٍ يوآنسني.. وفي كل شدة يثبتني..
اصبري.. لا تجزعي.. هذا ابتلاء من الله ليرى صدق توبتك لي يضيعكِ الله أبداً.. من ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه أخيتي.. الفتنة.. هي الفتنة في الدين
كففت دمعي.. واريت جُرحي.. بثثت حزني إلى الله..
خرجت.. وأنا ألوم نفسي.. لماذا أتيت..؟!
• والأيام تمر بطيئة.. والساعات بالحظن مليئة
أتحسس أخبارهم.. أسأل عن أحوالهم؟!
ستة أشهر مضت.. قاسيت فيها ألم الفراق وذقت حلاوة الصبر الباب يُطرق..
ومن يطرق الباب في عصر هذا اليوم.. إنهم فلذات كبدي لقد أتى الله بهم.. تزوج وأراد الخلاص
مرت ليلتان.ز عيني لم تشبع من رؤيتهم.. أذني لم تسمع أعذب من أصواتهم..
تتابعت قبلاتي لهم تتابع حبات المطر تلامس أرض الروض
علمت أن الله استجاب دعوتي.. وردهم إليّ
ولكن بقي أمر أكبر.. إنه تربيتهم
عُدت أتذكر يوم صحوتي.. وأبحث عن ذاك الشريط.. حمدت الله على التوبة..
تجاوزت النفق المظلم.. صبرت على الابتلاء
وأسأل الله.. الثبات
الثبات..
---------
للفايدة