عرض مشاركة واحدة
قديم 04-03-2013, 12:32 PM   #1064
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

إلا بـــــــاب السمــــــــاء



قال بعض السلف: من الذنوب ذنوبٌ لا يُكفرها إلا الغم بالعيال.
------------------------

قال محدثي يؤكد ذلك:
إنها من صميم الواقع.. ليست من نسج الخيال.. ولا أسطورة من الأساطير.. أنا الأب.. وطفلي محور الحديث بعد انقضاء شهر رمضان ومع إطلالة العيد.. لاحظت أن ابني عبد الله صاحب السنتين والنصف متعب ودرجة حرارته مرتفعة.. اختفت الابتسامة.. وذبلت النضارة.. ولم يعد صاحب الحركة والشقاوة.. أصبه الضعف فجأة.. نظراته زائغة.. وحديثه متقطع.. يبحث عن مكان ينزوي فيه..
فزعنا إلى الكمادات والمهدئات ريثما نبحث عن طبيب.. لكن الحرارة عادت مرة أخرى في الارتفاع.. ليس هناك خيار.. ولا وقت للتشاور..
تبادر إلى ذهني جميع المستشفيات.. ولكن نحن في إجازة.. قررت الذهاب به للطوارئ.. قلت لوالدته وأنا أحمله بي يدي.. لا تخافي.. كل الأطفال هكذا.. وتابعت حديثي لأطمئنها قبل أن أغلق الباب الطفل سريع المرض.. سريع الشفاء.. هدأي من روعك.. واتكلي على الله..
• بعد سير متقطع من شدة الزحام
تبهرك الأنوار في الخارج
ثم تدلف إلى عالم آخر وأنت تصعد عتبات المستشفى..
والتسلط فيه.. الإنسان هنا ضعيفٌ. ضعيف.. هذا منكس الرأس.. وذاك ممسك بكلتا يديه على بطنه.. وصمت أنين تسمعه يقطع الصمت ولا ترى صاحبه
أما الجرحى ونزف الدماء.. تراه بين حين وآخر يسبقه صوت سيارة الإسعاف في الخارج.. ثم لحظات وتقع عينك عليه..
لا تتذكر أن هناك شيئاً اسمه الصحة والعافية إلا إذا أتيت هنا..
في زاوية بعيدة.. صاحب الثمانين عاماً.. رجل مكتمل العمر تراه فقد كل شيء!!
النظرات.. زائغة.. يمنة ويسرة.. تبحث عن طبيب.. عن دواء.. لا تُحس نعمة العافية إلا عندما ترى وتُشاهد.. ربما تجد صحيحاً معافى يسير ببط وكأنه يقفز ويجتاز البحار في عيون المرضى..
هانت حالة ابني عندما رأيت الأم يعتصر الجميع..
صُرف لنا أشكال وألوان من الأدوية.. تحسست طعم العافية وأنا أخرج من المستشفى..
• في اليوم الأول تحسنت صحته قليلاً..
ولكن بعد نفاد الدواء عادت الحرارة.. عُدنا إلى الطبيب.. لمح في عينيّ وأنا أشرح حالة ابني الاضطراب والقلق.. طمأنني.. لا تخف.. وصرف لنا نفس الأدوية السابق!!
نفرح بالدواء عندما يُصرف.. ولكن الحالة تعاوده..
تكررت المراجعة خمسة أسابيع متتالية ولكن بدون نتيجة..
ساورني الخوف.. ووالدته أكثر مني.. أصبح حديثنا هو.. بدأ الطفل يضعف وتقل شهيته للأكل.. يمشي ببطء ويحس بوجع في عظامه ولاحظت والدته اصفراراً في لونه..
ذهبت به إلى مستشفى خاص وفحصه استشاري.. سأل أسئلة كثيرة.. وقال بعد محاورة طويلة:
هذه الحالة لا تحتاج لمجرد صرف الأدوية والفحص السريع.. لابدّ من تنويم وتحليل شامل.. أدركت أن في الأمر شيئاً وأن هناك أياماً طويلاً تنتظرنا. قَبلتُ جبينه وحملته إلى قسم التنويم.. بدأت تنهال عليه الحقن بأشكال وألوان مختلفة وهو يستنجد بي.. لا أملك إلا أن أُمسكه بقوة وأسلمه لتلك الحقن..
علا صوته.. وارتفع أنينه.. وسالت دموعه بعضها يسقط على يدي وأنا ممسك به..
تخاطبني تلك الدموع.. ما هذه القسوة يا أبي..؟
شيء في صدري يضطرم.. وبين أحشائي قلب يذوب..
دموعك يا بني.. ليست إلا نقطة في بحر آلامي..
يا بني.. أنا لست تمثالاً ولا قلبي حجر..
• مرت بضعة أيام ونحن في ترقب.. كلما دخل علينا طبيب تلهفنا سماع جواب منه.. ننتظر كلمة تُحيي الأمل.. وتداوي الجُرح ولكن التحاليل على كثرتها لم تعط نتيجة واضحة!!
الرد الوحيد.. المرض في الدم
زاد تدهور صحة طفلي حتى لم يعد يقدر على الجلوس فضلاً عن الوقوف.. ونظرات شاردة تطاردني كلما أقبلت
وسؤال في عينيه.. متى أخرج من هنا..؟!
بارقة الأمل في علاجه تخبو وأنا أسمع الطبيب يحادث زميله:
(رغم ضعفه الشديد لا نستطيع نقل الدم إليه لأن ذلك يؤثر على نتيجة التحاليل).
• ونحن في تلك الحال.. والأيام تسير ببطء وطفلي بدأ يفقد الحياة..
طلب منا الطبيب إجراء فحص لنخاع العظم.. فهو مصنع الدم في الإنسان
وافقت بدون تردد وقلبي يعتصر ألماً وأنا أنظر إلى رأسه.. وجمجمته الصغيرة.. تلمست استدارتها بيدي.. وكأني أتلمس العافية..
تم تخدير الطفل وأخذت عينة من نخاع العظم.. وطُلب مني أن أجري هذا التحليل في مستشفى خاص.. سرت وأنا أحمل العينة.. عينيّ شاخصة.. وقلبي معلق برب السماء.. لا أذوق للحياة طعماً ولا للنوم لذة..
سلمت العينة للمختبر ومعها خطاب يحدد نوع التحليل المطلوب فرحت.. ربما أن نتيجة هذا التحليل تُنهي ألمه ومرضه..
في اليوم الثاني.. واللحظات تمر بطيئة ودقات قلبي تسابق عقارب الساعة.. عجزت عن التفكير في كل شيء..
تناولت سماعة الهاتف.. ربما أن التقرير وصل.. تحاملت على نفسي وسألت عن النتيجة.. أترقب العافية والشفاء لطفلي..
عادت أذني تطرب لضحكاته.. تذكرت جريه ليستقبلني.. جلوسه على ظهري.. قُبلتُه على جبيني..
في نشوة الفرح.. أجاب بكلمة مروعة.. شتت آمالي.. وبعثرت أحلامي.. فجرت الدم في عروقي.. وتركت صداها في أُذني.. نزف لها قلبي ودمعت عيني.. ورفعت إصبعي.. الحمد لله قال (إن مرض ابنك هو سرطان في الدم).
لحظات طويلة قاسيت فيها الهموم.. اضمحلت الدنيا في عيني.. ولم تستطع قدماي السير.. سُدت الطرف أمامي.. وأُغلقت الأبواب في وجهي.. ولكن تذكرت..
هناك باب واحد لا يُغلق.. باب السماء.
فرحت بهذا الثبات..
الحمد لله.. وأكملت.. إنا لله وإنا إليه راجعون
تداركت نفسي.. تحركت خطوات ثقيلة..
دارت في ذهني أسئلة لها أول ولا أعرف لها آخر.. سأودع ابني قريباً كيف سأخبر والدته وأخوته؟ بل كيف سأنظر إليه؟ أي نظرة وداع.. أم نظرة رجاء..؟! أسرعت أسئلة متلاحقة تطرق قلبي ثم قفز سؤال شدني من مكاني.. قفز بقوة أجري هل سألحق به في المستشفى..؟ أم أنه توفي..؟
مشاعر متقلبة.. وأسئلة مضطربة.. حملت قدماي أسير في طرقات المستشفى أجمع أطراف الكلام..
• والدته بجواره.. بفرح.. بشر ما هي النتيجة؟
ماذا أجيب.. حيرتي أكبر من حيرتها. وحاجتي للسكوت أكبر من حاجتها للجواب.. ذبول وشحوب يخيم على سرير ابني.. أستعجل اللحظات والدقائق.. ربما ينقل إلى الرياض.. لحظاتٌ بسنوات.. ودقائق بأعوام.. تمر ببطيئة ثقيلة..
ثم نقله بعد جهد وعناء..
• في مساءٍ طويلٍ.. والحديث طويل..
الحزن يلف رداءه حولنا.. والألم ناصبٌ رايته في قلوبنا
غداً عيد الأضحى..
زمانٌ بين عيدين.. عيدٌ بأي حال عدت يا عيد
اصبر واحتسب.. ما قدر الله كان.. مسحت الحزن على قلبي ودعوت الله دعوة موقنٍ بالإجابة
في ثاني أيام العيد..
صرخات الأطفال تصل إلى مسامعي.. وأصوات الحديث تعلن الفرح بالعيد.. والتهنئة على كل لسان
الأمر لعبد الله مختلف.. يتلوى على فراشه من الألم
نظرتُ إليه وهو على سرير المرض.. يتقلب.. لا يستطيع الحركة.. فتح عينه بصعوبة ليتأكد من وجودي.. نظرات غير مفهومة.. مسحت دمعة في عيني لِما أرى.. تحكي حالي وألمي..
ابنـي الصبـر آيات أراها وإنني أرى كل حبل بعـد حبلك أقطعا
وإنّي متى ما أدع باسمك لا تُجب وكنت جديـراً أن تُجيب وتسمعا
اليوم يبدأ علاج ابني بالعلاج الكيميائي.. وما أدراك ما العلاج الكيميائي؟!
حُقن تُعطى مع المغذي في الدم لتُمر الخلايا الخبيثة ومعها الخلايا الطيبة.. العلاج طويل ومركز يستمر ثلاث سنوات..
• في الشهر الأول من العلاج..
نوّم طفلي شهراً كاملاً ليصارع المرض ويحتسي ألم الدواء الكيميائي بعد ثلاث أسابيع.. هناك تحسن بسيط بدأ يمشي مشية بطيئة مهزوزة.. وأشار علينا الطبيب بإمكان علاجه في مدينتنا..بعد أن رأى المشقة التي أعانيها من مكوثي وحيداً مع ابني.. وأمه وأخوته هناك.. حملت طفلي مغادراً المستشفى..
حملني همّ وغمّ.. طفل يصارع الموت.. وأم تصارع الأحزان.. وأب يصارع الحياة.. وسؤال في عين طفلي..
أين تذهب بي يا أبي.. أما تعبت من حملي..؟ المستشفى آخر أم إلى بيتنا..؟ أريد أن أرى أمي..
• أقمنا مدة واضطررنا إلى العودة بعد شهرين وفي الأسبوع الأول من إقامتنا أجري تحليلاً آخر..
الفرح يُعطر المكان.. والسعادة تحوم حولنا.. ولكن المفاجأة.. أتت بصوت قوي
انتكست حالة الطفل.. مرحلة انحدار خطرة..
أصابني إعصار الفوضى.. ماذا أفعل. كيف أتصرف؟
لقد بدأت الخلايا السرطانية تعاود نشاطها من جديد.. لابدّ من إعادة برنامج العلاج من جديد.. وبتركيز أشد..
تأثر الطبيب وهو يقرأ التقرير ثم أردف وكأنه ينعى إليّ ابني.. إن شئت نبدأ بالعلاج من جديد هنا.. أو تعود إلى جدة.. قلت له بل هناك في جدة
أمسكت تقرير ابني في يدي.. وخرجت بطفلي من المستشفى وصوت الطبيب يُلاحقني..
عليك بسرعة العلاج وعدم الإهمال.. حالة الطفل خطيرة..
• طرقت أبواب المستشفيات..
تحمل ابني من الإبر ما لا يتحمله رجل كبير.. لم يبق موضع لإبرة جديدة.. يحتار الطبيب أين يضع إبرته.. قاسي من الآلام.. ومن البعد عن والدته وأخوته الكثير.. تعرف على وجوه الأطباء وعلى أنواع الأدوية..
أما أنا. فقد حفظت كل شيء في المستشفيات.. أصبحت يستنجد بي من شدة الألم ولكن ليس الأمر بيدي يا بُني..
كل الأبواب طُرقت إلا باب الله.. وكل الأبواب أُغلقت إلا باب الله..
(أمَن يّجيبُ المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)
• سمعت في تلك الفترة عن شيخ يرقي بالقرآن
وأشار علي بعض الاخوة بذلك.. الحمد لله.. والقرآن فيه شفاء..
