عبد الله بن الزبير رضي الله عنه
هو الصحابي الجليل عبد الله بن الزبير بن العوام يكنى بأبي بكر, هو أول مولود ولد بالإسلام بالمدينة, حيث ولد سنة اثنتين من الهجرة وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله ثمان سنين وأربعة أشهر, خرجت أسماء أمه حين هاجرت حبلى فنفست بعبد الله في قباء, قالت أسماء: ثم جاء بعد سبع سنين ليبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم, أمره بذلك الزبير, فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآه مقبلاً ثم بايعه.
روى عن أبيه وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وشهد وقعة اليرموك والقسطنطينة والمغرب وله مواقف مشهورة وكان فارس قريش في زمانه.
بويع له بالخلافة سنة أربع وستين, وحكم على الحجاز واليمن ومصر وخراسان والعراق وأكثر السند.
و ما روي عنه أن عبد الملك بن مروان لما طالت حربه مع ابن الزبير في شأن الخلافة أرسل إلى الحجاج بن يوسف الثقفي بأن يعرض على ابن الزبير الأمان, ويعرض عليه الولاية دون الخلافة ففعل الحجاج فرفض ابن الزبير, فعاود الحجاج قتاله, وأغرى أصحابه بالأمان إن لم يقاتلوا مع ابن الزبير فتفرق عن ابن الزبير أصحابه فدخل ابن الزبير على أمه في اليوم الذي قتل فيه يستشيرها براً بها وصدوراً عن أمرها, فقال: يا أمه, خذلني الناس حتى أهلي وولدي ولم يبق إلا اليسير ومن لا دفع عنده أكثر من صبر ساعة من النهار وقد أعطاني القوم ما أردت من الدنيا فما رأيك؟
قالت: إن كنت على الحق وتدعو إليه فامض عليه فقد قتل عليه أصحابك, يا بني مت كريماً, ولا تمكن من رقبتك غلمان بني أمية فيتلعبوا بك, وإن قلت إني كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت نيتي ليس هذا فعل الأحرار, ولا فعل من فيه خير, كم خلودك في الدنيا؟
القتل أحسن ما نقع به يا ابن الزبير, والله لضربة بالسيف فيها عز أحب إلى من ضربة بسوط في ذل.
قال لها: هذا والله رأيي الذي قمت به داعياً إلى الله, والله ما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله تعالى أن تهتك محارمه, ولكني أحببت أن أطلع رأيك فزدتني قوة وبصيرة مع قوتي وبصيرتي, والله ما تعمدت إتيان منكر ولا عمل بفاحشة ولم أجر في حكم, ولم أغدر في أمان, ولم يبلغني عن عمالي ظلم فرضيت به, بل أنكرت ذلك, ولم يكن شيء عندي آثر من رضى ربي سبحانه وتعالى, اللهم إني لا أقول ذلك تزكية لنفسي ولكن أقوله تعزية لأمي لتسلو عني.
قالت له: والله إني لأرجو أن يكون عزائي فيك حسناً بعد أن تقدمتني, فإن في نفسي منك حوجاء حتى أنظر إلى ما يصير أمرك.
ثم قالت: اللهم ارحم طول ذلك النحيب والظمأ في هواجر المدينة ومكة وبرّه بأمه, اللهم إني قد سلمت فيه لأمرك ورضيت منك بقضائك, فأثبني في عبد الله ثواب الشاكرين.
فودعها فوجدت مس الدرع تحت ثوبه.
فقالت: ما هذا فعل من يريد ما تريد, فقال: إنما لبسته لأشد منك وقال لها فيما خاطبه به: إني ما أخاف القتل وإنما أخاف المثلة فقالت: يا بني إن الشاة لا تبالي بالسلخ بعد الموت.
وهو يقول:
يا أم إن مت فلا تبكيني
الدرع والبيضة لا تنجيني
فخرج فلما أصيب ارتجز قائلاً:
أسماء يا أسماء لا تبكيني لم يبق إلا حسبي وديني
وصارم لانت به يميني
فلما مات صلبه الحجاج, وقيل إن الحجاج حلف ألا ينزله من الخشبة التي صلبت عليها حتى تشفع فيه أمه, فبقي مصلوباً مدة طويلة, تمر عليه أمه فتراه مصلوباً, فلا تدمع عينها وهي صابرة محتسبة ولسان حالها يقول:
أما آن لهذا الراكب أن ينزل فيقال إن هذا الكلام قيل للحجاج إن معناه شفاعة فيه, فأنزله فحنطته وكفنته وصلت عليه وحملته فدفنته بالمدينة في دار صفية بنت حيي رضي الله عنها, ثم زيدت دار صفية في المسجد فهو مدفون مع النبي صلى الله عليه وسلم ومع أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وكان قتله سنة ثلاث وسبعين للهجرة وماتت أمه بعد أن دفنته بأيام يسيرة رضي الله تعالى عنها.
ويروى أنه لما قتل الحجاج عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أقبل فاستأذن على أمه أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ليعزيها, فأذنت له, فقالت له: يا حجاج, قتلت عبد الله؟
قال: يا ابنة أبي بكر إن ابنك ألحد في هذا البيت وإن الله عز وجل أذاقه من عذاب أليم وفعل به ما فعل. إني لقاتل الملحدين.
فقالت: كذبت بل أن قاتل المؤمنين الموحدين, كان براً بالوالدين صواماً قواماً.
قال لها: كيف رأيت ما صنعت بابنك؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك, ولا ضير أن أكرمه الله على يديك, فقد أهدي رأس يحيى بن زكريا إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.
-----------
للفايدة