العـــــزّة فــي اللغــــة
:هي القوّة والشدّة والغلبة, والعزّ والعزّة هي الرفعة والإمتناع .وفي التنزيل العزيز جاء قوله سبحانه تعالى:" وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ " (المنافقون: من الآية8) .ورجلٌ عزيزٌ: منيعٌ لا يُغلب ولا يُقهر.والعزّة: الشدّة والقوّة. (1)وقد عرّف القدماء العزّة بأنّها صفةٌ مانعةٌ للإنسان من أن يغلبه غيره.(2)وفي الإسلام هي: خلقٌ أراده الله للإنسان أن ينغرس في نفس المسلم, وأن يتّصف به المؤمنون.قال سبحانه تعالى: "وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " (آل عمران:139)وقال أيضاً عزّ وجلّ واصفاً المسلمين: " أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ " (المائدة: من الآية54) .منهج الإسلام في غرس العزّة في نفس المسلم :كان للإسلام منهجٌ واضحٌ في غرس العزّة عند المسلم, هذا المنهج يتمثّل بعدّة نقاطٍ, أهمّها
:1 ـ جاءت عقيدة التوحيد لتخلّص الإنسان من عبادة غير الله :ولتسمو روح العزّة في نفسه, فلا خضوع إلاّ لله, ولا رجاء إلاّ بالله, ولااستعانة إلاّ بالله, فهوالخالق, والله الرازق, وهو الشافي, والمعافي وهو المنتّقم الجبّار: " الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ* وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ " (الشعراء:78 , 82)فالله وحده, لا شيء غيره, يخضع له المسلم, فيتخلّص بذلك من ذلّ الإنقياد لأيّ إنسانٍ, أومخلوقٍ آخر, أو قوّة طبيعيّة أو صنعيّة, أو حجرٍ, أو شجرٍ, أو أيّ شيء آخر غيره سبحانه ويتخلّص من ضعة الإتبّاع, وضعف الطلب وذلّه, فاستقرار " العقيدة الربّانيّة في أعماق النفس الإنسانيّة, يجعلها تتحرر من الخوف والجبن, بل يجعلها عزيزةً كريمةً فلا تذلّ لأحد "(3)
.2 ـ والله استخلف الإنسان في الأرض :و خلقه في أحسن تقويم, و سخّر له الكون كلّه, و ما فيه من مخلوقات. وقد أكد الله سبحانه هذا في القرآن الكريم, فقال تعالى : " وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبرِّ وَالْبَحرِ وَرَزَقْنَاهمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً " (الاسراء:70) . وجاء قوله تعالى:" أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً " (لقمان: من الآية20) ." وهذا كلّه يثبت أنّ الإنسان نوعٌ متفرّدٌ ومتميّزٌ عن سائر الحيوانات, فإنّها, وإن شابهته في عناصر تكوينها الطيني , تخالفه ويخالفها في التكوين المعنوي, إذ لم يكرّمها الله بما كرّمه به من الروح والعقل "(4)وهذه العقيدة تغرس في نفسه العزّة, فلا يتعامل مع باقي مخلوقات الله من منطلق التابع, بل من منطلق السيّد العزيز, الذي كرّمه الله سبحانه, وشرّفه, ونفخ فيه من روحه
.3 ـ ورد وصف الله سبحانه " بالعزيز" في تسعين آيةٍ في القرآن :وما ذلك إلاّ ليعرف المسلم أنّ الله هوالغالب, وهو القويّ الذي لا يعجزه شيءٌ " فكأنّه أراد بذلك, وهو أعلم بمراده أن يملأ أسماع المؤمنين بحديث العزّة والقوّة, فإذا ما سيطر عليهم اليقين بعزّة ربّهم, استشعروا الق,,وّة في أنفسهم, واعتزّوا بمن له الكبرياء وحده في السماوات والأرض, وتأبّوا على الهوان حين يأتيهم من أيّ مخلوقٍ " (5)
.4 ـ أثر فريضة الجهاد في النفوس :فقد فرض الله سبحانه وتعالى الجهاد على المسلمين ليحفظوا به عزّتهم, ولم يكن الجهاد , في يومٍ من الأيّام , وسيلةً للسيطرة والعدوان على الأخرين , بل هو" ثورةٌ دائمةٌ, لانمكّن بها عدوّاً من التحكّم في رقابنا" (6) . وهو الوسيلة التي أمرنا الله أن نتّخذها من أجل إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة ربّ العباد . وقد حذّرنا الله سبحانه من التقاعس عن الجهاد , فقال تعالى: " إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللَّهُ عَل,ى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " (التوبة:39) . وأمرنا سبحانه أن نجاهد مهما كانت الظروف والأحوال فقال: " انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاه,,دُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ " ( التوبة:41)لذلك فقد كان المسلمون الأولون يسارعون في الجهاد, وفي تلبية داعيه لأنهم عرفوا أنّهم بالجهاد يحافظون على عزّتهم, وينشرون دين الله الذي يحفظ العزّة لجميع البشر
. 5 ـ حرر الإسلام المسلم من الخوف بكافّة أشكاله : سواء كان هذا الخوف على الحياة , أوكان بسبب الحصول على الرزق أو كان الخوف من أذى الغير . فالمسلم يعلم أنّ حياته بيد الله , لا يموت إلآ بأمره, ولا يحيى إلاّ بأمره, يقول تعالى: " أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ "(النساء: من الآية78) . ويقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: " واعلم أنّ الأمّة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيءٍ, لم ينفعوك إلاّ بشيءٍ قد كتبه الله لك, وإن اجتمعوا على أن يضرّوك بشيءٍ لم يضرّوك إلاّ بشيءٍ كتبه الله عليك, رُفعت الأقلام, وجفّت الصحف"
(7) . فإذا آمن المسلم بهذه الحقيقة فإنّه لا يخشى أحداً إلاّ الله, ولا يخاف من شيءٍ, أو من مرضٍ, أو من أذى, فهو يؤمن بقوله تعالى: " قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاًّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا " (التوبة:51) . والمسلم يعلم أنّ الرزق بيد الله, وأنّ الله لا يمنع رزقه عن عباده الساعين للكسب الحلال, فهو يقول في محكم آياته: "وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ " (العنكبوت:60) . وبذلك فقد حرّر الإسلام الإنسان من الخوف بكافّة أشكاله, وصدق تعالى إذ يقول: " إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ " (آل عمران:175)
.6 ـ حرّر الإسلام الإنسان من أن يكون عبداً لشهواته : وغرس في نفسه أنّ هذه الدنيا فانية, ومتعها زائلة, فرفع من نفس المسلم, وحرّره من الخضوع لشهواته, فمن يخضع لشهواته مستعدٌّ لأن يقبل الذلّ في سبيل الحصول على هذه الشهوات والمغريات . لذلك فقد حذّر الله الحريصين على متع الدنيا والمتهافتين عليها, من أنّ الخسران سوف يحيط بهم فقال: " قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ" (التوبة:24)
7 ـ حثّ الإسلام المسلم على العمل :ونهاه عن الكسل والعجز, ففي الحديث الشريف عن أنسٍ رضي الله عنه, قال: كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يقول: " اللهمّ إني أعوذ بك من العجز والكسل , والجبن والهرم , وأعوذ بك من عذاب القبر , وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات "
(8) . فقد كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يعتبر الكسل شرّاً , يجب أن نلجأ إلى الله سبحانه متعوذّين منه , لأنّه يؤدي إلى التواكل , وإلى الذلّة التي يبغضها الإسلام . وقديماً قيل: " إنما الأمل رجاءٌ يتبعه عملٌ, ويصحبه حمل النفس على المكاره "
(9) . وهذا يعني أنّ من يأمل في تحقيق أيّ شيءٍ في حياته, وجب عليه أن يعمل, والعمل لايتمّ, ولا يُؤتي ثماره إلاّ إذا صبر الإنسان على تحمّل مشاقّه, وروّض نفسه عليه, فالعمل يحفظ كرامة الإنسان, ويغنيه عن ذلّ السؤال. قال تعالى : "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ " (التوبة:105)
8 ـ حرّر الإسلام المسلم من الضعف واليأس : وأمره أن يحاول للوصول إلى هدفه مهما تعرّض للفشل, ونهاه عن اليأس, بل لقد عدّ اليأس كفراً, فقال تعالى : "وَلا تَيْأَسوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ " (يوسف: من الآية87) . وقد عاب الله تعالى على الإنسان ضعفه, ولم يقبله عذراً للإنسان ليقع في الخطأ, ويستمرّ فيه, ولن ينجو من عقاب الله تعالى يوم القيامة من يجعل الضعف عذراً لسوء أفعاله. قال تعالى: " إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً " (النساء:97) .لذلك يجب على المسلم أن يحاول النهوض من كبواته, ولايجوز له الإستسلام للضعف واليأس, حتّى لا يذلّ ويخنع, وحتّى لايتسلّط عليه أعداؤه فيرغمونه على معصية ربّه جلّ وعلا.وبذلك نرى أنّ الإسلام يريد من المسلم أن يكون عزيزاً كريماً, لا يخضع ولا يذلّ, بل يريده أن يتحدّى الظروف التي تجبره على الذلّة, فالإسلام ثورةٌ دائمةٌ على الذلّ والخنوع, وهو خصيم الهوان والإستكانة, ول ايرضى من المسلم إلاّ أن يكون مرفوع الرأس, لا يخضع لأحد, ولايذلّ لأحد, فالمسلمون " لايسمح لهم يقينهم بالله, وبما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام, أن يقنطوا من رحمة ربّهم في إعادة مجدهم مع كثرة عددهم . ولايسوّغ لهم إيمانهم أن يرضخوا للذلّ, ويرضوا للضيم, ويتقاعدوا عن إعلاء كلمتهم "
---
(10) .(1) ـ ابن منظور : لسان العرب, دار المعارف, القاهرة, الجزء الثالث, مادة عزز, 2925 .(2) ـ أحمد الشرباصي: موسوعة أخلاق القرآن, دار الرائد العربي, بيروت, 1971م, الجزء الأوّل, 16 .(3) ـ عبد الله علوان: محاضرة تكوين الشخصية الإنسانية في نظر الإسلام, دار السلام, بيروت, 1399 / 1979م 14 .(4) ـ يوسف القرضاوي : الخصائص العامّة للإسلام, مؤسسة الرسالة, بيروت, ط8 , 1414/1993 م, 75 .(5) ـ أحمد الشرباصي : موسوعة أخلاق القرآن, الجزء الأوّل, 17 .
-----------
للفايدة