لليلــــــة قتــــــــل الشيطــــــــان
هذه حكاية أخري من حكايات الإدمان..
الضحية هذه المرة ليس شخص مدمن.. ولكن الضحية اسرة كاملة.. أم وثلاثة من ابنائها تسببت المخدرات في ضياعهم جميعا...
الضحية الأولي هو الأبن الأكبر 'ياسر' والذي يعمل في احدي ورش الحداده.. ادمن المخدرات منذ 8 سنوات .. وتحت تأثيرها اللعين انهال علي والدته ضربا وكاد يقتلها للحصول علي المال اللازم للكيف.. وكانت النتيجة ان تصدي له شقيقاه.. 'حسام' و'هشام' وقتلاه..
حسام وهشام ضحايا أيضا حيث يواجهان تهمة القتل لانهما دافعا عن والدتهما من بطشة اخيهما الأكبر.
آخر الضحايا هي الأم التي فقدت ثلاثة من اولادها في لحظة.. الأكبر مات.. واثنان سيدخلان السجن ولم يبق لها سوي اصغر ابنائها.
الحكاية مثيرة.. وتفاصيلها كثيرة.
البداية كانت هذا المشهد الذي دارت أحداثه داخل مكتب الرائد شريف العوضي رئيس مباحث قسم مصر القديمة.
الحقني ياباشا.. اخويا مات والدكتورة مش عايزة تدينا تصريح علشان ندفنه !
رئيس المباحث: انت مين الاول وايه اللي حصل؟!
أنا أسمي حسام محمد العشري وأعمل في ورشة الحدادة التي يملكها والدي في عزبة خيرالله.. وفوجئت مع بقية اسرتي عندما استيقظنا في الصباح ان شقيقي الأكبر ياسر قد فارق الحياة وعندما استدعينا مفتشة مكتب الصحة لم تصرح بدفن الجثة ولانعرف سبب هذا الرفض.
لم يكمل 'حسام' بقية شكوته حتي اعد رئيس المباحث قوته وانتقل علي الفور الي منزل هذه الاسرة .. وبمجرد دخوله الي المنزل رقم 19 بعزبة خير الله شعر بأن هناك حركة غير عادية في المنزل.. الكل مضطرب وكأن هناك جريمة.. وليست حالة وفاة.
دخل الي الغرفة التي يوجد بها جثمان ياسر وبمجرد مشاهدته للجثة لاحظ وجود جرح في مؤخرة رأسه وعدة كدمات في اماكن متفرقة من الجسد وكذلك وجود أثار لتقيد المجني عليه عند معصمية.. وبالتفتيش في باقي الحجرة وجد اثارا للدماء علي السرير.
تأكد الرائد شريف العوضي بان الوفاة غير طبيعية وان ياسر قد قتل وان افراد اسرته علي الاقل يعرفون القاتل !
من مكان الحادث اتصل رئيس المباحث باللواء اسماعيل الشاعر مدير الادارة العامة لمباحث القاهرة والذي كلف اللواءان عبدالجواد أحمد نائب مدير الادارة وعبدالله الوتيدي مدير المباحث الجنائية برئاسة فريق بحث ضم المقدم أشرف السجيني مفتش الجنوب والرائد شريف العوضي رئيس مباحث مصر القديمة والرائد عبدالعزيز سليم معاون المباحث والنقباء حمدي النهري ووائل الشموتي.. وبعد اصدار اذن من النيابة تم القبض علي الشقيقين هشام وحسام والذين كشفا عن لغز الجريمة والتي كانت مفاجأة لكل من تابع التحقيقات.
طريق الادمان
بداية هذه الجريمة تعود الي 8 سنوات وبالتحديد في اليوم الذي عرف فيه ياسر طريق الادمان.. بعدها اصبح يتردد علي ورشة الحدادة التي يمتلكها والده والتي يعمل فيها مع شقيقه حسام وهشام بصورة غير منتظمة.. ولم تمض شهور قليلة حتي فوجئوا به يطلب منهما اموالا وعندما سألاه عن السبب لم يتردد لحظة في التصريح لهما بأنه يتعاطي جميع انواع المخدرات.. وهددهما بأنهما إن لم يعطياه الأموال التي يحتاجها سيخبر والدته وسيحصل منها علي المال الذي يحتاجه.
خاف الشقيقان علي مشاعر والدتهما واعطياه المال الذي يحتاجه.. ومرت السنوات وترك الاب الاسرة وتزوج باخري في شقة بدار السلام وترك مسئولية الأسرة كاملة علي الام التي لم تقو علي المصاريف ولذلك لجأت الي شراء بعض الخضراوات وبعض أنواع البقالة وجلست أمام منزلها لتبيع هذه البضاعة حتي تزيد من دخلها.. وتساعد ابناءها.. وامام هذه المشاعر الجميلة من الأم لمساعدة ابنائها.. زاد الابن الأكبر في ادمانه.. ولكنه بعد ان شعر بأن والدته اصبحت تمتلك المال.. جلس معها وتحدث اليها بكل صراحة واخبرها بأنه مدمن يريد منها مبلغا ثابت ليصرف علي ادمانه .. وراح يتوعدها بالويل اذا رفضت طلبه !
جلست الأم في ذهول.. هل هذا هو ابنهما ياسر الذي تحبه بجنون ؟!.. هل من الممكن ان يتسبب الادمان في تغيير طباعة بهذا الشكل ؟!
قررت الأم عدم اعطائه اية اموال.. ولكنها لم تتوقع نهائيا ان يكون رد فعله هو ضربها.. ولكن للأسف هذا ماحدث.
عاد ياسر في مساء ذات يوم وطلب من امه اعطاءه 30 جنيها.. ولكنها رفضت .. فما كان عليه الا ان ضربها بشدة حتي سقطت علي الأرض وأخذ الاموال دون ارادتها.. وسط دموع الام علي الحال الذي وصل اليه ابنها بسبب الادمان.. واعتاد الابن بعد ذلك علي ضرب امه وعندما يتدخل احد من اشقائه كان يضربه هو الاخر ويأخذ ما معه من اموال.. ويخرج ليقضي ليلته مع اصدقائه المدمنين.
النصب باسم الاسرة
لم يكتف 'ياسر' بذلك بل فكر في النصب علي الجيران باسم اسرته.. توجه الي جارهم واخبره بان والده مريض جدا ويحتاج الي علاج فوري ولايوجد المال الكافي لذلك.. وعلي الفور منحه الجار المال الذي يحتاجه .. وتكرر هذا المشهد
مع معظم الجيران !
يوما بعد يوم ازدادت حالة ياسر سوء وزاد انغماسه في الادمان الذي اذهب عقله تماما وجعله ينام في الشارع ويتشاجر مع الجيران لاتفه الاسباب.. وكانت الام المسكينة تنظر الي ابنها بحسرة شديدة.. وحاولت كثيرا أن تقنعه بأن يعود الي صوابه .. لكن الادمان الذي تمكن منه كان أقوي من أية نصائح حتي ولو كانت من الأم التي افنت حياتها في تربيته.
نهاية الادمان
استيقظت الأم في الصباح علي صوت ابنها الاكبر ياسر وهو يطالبها بمبلغ 50 جنيها.. رفضت اعطاءه واخبرته بانها لاتملك هذا المبلغ.. فزاد انفعال الابن وهددها واعطاها فرصة الي المساء كي تدبر له المبلغ وخرج الي اصدقائه.. ولم تلتفت الام الي تهديدات ابنها التي اعتادتها ولكن في المساء حدث ما لم تتوقعه الام نهائيا..
كانت الساعة تشير الي الثانية بعد منتصف الليل.
الأسرة المكونة من الأم وابنائها حسام وهشام وشقيقهما الاصغر نائمون بعد ان قضوا يوما طويلا في العمل.
فجأة دخل عليهم 'ياسر' في حالة اعياء شديدة.. من كثرة ما تعاطاه من مخدر.. وبتصرف همجي.. ايقظ والدته من نومها وطلب منها 50 جنيها.. ولكنها اصرت علي رفضها واخبرته بأن هذا المبلغ لم تستطع تدبيره.. وقبل ان تكمل الأم كلامها كان الابن مستعدا لعقاب والدته.. ضربها بشدة وارتفع صوته.. واستيقظ أشقاؤه علي صرخات امهم المسكينة.. حاولوا تهدئة شقيقهم الأكبر.. لكنه لم يستجب لهم واستمر في ضرب امه.
لم يحتمل 'هشام' مشاهدة والدته وهي في هذا الموقف .. وبتصرف لا ارادي نابع من شدة حبه لأمه.. امسك بعصا وضرب شقيقه علي قدميه ولكنه لم يكف عن ضرب امه التي زاد صراخها مع اللكمات المتتالية التي تتلقاها من ابنها.. وأمام هذا المشهد.. قام 'هشام' بضرب شقيقه علي كتفه.. ولكن مع اختلال توازن 'ياسر' اصابته العصا في مؤخرة رأسه.. وترك أمه والتفت للجرح الذي نزف دما.. وهم ان يضرب شقيقه 'هشام'.. لكن 'حسام' تدخل وهدأه.. وأخبره بانه سيدبر له المبلغ المالي الذي يريده.. وطلب من هشام ان يخرج ليتصل بوالده حتي يدبر له المبلغ.. واقتنع 'ياسر' بهذه الفكرة.. وهدأ هو خوفا من هياجه مرة آخري واستغلالا لأنه في حالة عدم وعي لما يدور حوله.. قام 'هشام و'حسام' بتقييده بالحبال حتي يهدأ نهائيا.. وبالفعل خرج هشام واتصل بوالده تليفونيا.. وأخبره بما حدث وأكد له والده بأنه سيصل اليهم مع الخيوط الأولي من شمس الصباح.. وعندما عاد هشام وجد شقيقه الأكبر يصرخ بشدة وفي محاولة لاسكاته.. وضع الشقيقان قطعة من القماش علي فمه حتي هدأ صراخه.. وبعد لحظات اقتنع الشقيقان ان 'ياسر' قد خلد في نوم عميق.. واتجها الي والدتهما وقاما بتهدئتها وجلسا بجوارها حتي نامت هي الآخري.. واتجه الشقيقان الي سريرهما لاستكمال نومهما استعدادا للعمل الشاق الذي ينتظرهما في الورشة بعد ساعات.
اكتشاف الوفاة
في الصباح استيقظت الأم وخرجت للجلوس أمام المنزل لتبيع الخضراوات وتركت أولادها يغطون في نومهم.. وبعد ساعتين وبالتحديد في الظهيرة استيقظ 'هشام' وتوجه الي شقيقه 'ياسر' كي يفك قيوده.. لكنه لاحظ انه لايتفس.. اقترب منه أكثر وحاول ايقاظه لكنه سقط علي الأرض.. وفي هذه اللحظة ادرك 'هشام' ان شقيقه قد فارق الحياة.. بكي 'هشام' بشدة.. واستيقظ شقيقه 'حسام' علي صوت بكائه ودخلت الأم فوجدت ابنها الأكبر قد مات.. فسقطت علي الأرض مغشيا عليها.. وحملها 'حسام' ووضعها علي السرير وتوجه 'هشام' واتصل بوالده وأخبره بما حدث.. فحضر الوالد علي الفور.. ووجد ابنه وقد ظهر علي جثته بعض الاصابات.. وبسؤال ابنائه عما حدث اخبراه بما دار في الليلة الماضية واخبراه بأن وفاته طبيعية وليست بسبب اصابة رأسه.. واتفقوا علي اظهار ان الوفاة طبيعية.
بالفعل قاموا بغسل رأس 'ياسر' حتي لاتظهر اثار للدماء وفكوا قيود يديه.. وتوجه 'حسام' الي مكتب الصحة.. وجاء بمفتشة الصحة والتي لاحظت ان الوفاة غير طبيعية فرفضت اعطاءهم تصريح الدفن وقامت بكتابة رسالة الي رئيس مباحث مصر القديمة وارسلتها مع 'حسام' الي القسم وهو لايعرف ما بها.. وكانت هي بداية كشف هذه القضية.
داخل المنزل
انتقلت 'أخبار الحوادث' الي المنزل رقم '19' بطريق الجبل بعزبة 'خيرالله' بمصر القديمة للقاء الأم المسكينة التي فقدت ثلاثة من ابنائها في لحظة واحدة.. فوجدناها تسكن في منزل قديم يتكون من طابق واحد.. واخبرنا زوجها بأنها في حالة اعياء شديد وطلب منا عدم تصويرها.. اقتربنا منها فوجدناها نائمة علي سريرها منهارة.. وكأنها لا تصدق ما حدث.. حاولنا التحدث اليها.. لكنها لم ترد الا بكلمات بسيطة.. ولكنها اصابت بها كبد الحقيقة.. قالت: الادمان هو السبب في ضياع ابنائي.. الي متي سيحطم هذا المخدر اولادنا.. وبعد ذلك صمتت ولم تستجب للحوار معنا.
تركناها مع مأساتها وتحدثنا الي 'محمد العشري' والد الابناء الثلاثة.. والذي أكد لنا بأن الادمان هو السبب في ضياع ابنائه.. واضاف قائلا: كان 'ياسر' من امهر العاملين في الورشة حتي تعرف علي بعض أصدقائه الذين قادوه الي طريق الادمان.. بعدها تغير حاله وبدأ يتغيب كثيرا عن الورشة.. وبعدها اعتاد علي ضرب امه حتي يحصل منها علي أموال.. ويوم الحادث اتصل بي 'هشام'.. واخبرني بما حدث وقمنا بابلاغ مفتشة الصحة.. وتم القبض علي 'حسام' و'هشام'.
اخويا ما
في قسم شرطة مصر القديمة التقت 'أخبار الحوادث' بالمتهمين في القضية.. وفي البداية التقينا بالأخ الأكبر 'هشام' والذي تحدث الينا بحزن شديد قائلا:
لم أقتل شقيقي. الادمان هو الذي قتله.. كل ما فعلته هو ابعاده عن والدتي بعد ان كان يضربها بعنف.. وقمت بتقييده مع شقيقي 'حسام' حتي لايعود لضربها مرة آخري.. واثناء حديثه الينا شاهد صورة شقيقه فوق زجاج مكتب الرائد شريف العوضي رئيس المباحث فاسرع وامسك بالصورة وراح يبكي بحرقة وهو يردد: اخويا.. اخويا.. انا كنت باحبه قوي.. الادمان ضيعه منا.. نفسي يعدموا كل اللي بيبيعوا المخدرات لأنهم السبب في وفاة اخويا: الله يرحمه.
وبعد ذلك انهار وسقط علي الأرض يبكي بصوت عالي..
واستكملنا الحوار مع المتهم الثاني 'حسام' والذي قال:
استيقظت يوم الحادث علي صوت صراخ أمي.. فوجدت ياسر يضربها بشدة وهشام يحاول ابعاده عنها.. وكان من الصعب ان نتركه يضربها بهذه الصورة فقام هشام بضربة بالعصا وساعدته بعد ذلك في تقييده بالحبال وتركناه.. وفي الصباح اكتشفنا انه فارق الحياة.. فنحن لم نقتلة ولكن الادمان قتل أسرتنا بأكملها.
الي هنا انتهي حوارنا مع 'هشام'.. و'حسام'.. اللذين احترنا كثيرا في تحديد صفتهما.. هل هما المتهمان بقتل شقيقهما بالفعل.. ام ان الادمان هو القاتل الحقيقي.. والجاني في هذه القضية؟!
---------------
للفايدة