تنازعتني الأهواء.. كثر الحديث.. تشتت ذهني..
كيف سأترك الطب الحديث.. ربما.. وربما؟!
استخرت الله قبل أن أذهب..
• نمت تلك الليلة فرأيت في المنام أني أقف على شاطئ البحر وكانت المياه على الشاطئ ضحلة.. وفي جزء معين كانت الأرض ظاهرة للعيان قد انحسر عنها ماء البحر، وفجأة تظهر حفرة في طين البحر.. يخرج منها ما يسمى سرطان البحر ويذهب بعيداً.. استيقظت وكانت نفسي منقبضة تلك الليلة من خبر انتكاس المرض.. حدثت بتلك الرؤيا من أثق به..
قال.. أبشر لعله خير إن شاء الله.. فالطين هو ابن آدم والسرطان يخرج منه إن شاء الله
استشرت خيراً وقررت الذهاب إلى الشيخ ليرقي ابني بالقرآن..
في زحام المرضى.. هناك راحة نفسية تشعر بها.. وقصص العافية تزين المكان..
بارقة أمل أطلت عليّ.. سحابة خير أظلتني..
تمت الرقية على ابني.. وطلب مني المراجعة ثلاث مرات كل أسبوع.. وأوصاني أن أقرأ بنفسي عليه آيات من القرآن
قررت إيقاف العلاج بالمستشفى.. لعدم تمكني من إخراجه عندما يبدأ علاجه بالكيميائي
• مرت ثلاثة أسابيع.. تحسنت فيها حالة ابني..
في كل موعد أسافر من جدة إلى الرياض ثم أعود..
عانيت من التعب والمشقة الكثير..
وعندما انقضت مدة الرقية وهي ثلاثة أسابيع..
قررت العودة للمستشفى. ولكن لابدّ من الانتظار لحين فراغ سرير..
سجلت رقم هاتفي لدي المستشفى وأعطيت أولوية الدخول نظراً لتأخري في العلاج. ووضع الطفل كما ذكروا لا يسمح بإضاعة دقيقة واحدة..
• أيام معدودة..
فإذا بالهاتف ينادي..
عليك الحضور سنأخذ عينة لنخاع العظم على أن يكون الطفل صائماً.. أخذت ابني.. وأخذتني الحيرة.. وتبعتها آلام الصغير وصراخه..
أقبلت على المستشفى..
وأنا أدعو الله أن لا يعيدنا إليه مرة أخرى
أخذت العينة.. وعدت للمنزل..
حدثنا.. بين التحليل والنتيجة؟! أسبوع كامل..
تركنا الأمر للتفسير.. ماذا؟ وأين؟ في موعد التحليل أسرعت بي أقدامي.. أحسست أن هناك خيراً ينتظرني..
• جلست مع الطبيب لأسأله..
فكان جوابه الذي هزّ أعماق قلبي..
تأكدت أنني أعي ما يقول..
أرهفت سمعي.. وأسكنت جوارحي..
في زمن لم يعد للفرحة في قلبي مكان
بحثت عن ابني يمنة ويسرة.. لأقبله..
لأنظر في عينيه.. لأمسح دمعته..
التفت إلى مكان لأسجد سجدة الشكر لله.. ومن أحق منه بذلك
(بعد أن كانت عند الانتكاسة بليونين من الخلايا على أقل تقدير لا أثر الآن للخلايا السرطانية)
واستطرد الطبيب
يسمى هذا بوضع الكمون..
أي عدم ظهور أي خلايا في التحليل.. ويجب وضعه تحت الملاحظة تحسباً لأي أعراض.. أسرعت خارجاً..
التفت أبحث عن هاتف لأخبر زوجتي.. ولكن خطواتي أسرع من نظري..
حمدت الله على نعمة الإسلام.. ونعمة إنزال القرآن..
سقطت دموعي حُزن أياماً طويلة..
أما الآن..
ليست دموع فرح فحسب..
بل فرح وشكر
استرجعت الذاكرة
(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق، أو لم يكفِ بربك أنه على كل شيء قديد)
رأيت هذه الآية في نفسي..
هنا بين أكوام التقارير والأرقام والتحاليل..
بين بكاء الطفل وحزن الأم.. وهم الأب..
صدق الله إذ يقول:
(وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين).
---------------

للفايدة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اذكروني بدعوه رحمني ورحمكم الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم



أخر مواضيعي
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس