اللآلئ العشر الحسان لسالك طريق الجنان
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى ،،،
أما بعد :
فهذه رسالة يسيرة أبعث به إلى كل سائر على طريق الله حاولت قدر استطاعتي أن أجمع فيها بين قواعد عامة ومبادئ وقيم لا بد للسائرين أن يعرفوها ويفهموها ويستوعبها ..
وقد أسميتها (( اللآلئ العشر الحسان لسالك طريق الجنان )) أسال الله أن يسلك بنا جميعا سبيله ويجعلنا من السائرين على نهج نبيه صلوات الله وسلامه عليه .. اللهم ألهمنا الصواب
والمعونة يا رب العالمين ولا حول ولا قوة لنا إلا بك ..
اللؤلؤة الأولى // الاستقامة استجابة لأمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم :
وقد جاءت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية متواترة في تأييد وتأكيد هذا المعنى
حيث قال الله تعالى في محكم التنزيل ? فاستقيموا إليه واستغفروه ?
وقال عز وجل ? فاستقم كما أمرت ? وقال النبي عليه الصلاة والسلام (( استقيموا ولن تحصوا )) وكذا قال في حديث آخر (( قل آمنت بالله ثم استقم )) .. وبهذا يتبين أن الاستقامة ليست كما يفهم كثير من الناس في زمننا أنها خيار من الخيارات لك أن تختارها ولك أن تعرض عنها وقد وجدنا في زماننا من يستشهد بآية سورة الكهف ? فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ? وهذا غلط وخطأ بيّن في فهم الآية وتفسيرها ولذا فإن من اختار الضلالة قص الله لنا عاقبته حيث قال جل من قائل في تتمة آية الكهف ? إنا أعتدنا للظالمين نارًا أحاط بهم سرادقها ... ? الآية .. حتى لا يتصور المرء أن الخيارات مفتوحة متروكة على عواهنها.. وطريق الاستقامة أيها المبارك هو طريق الأنبياء الذي ساروا فيه حتى لقوا ربهم عز وجل وهو عنهم راض وكان خاتمهم وآخرهم نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي الذي شيبته آية هود? فاستقم كما أمرت ? كما ورد في بعض الروايات لحديث ((شيبتني هود وأخواتها )) ..
لذلك من سار في طريق الاستقامة يسير في طريق النبي محمد إمام المتقين وسيد المرسلين وحبيب رب العالمين صلوات ربي وسلامه عليه فإن لاقى ساخرًا أو مستهزئـًا ..
فليتساءل هل هناك من هو خير من هذا النبي فأتبعه وأفضل من هذا الرسول فأقتدي به ؟
الجواب بلا مواربة ولا أدنى شك : لا ..
فكيف بكثير من شباب الأمة يضلون وينحرفون عن طريق محمد عليه الصلاة والسلام
لأدنى همز ولمز يلحق بهم ؟؟!!!
ألم يؤذ أنبياء الله ورسله وهم خير وأشرف ؟؟!!!
ألم يقتل بعضهم ويضرب ويسفه آخرون ؟؟!!!
بلى والله .. لكنهم يا أخي أيقنوا حق اليقين أن? العاقبة للمتقين ? كما وعد الله سبحانه في كتابه .. وأعظم فائدة من ترسيخ هذه النقطة في نفوسنا هي : الثقة والاستمساك بهذا الدين والتضحية بكل غال ونفيس من أجل الثبات عليه ولقاء الله به بإذن الله ..
اللؤلؤة الثانية // الاهتمام بالنفس (( بناء وتزكية )) من أعظم دلالات الصدق مع الله :
قد نرى عددا لا يستهان به يقررون التمسك بهذا الدين والاستقامة عليه ثم ما يلبثوا بعد أعوام وسنين إلا أن يتخلوا عما كانوا عليه ويحيدون عن صراط الله .. فإذا تأملت في ذلك تجد أن السر كامن في النفس لا يعلمه إلا الله فلو صدق العبد مع ربه ولجأ إليه حق اللجأ وخضع لأمره حق الخضوع وسعى في تزكية نفسه وبنائها وترقيتها في مراقي الكمالات مع ربها لثبته الله وزاده هدى ? والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم ? ..
فلابد أن نصدق مع ربنا ونبدأ في تزكية نفوسنا ونحرص على بنائها ونجعلها نفسا تواقة لاترض إلا بالفردوس الأعلى من جنات النعيم نسأل الله من فضله ? قد أفلح من زكاها ?
وقد جاء هذا الجواب بعد أحد عشر قسمًا في سورة الشمس ..
وهذا البناء له طريقه وهذه التزكية لها سبيلها وهذا العمل له مسلكه ..
ألا أيها المبارك فلتعلم أن أس العمل وأساسه مبني على صلاح القلب وإصلاحه ونقائه وتنقيته وطهره وتطهيره .. ولذا وجب علينا جميعا أن نلتفت لما في قلوبنا وألا نجعل فيها أحدا غيره مهما علوا وارتفعوا في قدرهم عندنا ..
البناء والعمل هما السر الجوهري في ثبات المؤمن أزمان المحن وأوقات الزلازل و الإحن .. فلا مقارنة بين إنسان يفني عمره في بناء نفسه وتزكيتها وبين آخر وكل نفسه إلى ما حصل لها بادئ الأمر واعتقد أن وقت التحصيل قد انتهى وجاء وقت العطاء فقط ..
اللؤلؤة الثالثة // كثرة السالكين لا تعني صحة الطريق :
يفتتن بعض الناس بكثرة السالكين لطريق معين فيتوهمون أنه خير سبيل وأصوب طريق ولو تأملت أيها الأمل المنتظر في كتاب الله عز وجل وتدبرت آياته لوجدت أن الله جل وعلا لم يمتدح الكثرة في كتابه قط بل قال عز من قائل ? وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ? وقال سبحانه أيضا ? كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ?
وقد ألمح الإمام ابن القيم رحمه الله إلى لطيفة بديعة حيث قال ( لا تنظر إلى الهالك كيف هلك ولكن انظر إلى الناجي كيف نجا ) وهو بهذا يشير إلى أن الهالكين كثير فلا تنشغل بهم بل الزم طريق الناجين و سر في ركابهم و اسلك سبيلهم و تتبع آثارهم .
في هذا الزمان اختلط على الناس كثير من أمور دينهم فالذي كان محرمًا أصبح عند أناس حلالا وما كان مكروهًا أصبح عند آخرين مستحبًا وقد أصبح - والله المستعان - الحليم حيرانـًا .. فلا غرو أن تجد أصنافـًا من الناس يستحلون محرمات حرمها الله بنص كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في صحيح سنته بل ويسمونها بغير أسمائها فقد تغير اسم الخمر وتغيرت تسمية الموسيقى واستبدل مصطلح الكافر بالآخر وهكذا دواليك ..
ولن يقفوا عند هذا بل هم مستمرون في التراجع والتفلت من هذا الدين شيئا فشيئا عياذا بالله .. فهل معنى هذا أننا سنعيش تائهين حائرين ؟؟
لا ورب الكعبة فمصادرنا التي نتحاكم إليها واضحة جلية لا غبار عليها ..
(( تركت فيكم ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدًا كتاب الله وسنتي ))
نعم كتاب الله تبارك وتعالى وسنة النبي عليه الصلاة والسلام على فهم السلف الأخيار رحمهم الله تعالى .. وهذه الأخيرة ( فهم السلف الأخيار رحمة الله عليهم ) هي التي قصمت ظهور كثير من أهل الأهواء .
وقد تسمع وترى اليوم من يقول : لا داعي ولا حاجة لفهم السلف ففهمهم خاص بهم ولابد أن نفهم ديننا فهمًا خاصًا بنا مناسبًا لزماننا فضلوا وأضلوا .. نسأل الله السلامة ..
ألا تراهم يبتدعون في الدين بدعًا عجيبة غريبة ما أنزل الله بها من سلطان وهم في ذات الوقت يستدلون على ذلك بآيات وأحاديث و يقرأونها قراءة خاصة بهم ..
وهي ما يسمونه اليوم : إعادة قراءة النصوص .. وإعادة فهمها ..
ونخرج من هذه النقطة بفائدة مهمة وهي :
أننا لا نسلم لكل أحد بما يقول خاصة الآراء الشاذة التي تخالف ما عليه سلف الأمة من العلماء الأكابر ومن تبعهم من أهل الفضل والعلم .. وبهذا ستنضبط كثير من مرئياتنا وقناعاتنا ..
اللؤلؤة الرابعة // الخلاف لا يعني الاختلاف :
سنجد خلافات وأقوالا في بعض المسائل وكذلك في بعض الرؤى و النظرات فلابد حينها
أن نفهم أنّ خلافنا مع أحد كائنا من كان لا يعني أنه عدو لنا ونحن أعداء له بل من المحتم علينا أن نحترم بعضنا ونقدر إخواننا ولعل لهم عذر ووجه في هذا الخلاف .. خصوصا فيما يسوغ فيه الخلاف ويكون خلافا معتبرا ..ومن المهم أيضًا أن نفهم ويفهمون هم كذلك أنه من الخطأ إجبار الآخرين وإكراههم على ما نحن عليه أو يمارسون هم أسلوب الإجبار والإكراه معنا لأن هذا دلالة ضعف وخور أكثر من كونه دلالة قوة وسلطان وهذا هو ذات الأسلوب الذي استخدمه فرعون مع قومه ? ما أريكم إلا ما أرى ? ..
فلنتعلم أثناء حوارنا مع الآخرين ونقاشاتنا معهم طرائق التأدب والاحترام وكذلك نبين لهم أن نقاشنا لبعضنا ليس تخطئة وتجريمًا بل هو سعي في طلب الحق فلنحترم بعضنا ولنقدّر ذواتنا ولنتفادى السب والشتائم والانتقاص والتسفيه لأنها لا تأت بخير ..
من المهم أن نعود أنفسنا على ثبات الشخصية وعدم التذبذب لأن ذلك مؤثر في قبول الناس لما نحن عليه ولما ندعو له .. فلا يصلح أن نكون كل يوم برأي .. بل بعضهم كلامه في الليل يختلف عن كلامه في الصباح ..
ونخرج من هذه النقطة بالتالي //
أ ) رفض طريقة الإجبار والإكراه لأننا ننشد الحق لا ننشد نصرة كلامنا وآرائنا .
ب ) خلافنا مع أي شخص لا يعني أنه انضم لدائرة الأعداء والمناوئين .
ج ) فهم الرأي واستيعابه (التأصيل)قبل القناعة به و تثبيته مهم جدًا لأن ذلك مؤثر في ثبات
الشخصية.
د ) الاحترام والتقدير لمن نناقش ونحاور ولو سبّ وشتم (عامل الناس بأخلاقك لا بأخلاقهم ).
اللؤلؤة الخامسة // الذي لا يؤثر في الناس إيجابًا يتأثر بسلبياتهم :
من أعظم الأمور التي ينبغي الإشارة إليها مسألة التأثير سواء تأثرك أنت أو تأثيرك فإذا لم يتنبه الإنسان إلى أن الخير الذي وصله لابد أن يوصله هو بدوره إلى الناس ويغرسه فيهم ويدعوهم إليه فليعلم علمًا يقينيًا بأنه يتراجع ويتخلى وكذلك في ذات الوقت هو يتأثر بما عندهم من الخطأ فيصبح مستساغـًا مقبولا عنده .. فإذا رأى الإنسان ما يسوؤه أو يكدر صفوه فلا أقل من أن يغادر هذا المكان إن أمكنه ذلك .. ولو استطاع تغييره وإصلاح ما فسد فهذا خير عظيم .. نلتقي أحيانـًا بأناس سيئين يمارسون أخطاء .. ويرتكبون منكرات ..
ويتلبسون بخطيئات دون أدنى حياء وحشمة .. وينقسم الناس حينها إلى أقسام فمنهم من يستطيع أن يغير ما يراه بحوار هادف ونقاش هادئ وكلمة طيبة ونصيحة صادقة فهذا أرفع القوم وأكملهم .. ومنهم من يرضى بالانسحاب فقط مع وجود ألم وحسرة لما يراه ويسمعه وهذا أقل من الأول .. ومنهم من ينسحب ويترك المجال لهم ولكنه لا يجد في نفسه حرقة و ألم وهذا أقل من الإثنين .. أما أدنى القوم وأذلهم هو الذي يبقى ويرضى بما يراه وهو إقرار منه وعذره في ذلك الصنيع كل إنسان يتصرف كما يشاء لن أكون سلطانـًا على عباده وهذه قمة الجهل والسفه !!!
----------------
يتبـــــــــــــــــــع