عرض مشاركة واحدة
قديم 06-03-2013, 05:48 AM   #1091
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

صور التبتل الممنوع:
للتبتل الممنوع صور عدة، منها:

أولاً: سلوك مسلك النصارى وبعض أهل البدع الضالة في ترك النكاح والترهب في الصوامع:
فهذا تبتل ممنوع جاءت الشريعةُ الإسلامية بالنهي عنه، والتحذير منه؛ قال -تعالى-: (ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) [الحديد: 27].
فلا رهبانيةَ في الإسلام؛ ولذلك فقد رد النبي -صلى الله عليه وسلم- على عثمان التبتل؛ كما جاء في حديث سعد بن أبي وقاصٍ - رضي الله عنه - قال: \"رد رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذِن له، لاختصينا\"[رواه البخاري ومسلم].
والرغبة عن الزواج ليست من هدي الإسلام، ولا من سنة سيد الأنام محمد - عليه الصلاة والسلام - فعن أنس بن مالكٍ - رضي الله عنه - قال: جاء ثلاثة رهطٍ إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما أخبِروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال أحدهم: أما أنا، فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطِر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوَّج أبدًا، فجاء رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم فقال: ((أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله، وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغِب عن سنتي، فليس مِني))[رواه البخاري ومسلم].
ففي هذا الحديث بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن منع النفس من تناول المباحات؛ كترك النوم، أو ترك الجماع، أو تناول الأكل الطيب الحلال - ليس من سنته - عليه الصلاة والسلام - وقد رُوي في الأثر عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رجلاً أتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، إني إذا أصبت اللحمَ، انتشرتُ للنساء وأخذتني شهوتي، فحرمت عليَّ اللحم، فأنزل الله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالاً طَيِّبًا ) [المائدة: 87، 88] [21].
قال ابن العربي معلقًا على هذا الأثر: \"ظن أصحابُ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المطلوبَ منهم طريق مَن قَبْلهم مِن رفض الطعام والشراب والنساء، وقد قال الله - سبحانه -: ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ) [المائدة: 48]، فكانت شريعةُ مَن قبلنا بالرهبانية، وشريعتنا بالسمحة الحنيفية، وفي الصحيح: \"أن عثمان بن مظعون نهاه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن التبتل، ولو أَذِن له، لاختصينا\"، والذي يوجب في ذلك العلم، ويقطع العذر، ويوضح الأمر - أن الله - سبحانه - قال لنبيِّه: ( وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً ) [المزمل: 8]، فبيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - التبتل بفعله، وشرح أنه امتثال الأمر، واجتناب النهي، وليس بترك المباحات، \"وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأكُلُ اللحمَ إذا وجده، ويلبَس الثياب تبتاع بعشرين جملاً، ويُكثِر من الوطء، ويصبر إذا عدم ذلك\"، ومن رغِب عن سنته لسنة عيسى، فليس منه\"[22].
فالزواج آية من آيات الله في الكون؛ قال - تعالى -: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) [الروم: 21].
وهو سنة من سنن الأنبياء والمرسلين؛ قال - تعالى - في كتابه العزيز: ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ) [الرعد: 38]، وقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((يا معشر الشباب، مَن استطاع منكم الباءةَ، فليتزوَّجْ))[رواه البخاري ومسلم].
والمراد به في الآية الكريمة: الانقطاع إلى عبادة الله - تعالى - دون ترك النكاح[23].
ثانيًا: تقديم المستحبات على الواجبات:
كما جاء في حديث أبي جحيفة وهب بن عبدالله، أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - آخى بين سَلْمان وأبي الدرداء - رضي الله عنهما - جميعًا - آخى بينهما؛ أي عقد بينهما عقد أخوة؛ وذلك أن المهاجرين حين قدموا المدينة آخى النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بينهم وبين الأنصار، الذين تبوؤوا الدار والإيمان من قبلهم، فكان المهاجرون في هذا العقد للأنصار بمنزلة الإخوة، حتى إنهم كانوا يتوارثون بهذا العقد، حتى أنزل الله - عز وجل -: ( وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) [الأنفال: 75].
فجاء سَلْمان ذات يوم ودخل على دار أخيه أبي الدرداء - رضي الله عنه - فوجد امرأته أم الدرداء متبذلة، يعني: ليست عليها ثياب المرأة ذات الزوج، بل عليها ثياب ليست جميلة، فقال لها: ما شأنك؟ قالت: إن أخاك أبا الدرداء ليس له شيءٌ من الدنيا، يعني أنه مُعرِض عن الدنيا، وعن الأهل، وعن الأكل، وعن كل شيء.
ثم إن أبا الدرداء لما جاء صنع لسَلْمان طعامًا، فقدَّمه إليه وقال: كُلْ، فإني صائم، فقال له: كُلْ وأفطر ولا تصُمْ؛ لأنه عَلِم من حاله بواسطة كلام زوجته أنه يصوم دائمًا، وأنه معرض عن الدنيا وعن الأكل وغيره، فأكل ثم نام، فقام ليصلي، فقال له سلمان: نَم، فنام، ثم قام ليصلي، فقال: نَم، ولما كان آخر الليل، قام سلمان - رضي الله عنه - وصلَّيَا جميعًا.
ثم قال له سلمان: \"إن لنفسك عليك حقًّا، وإن لأهلك عليك حقًّا، وإن لربك عليك حقًّا؛ فأعطِ كلَّ ذي حق حقه\"، وهذا القول الذي قاله سلمان هو القول الذي قاله النبيُّ - عليه الصلاة والسلام - لعبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما -، والحديث رواه البخاري.
وكذلك فقد نهي النبي - صلى الله عليه وسلم - الزوجة أن تصوم تطوعًا وزوجُها حاضرٌ إلا بإذنه؛ لأن حق الزوج واجب عليها، والصوم نافلة.
قال بعض العلماء: \"من شغله الفرض عن النفل، فهو معذور، ومن شغله النفل عن الفرض، فهو مغرور\".
وقال أبو سليمان الداراني: \"كل من كان في شيء من التطوع يلذ به، فجاء وقت فريضة، فلم يقطع وقتها لذة التطوع، فهو في تطوعه مخدوع\"[24].
ثالثًا: التشديد على النفس، وإيقاعها في العنت والمشقة والسآمة والملل:
فقد دخل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المسجد وحبلٌ ممدود بين ساريتين، فقال: ((ما هذا؟))، قالوا: لزينب تصلِّي، فإذا كسلت أو فترت أمسكت به، فقال: ((حُلُّوه، ليصلِّ أحدُكم نشاطَه، فإذا كسل أو فتر، قعد))، وفي حديث زهير: ((فليقعد))[رواه مسلم].
قال ابن بطال: \".. يكره التشديد في العبادة؛ خشية الفتور وخوف الملل، ألا ترى قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((خيرُ العمل ما دام عليه صاحبه وإن قل))؟ وقد قال - تعالى -: ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) [البقرة: 286]، وقال: ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) [الحج: 78]، فكَرِه - صلى الله عليه وسلم - الإفراطَ في العبادة؛ لئلا ينقطع عنها المرءُ\"[25].
وجاء في حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: كانت عندي امرأة من بني أسد، فدخل عليَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((من هذه؟))، قلت: فلانة، لا تنام بالليل، فذُكر من صلاتها، فقال: ((مه، عليكم ما تطيقون من الأعمال، فإن الله لا يمل حتى تملوا))[رواه البخاري].
قال ابن حجر: \"فيه الحثُّ على الاقتصاد في العبادة، والنهي عن التعمق فيها…، والأمر بالإقبال عليها بنشاط\"[26].
رابعًا: التعبد بما لم يأذن به الله:
فذلك مما نهى الشرعُ عنه؛ فقد جاء في حديث ابن عباسٍ - رضي الله عنهما - قال: بينما النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يخطب إذا هو برجل قائم، فسأل عنه، فقالوا: أبو إسرائيل نذر أن يقومَ في الشمس ولا يقعد، ولا يستظل ولا يتكلم، ويصوم، فقال النبي: ((مُرُوه فليتكلم، وليستظلَّ، وليقعد، وليتم صومه))[رواه البخاري].
والله الموفق، والهادي إلى سواء السبيل.
---------------------------
[1] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير (8/ 266) بتصرف.
[2] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، ص (893).
[3] جامع البيان في تأويل آي القرآن (23/ 687).

-----------------
للفايدة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اذكروني بدعوه رحمني ورحمكم الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم



أخر مواضيعي
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس