من حديث النفس
من روائع الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله
رحلة في أعماق الذات...رحلة في تناقضات الحياة...رحلة مع صراع الإنسان المؤمن في زمن لا يعترف إلا بالماديات
أترككم مع مقتطفات من الكتاب
أنـــــا
هنا يتذكر الشيخ مراحل حياته بدءا بالطفولة إلى الشباب و الحماس إلى الفترة التي عمل فيها معلما و هو كاره للمهنة.....)
نزل الشاب إلى ميدان الحياة برأس مترع بالعلوم و المباديء السامية , و يد مثقلة بالشهادة الابتدائية و الثانوية العالية و جيب خاو خال.
فلم تكن إلا جولة واحدة حتى ولى منهزما
ذلك أن سلاحه من طراز قديم لم يعد يصلح اليوم في معركة الحياة
و لقد خدعته المَدْرسة و كذبت عليه و صورت له الحياة على غير حقيقتها...قالت له المدرسة:"العلم خير من المال, العلم يحرسك و أنت تحرس المال", فرأى أن المال في الحياة خير من العلم, العلم لا ينال إلا بالمال...و رأى أن أصحاب الأموال الجاهلين تبيحهم الحياة أجمل ما تملك من متع و لذائذ و مجد و جاه و العلماء الفقراء محرومون من كل شيء....
و قالت له المدرسة:" الأخلاق أساس النجاح" و ضرب له المعلم مثلا سيئا طلابا لا أخلاق لهم و لا عفاف و ضرب له مثلا عاليا طلابا كانوا نموذج الطهر و الاستقامة و الشرف, فرأى أن الأولين قد بلغوا أعلى المراتب و أسمى المناصب و الآخرين تحت تحت ...على العتبة.....فعلم أن المدرسة كانت تكذب عليه
ما هو هذا المستقبل و هل اقتربت منه شبرا واحدا و أنا اركض وراءه منذ سبعة و عشرين عاما فمتى أصل إليه و أين هو.....
و بعد , فلِمَ أفكر في هذا إنني لا أدري من أنا, و لا أعرف كيف وجدت, و لا أعلم ما هي صلتي بذلك الطفل الذي نسيت حتى صورة وجهه, و ذلك التلميذ الذي لم أعد أعرفه إلا بالتخيل, و ذلك الطالب الذي أحبه و أتشوق إليه, و ذلك المعلم الذي أرثي و أشفق عليه
هل أنا كل هؤلاء و ماذا بعد يا الله أحس كأني جننت حقا
-------------
يتبع...