عرض مشاركة واحدة
قديم 04-04-2013, 07:51 PM   #1758
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب


على عتبة الأربعين

لقد كان أكبر أملي يوم كنت في الابتدائية أن أكون معلما و كنت أتوهَّم حياة المعلم فأجدها جنة أنزلت الأرض فيها ما تشتهي الأنفس.....أليس المعلم يأمر فيطاع أمره..... فلما صرت معلما, لم أجد من تلك الجنة إلا أرضا موحلة ما فيها إلا الأشواك...
إن متع الدنيا أوهام , من لم ينلها تشوق إليها و حسد عليها, و من نالها ملها و تمنى غيرها: المتزوج يتمنى العزوبية, و العزب يشتهي الزواج, و المقيم يرجو السفر, و المسافر يطلب المعاد و و و ....و نحن كلنا أطفال ...تشتري للطفل اللعبة النفيسة فيفرح بها و يهش لها , ثم يلقيها و يطلب غيرها, و لو كان دونها. ثم إن الآمال لا تنتهي, فمن أعطي المليون, ابتغى المليونين, و من رفع في الوظيفة درجة طلب درجتين, فلا يزال في شقائين, شقاء بالحاضر الذي لا يقنع به , و بالآتي الذي لا يصل إليه...
أفلهذا وجدت و سعيت أربعين سنة أسعيتُ لأدرك السراب
و تتالت علي الفِكَر, و عاودني الضيق الذي طالما كاد يدفعني (لولا خوف الله ) إلى طلب الموت من سنين, و ما أشكو المرض فصحتي جيدة و لا أشكو الفقر فما أجد من المال يكفيني, و إنما أشكو فراغا في النفس لا أعرف مأتاه, و قوى فيَّ لا أجد لها مصرفا, و حنينا إلى شيء غامض لا أدري ما هو على التحقيق.


بعد الخمسين


نظرت في التقويم, فوجدت أني استكمل اليوم اثنتين و خمسين سنة قمرية, فوقفت ساعة أنظر فيها في يومي و أمسي.....
وقفت كما يقف التاجر في آخر السنة ليجرد دفاتره و يحرر حسابه و ينظر ماذا ربح و ماذا خسر......
طلبت المناصب ثم نظرت فإذا المناصب تكليف لا تشريف و إذا هي مشقة و تعب لا لذة و طرب....
و طلبت المال و حرصت على الغنى ثم نظرت فوجدت في الناس أغنياء و هم أشقياء و فقراء و هم سعداء.
فلم اعد أطلب من المال إلا ما يقوم به العيش و يقي الوجه ذل الحاجة.
و طلبت متعة الجسد. و صرمت ليالي الشباب أفكر فيها. و أضعت أيامه في البحث عن مكانها و كنت في سكرة الفتوة الأولى, لا أكاد أفكر إلا فيها, و لا أحن إلا إليها, اقرأ من القصص ما يتحدث عنها و من الشعر ما يشير إليها. ثم كبر سني و زاد عملي, فذهبت السكرة و صحت الفكرة, فرأيت أن صاحب الشهوة الذي يسلك إليها كل سبيل, كالعطشان الذي يشرب من ماء البحر, و كلما ازداد شربا كلما ازداد عطشا, و وجدت أن من لا يرويه الحلال يقنع به و يصبر عليه, لا يرويه الحرام و لو وصل به إلى نساء الأرض جميعا.
ثم و لّى الشباب بأحلامه و أوهامه و فترت الرغبة و مات الطلب, فاسترحت و أرحت.
و قعدت أرى الناس. أسأل: علام يركضون و إلام يسعون و ما ثَمَّ إلا السراب
هل تعرفون السراب إن الذي يسلك الصحراء يراه من بعيد كأنه عين من الماء الزلال تحدق صافية في عين الشمس, فإذا كد الركاب و حث الصحاب ليبلغه لم يلق إلا التراب.
هذه هي ملذات الحياة. إنها لا تلذ إلا من بعيد.
و الإنسان مفطور على الطمع, تراه أبدا كتلميذ المدرسة كلما بلغ فصلا كان همه أن يصعد إلى الذي فوقه و لكن التلميذ يسعى إلى غاية معروفة إذا بلغها وقف عندها, و المرء في الدنيا يسعى إلى شيء لا يبلغه أبدا لأنه لا يسعى إليه ليقف عنده و يقنع به بل ليجاوزه راكضا يريد غاية هي صورة في ذهنه مالها في الأرض من وجود.
و قد يُعطَى المال الوفير و الجاه الواسع و الصحة و الأهل و الولد ثم تجده يشكو فراغا في النفس و هما خفيا في القلب لا يعرف له سببا يحس أن شيئا ينقصه و لا يدري ما هو, فما الذي ينقصه فهو يبتغي استكماله
لقد أجاب على ذلك رجل واحد, رجل بلغ في هذه الدنيا أعلى مرتبة يطمح إليها رجل: مرتبة الحاكم المطلق في ربع الأرض فيما بين فرنسا و الصين, و كان له مع هذا السلطان الصحة و العلم و الشرف, هو عمر بن عبد العزيز الذي قال:
"إن لي نفسا توّاقة, ما أُعطيتْ شيئا إلا تاقت إلى ما هو اكبر, تمنت الإمارة فلما أعطيتها تاقت إلى الخلافة فلما بلغتها تاقت إلى الجنة"
هذا ما تطلبه كل نفس, إنها تطلب العودة إلى موطنها الأول, و هذا ما تحس الرغبة الخفية أبدا فيه, و الحنين إليه و الفراغ الموحش إذا لم تجده.
فهل اقتربْتُ من هذه الغاية بعد ما سرت إليها على طريق العمر, اثنتين و خمسين سنة
يا أسفي لقد مضى أكثر العمر و ما ادخرت من الصالحات, و لقد دنا السفر و ما تزودت و لا استعددت, و لقد قرب الحصاد و ما حرثت و لا زرعت, و سمعت المواعظ و العبر فما اتعظت و لا اعتبرت و آن أوان التوبة فأجّلت و سوّفت.
اللهم اغفر لي ما أسررت و ما أعلنت فما يغفر الذنوب إلا أنت.
اللهم سترتني فيما مضى فاسترني فيما بقي و لا تفضحني يوم الحساب.
و رحم الله قارئا قال : آمين.
********
و لَدعوة واحدة لي , بعد موتي , من قاريء حاضر القلب مع الله , أجدى علي من مئة مقالة في رثائي, ومئة حفلة في تأبيني, لأن هذه الدعوة لي أنا, و المقالات و الحفلات لكتابها و ليس للميت فيها شيء.
رجااااااااااااااء أدعو معي للشيخ الطنطاوي رحمه الله فهذا أقل شيء في حقه.....اللهم ارحمه و اغفر له و اجعله في الفردوس الأعلى...
__________________



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اذكروني بدعوه رحمني ورحمكم الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم



أخر مواضيعي
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس