عرض مشاركة واحدة
قديم 05-03-2013, 04:15 AM   #1071
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

زائـــــــر منتظــــــــــــر






يزورنا في حياتنا الكثير من الزوار، فلا نستطيع أن نَعُدَّ أو نحصي من زارنا خلال سني عمرنا، يزورنا المحب الصادق، وصاحب الحاجة، والقريب والبعيد، ويزورنا الطامع، والناصح، والفضولي، ومن ليس له شغل ولا عمل فيزورنا لقضاء الوقت، وقته هو غير آبهٍ بوقتنا نحن.
هناك زائر واحد في هذه الدنيا فريد من نوعه، شديد في طبعه، يختلف عن كل زوارنا، يزورنا مرة واحدة في حياتنا، يزورنا بموعد لا نحدد زمانه ومكانه نحن ولا هو، زائر على درجة عالية جداً من الأهمية والخطورة، ينبغي أن نتهيأ لقدومه ونَعدَّ العدة اللازمة والمناسبة له، هذا الزائر هو (الموت)، يقول أبو العتاهية:
المَوتُ بابٌ وَكُلُّ الناسِ داخِلُهُ
فَلَيتَ شِعرِيَ بَعدَ البابِ ما الدّارُ
الدارُ جَنَّةُ خُلدٍ إِن عَمِلتَ بِما
يُرضي الإِلَهَ وَإِن قَصَّرتَ فَالنارُ
هذا الزائر مخيف، بل مفزع، قد يأتي في مقتبل العمر أو في أوسطه وربما في آخره، وقد يأتي في ليل أو نهار، يأتي الناس وهم نائمون أو قاعدون أو راكبون، أحياناً تأتينا مقدمات تدلُّ عليه، ويأتي فجأة أحياناً أخرى، لكنه سيأتي حتماً، وهو يأتي من أجل حاجة، لا يمهلنا ولا يساومنا عليها، ولا يقبل الأعذار والتأجيل والمماطلة، ونحن لا نملك وسيلة لدفعه فيأخذها ويمشي.
وبالرغم من إيماننا بأن هذا الزائر مبعوث من الله - تعالى -، إلا إننا لا نحبه، بل ونكره لقائه، وهذه هي الحقيقة التي قالها الله - تعالى -، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله - تعالى -قال: ((وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته))([1])، ومن سياق الحديث نعلم حجم الخطب، وهول الموقف.
والخوف من هول الموت أو كراهيته لا يحصل مع عامة الناس فقط، بل يحصل مع المصطفين من البشر، وهم الأنبياء، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: ((أُرسل ملك الموت إلى موسى - عليهما السلام -، فلما جاءه صكَّهُ، فرجع إلى ربه، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فرد الله عليه عينه وقال: ارجع، فقل له: يضع يده على متن ثور فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سنة، قال: أي رب، ثم ماذا؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن، فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر))، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( فلو كنت ثم لأريتكم قبره، إلى جانب الطريق، عند الكثيب الأحمر))([2]). وسماه ربنا - تعالى –مصيبة؛ لأنه خطب عظيم بالفعل وإن أمره ليس هيناً، قال - تعالى -: (فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ) ]المائدة: 106[.
وهذا أبونا آدم - عليه السلام -، يحدث معه ذات الشيء فهو بشر، فحين يأتيه ملك الموت ليقبض روحه، يجادله بأن ما زال في عمره بقية، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( فكان آدم يَعدُّ لنفسه، قال: فأتاه ملك الموت، فقال له آدم: قد عجَّلتَ، قد كتب لي ألف سنة، قال: بلى، ولكنك جعلت لابنك داود ستين سنة، فجحد فجحدت ذريته، ونسي فنسيت ذريته))([3]).
وقبض الروح مهمة يقوم بها ملك الموت وهو لا يزورنا لوحده بل يكون معه ملائكة ينفذون أمره في قبض روح الإنسان، وهؤلاء الملائكة الذين بمعية ملك الموت يتعاملون مع الروح الخبيثة الظالمة الفاجرة، التي لا تأبه بأحكام الشرع الحنيف، بقسوة وقوة وعنف، يقول - تعالى -: (ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) ]الأنفال: 50[، فيا له من موقف ويا لها من آلام مبرحة لا توصف من شدتها، موت وضرب بعنف وقسوة على الوجه والأدبار.
يقول ابن كثير - رحمه الله -: " ولهذا قال: (والملائكة باسطوا أيديهم) أي بالضرب لهم، حتى تخرج أنفسهم من أجسادهم، ولهذا يقولون لهم: (أخرجوا أنفسكم) وذلك أن الكافر إذا احتضر، بشرته الملائكة بالعذاب، والنكال، والأغلال، والسلاسل، والجحيم، والحميم، وغضب الرحمن الرحيم، فتتفرق روحه في جسده، وتعصى وتأبى الخروج، فتضربهم الملائكة، حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم، قائلين لهم: (أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق) الآية، أي اليوم تهانون غاية الإهانة، كما كنتم تكذبون على الله، وتستكبرون عن اتباع آياته والانقياد لرسله".([4]).
أما الروح المؤمنة الطيبة المنضبطة بأحكام الشريعة المراعية لحقوق الله - تعالى -، فيتعاملون معها بطريقة طيبة ورفيقة وسهلة قدر الإمكان؛ لأنه لا بد لها من سكرات الموت المؤلمة ولكنها لا تقارن مع تلك الروح الخبيثة، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، عانى من تلك السكرات ومرت به، فهو في سكراتها يقول: ((لا إله إلا الله، إن للموت سكرات))([5]).
يقول - تعالى-: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) النحل: 32، فمع قبض الروح المؤمنة المطمئنة هناك كلمات طيبة سيسمعها وفيها البشارة بالجنة، وهي أعظم بشارة يبشر بها الإنسان أثناء موته، كما جاء في قوله - تعالى- ما سيُقال للمؤمن وهو يموت: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) [الفجر: 27-30[.
فهل سألت نفسك كيف ستتعامل معك الملائكة وقت نزع روحك؟
من منا لا يتمنى أن تكون نهايته طيبة، ويبشر بالجنة، ولكن هذه الأمنية تحتاج إلى عمل صالح يؤهل الفرد في أن يكون بهذا المكانة العظيمة.
كان حرص الصحابي حذيفة بن اليمان - رضي الله عنهما - كبيراً، في أن يكون في الطريق الصحيح، فلقد كان يسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-عن الشر حتى لا يقع فيه ويموت وهو في طريقه، ويعرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-مراده، فيجيبه بما يريح قلبه، فعن أبي إدريس الخولاني - رحمه الله -، أنه سمع حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-يقول: ((كان الناس يسألون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: " نعم " قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: " نعم، وفيه دخن " قلت: وما دخنه؟ قال: " قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر "، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: " نعم، دعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها "، قلت: يا رسول الله، صفهم لنا؟ فقال: " هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا " قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: " فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك ))([6]).
فالمسار واضح لا لبس فيه، فعندما تكثر المسميات، ويعجب كل فريق بما عنده، فيرى نفسه على الحق وغيره هو الباطل بعينه، وتختلط الأوراق، ويصبح من الصعوبة بمكان أن نميّز الصواب من الخطأ، والحق من الباطل، فنجتهد بالبحث عن الجماعة، فإن لم نجدها، فنعتزل الجميع بلا استثناء ونكون أحلاس البيوت، حتى يزورنا ذلك الزائر المنتظر فنكون بمأمن من الفتن وقتها.
وأفضل المواقف في الموت؛ ذلك الموقف الذي ييسر الله - تعالى- للميت في أن يقول (لا إله إلا الله)، يقولها ملئ فمه بيقين، بثقة ووضوح، وهي دلالة على حسن الميتة وسلامة الموقف، فعن معاذ بن جبل الأنصاري -رضي الله عنه-، قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من كان آخر كلامه لا إله إلا الله وجبت له الجنة ))([7]).
وهذا التوفيق لن يُستحصل بالأمنيات، بل بالاستمرار بالطاعة والإخلاص بالعبادة والثبات والمداومة عليها، وهذا ما كان مطلوباً من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيقول له الله - تعالى-: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) [الحجر: 99[.
واليقين هو الموت، فمحمد -صلى الله عليه وسلم-حبيب الله - تعالى- وخليله، وصفيه من البشر، وسيد ولد آدم، ومن غفر الله - تعالى- له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وصاحب أعلى درجات الجنة، مأمور أن يعبد الله - تعالى- حتى يموت، فكيف بنا نحن وقد كثرت ذنوبنا، وفاحت رائحة معاصينا، وتعاظمت سيئاتنا، وقلَّت حسناتنا؟
وبالنتيجة كلنا سنموت، لقد مات أجدادنا، وسيموت آباؤنا إن لم يكونوا قد ماتوا بعد، وسنموت نحن، ويموت أولادنا وأولادهم، فإن الله - تعالى- قد وعدنا به وذلك بقوله - تعالى -: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) [العنكبوت: 57]، وأساليب الموت مختلفة، فهذا يتردى من بناية شاهقة، وآخر يغرق، وغيره تسممه أكلة كان يظن أن فيها العافية، وذاك يختنق، وآخر يقتل، وآخر يموت بعد مرض عضال، وهذا تصدمه سيارة، قال ابن نباتة السعدي:
ويصـطدِمُ الجمعانِ والـنقعُ ثائرٌ
فيَسلَمُ مِقدامٌ ويـهلكُ حائدُ
ومن لم يَمُتْ بالسيفِ ماتَ بغيرهِ
تنوعتِ الأسبابُ والداءُ واحِدُ
ويبقى الفائز هو العاقل الذي يتعظ بكل حوادث الموت، فيتعلم من دروسها، ويتهيأ له قبل أن يدهمه، فالموت واعظ ليس مثله واعظ، وهكذا كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يفهم الأمور ويقدرها حق قدرها، لذلك كان نقش خاتمه ((كفى بالموت واعظاً يا عمر))، ففي الموت من الوعظ ما فيه كفاية للناس، فمن لم يتعظ به لم يتعظ بشيء في حياته.
---------------------
([1]) صحيح البخاري –كتاب الرقاق –باب التواضع، جزء من الحديث.
([2]) صحيح البخاري - كتاب الجنائز –باب: من أحب الدفن في الأرض المقدسة أو نحوها.
----------
للفايدة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اذكروني بدعوه رحمني ورحمكم الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم



أخر مواضيعي
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس