الخطة الخامسة والأخيرة
1
أحس بضيق شديد فلقد مليت من هذه الحياة , لم يعد قلبي المسكين يتحمل تعنت العم صالح , ذهبت إلى البحر وقد قررت أن أفر من هذه الدنيا , اقتربت من الشاطئ وإذ مجموعة من شباب القرية جالسون على الرمال يتبادلون النكات ويضحكون بصوت عال , وضعت رجلي في الماء وإذ بي أسمع صوت أحدهم ويبدو لي أنه صوت علي الذي سميته زغطة لقبحه وبدانته وغلاظته :
- أنظروا يا شباب ..... قصي يريد أن يقلد جوليو وروميت ( روميو وجوليت !!) .
فضحكوا جميعاً مما أغاظني كثيرا , فالتفت إليهم , وحاولت أن أقول شيئاً ولكن لساني خانني فآثرت الصمت , اقترب مني زغطة وقال :
- يا قصي .... إن خضت البحر ومت فإن العنتربور ( الانتربول - الشرطة الدولية ) سيلاحقك بتهمة قتل نفسٍ بريئة , وأنت تعرف بأن العناترة أقوياء ولا قبل لك بهم .
أشحت بوجهي عنه وقلت :
- لا دخل لك في .... أنا حر فيما أقوم به .
- لن أتركك يا صديقي فالقرية بحاجة إلى واحد مثقف ووسيم ومناضل مثلك .
- ولكني لم أعد أحتمل البقاء في هذه القرية .
- صبراً يا آل ياسر فإن موعدكم الجنة , هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه يحثه على الصبر .
مهلاً , إني لا أصدق ما أسمع , زغطة يعظني , زغطة أصبح واعظاً , فقلت له مستغرباً :
- ومن أين لك مثل هذه المعلومات ؟
تبسم وقال :
- أنسيت أنك أنت كنت تعظنا في القرية يا قصي , إن لك علينا أفضالاً كثيرة , ويجب أن نقف بجانبك في محنتك , ولكن لا تفقد الأمل يا صديقي .
أعاد قوله هذا بعض الأمل إلى قلبي , فقلت :
- حسناً , شكراً لك يا زغـــ ..... يا علي .
اقترب منا شاب آخر وهو أحمد وقال :
- قصي , عندي خطة جديدة .
دق قلبي سريعاً , فأنا أعرف قلبي إذا دق مثل هذه الدقات فإنه يخبرني بأن هناك أمل , فصحت بصوت عال :
- قل , ما هو ؟
فقال وقد اتسعت عيونه :
- المقاطعة الإقتصادية .....
2
اتفقنا أنا وشباب القرية على أن نخبر الأهالي بأن يقاطعوا دكان العم صالح , لرفضه زواجي من ابنته , فاستجاب لنا أهل القرية سريعاً , فلم أعد أرى أحداً يذهب إلى الدكان , بل وجهوا وجهتم إلى المدينة .
ضاق عمي بهذه المقاطعة وراح يناشد أهالي القرية بأن لا يستجيبوا لي ويعودوا عن المقاطعة ولكن أحداً لم يستجب له بل كلهم كانوا يقولون له :
- سنظل نقاطع دكانك حتى تزوج قصي ابنتك .
وبعد مرور ثلاثة أيام , لم يستطع عمي اقناع أحد بالعودة عن هذه المقاطعة الظالمة ( كما يقول هو ) فاستسلم وجاء إلي ووافق على زواجي من هدى بشرط أن أقنع أهل القرية بالعودة إلى دكانه .
لم أصدق ما يقوله عمي أولاً ولكني سرعان ما طرت إلى كل بيوت القرية وأنا أدعوهم إلى حفل الخطبة الذي سيقام بعد أسبوع واحد والعودة إلى التعامل مع دكان عمي .
في الليل وأنا عائد إلى منزلي كان قلبي يدق دقات سريعة جدا , فلقد نجحت الخطة أخيرا , ودخلت المنزل ووضعت رأسي على وسادتي وأنا أفكر في هدى التي سوف تصبح خطيبتي بعد أسبوع واحد فقط , ورحت في نوم عميق .
فهذه أول ليلة أنام فيها بارتياح واطمئنان .....
3
خرجت إلى البحر لاستنشق بعض الهواء النقي , فبعد يومين ستكون خطبتي , وفي الطريق وقفت على صوت أنثى تنادي باسمي , فالتفت وإذ بصفية بنت العم محمود واقفة خلف نافذتها وهي تصيح :
- قصي ....... قصي .
اقتربت منها وقلت :
- نعم يا صفية .
- كيف حالك ؟
- بخير . وانت .
- أنا بخير , سمعت أخباراً طيبة بأن خطبتك سوف تكون بعد غد .
قلت والابتسامة تبدو على وجهي :
- نعم صحيح فأخيرا وافق العم صالح على زواجي من هدى .
- أريد منك طلباً ؟
- تفضلي .
- لقد بعث لي رامي رسالة .
فقلت مستفسراً :
- ألم يخطبك ؟
- لا , يقول بأنه سوف ينهي عامه هذه في المدينة ثم ....
ضحكت وقد توردت وجنتاها ثم استطردت :
- ثم سيأتي ويخطبني . ولكني أريد منك أن تقرأ لي الرسالة التي بعثها لي فأنا لا أعرف القراءة .
اقتربت من النافذة , فرمت لي الرسالة وبعد أن فتحتها قرأت أولاً ما فيها , كتب شعراً رديئاً لها , رفعت صوتي قائلاً :
- يا صفية الروح أنت
القلب يهواك أنت
والنفس تشتهيك أنت
أنت كل شيء في حياتي
يا صفية
كنت أقول الشعر وهي تبتسم وتغطي وجهها من الفرح ولكن عندما نطقت اسمها اتسعت عيناها وتجهم وجهها وهي تنظر خلفي , فالتفت وإذ بعمي صالح يقف خلفي , ارتبكت وأخفيت الرسالة في الجيب الخلفي , فقال عمي :
- قصي .... صرت تتغزل ببنت أخرى بعد أن ضمنت بنتي .
طأطأت برأسي فلم أستطع أن أقول له الحقيقة , لا يجوز بأن أفضح رامي وحبه لصفية لا لا يجوز , بقيت صامتاً فأكمل عمي :
- حسناً ..... أنت الذي خربت كل شيء ...
- لا في الحقيقة يا ...... يا عمي ....... لقد .......كنت .
ولكنه أوقفني بحركة من يده ونظرت في وجهه وإذ بعيونه النارية ترمقني ثم قال :
- لن أزوجك ابنتي ....... لن أزوجك ابنتي .
4
بقيت في داري ثلاثة أيام بلياليها , لم أستطع الخروج في بيتي بعد فشل الخطة الأخيرة التي قضت على آمالي في الزواج من هدى نهائياً , صرت أقرأ روايات رعب لأنسى تلك الحادثة , جلست على الطاولة أقرأ رواية رعب للروائي المصري العظيم أحمد خالد توفيق , فأنا من عشاق أدب الرعب , تركت هذا العالم ورحت إلى عالم آخر مليء بمصاصي الدماء والمذؤوبين وآكلي لحوم البشر , وعندي أن هذا العالم أرحم من عالمي هذا الذي يمنعني اللقاء بأميرتي .
صوت دقات على الباب قطع علي القراءة , نهضت وتوجهت إلى الباب , وما أن فتحت حتى رأيت آخر شخص أتوقعه أن يأتي إلى منزلي , إنه العم صالح .
- السلام عليكم .
- وع.... وعليك السلام يا عماه .
لأول مرة أراه يبتسم لي , وقال والابتسامة لم تفارق وجهه :
- نحن نتظرك بعد العشاء .
دق قلبي لهذه الجملة , ثم استطرد :
- سوف نقرأ الفاتحة .
يا إلهي ماذا أسمع , إنه يطلب مني أن ...... قطعت تفكيري وقلت :
- على ماذا نقرأ الفاتحة .
- أنا موافق على زواجك بابنتي .
ثم غادر وتركني مذهولاً , لم أستطع أن أفعل شيئاً , إن ما سمعته يعني أن الحياة تفتح لي باب السعادة من جديد , لا أصدق ما سمعته , جلست على الأرض , ساقي لم تعد تقدران على حملي , نزلت دمعة دافئة من عيني , لم أستطع حتى أن أخفي أثرها , يداي لم تعد تستجيبان لي , أحسب بأني أحلم , رفعت رأسي وإذ بصورة هدى تظهر على القمر , بقيت وأنا أتطلع بوجهها لمدة طويلة , حتى تقدم إلي صديقي سعد , ولما رآني بهذه الحالة , صاح بوجهي :
- قصي ..... ما بك
لم أرد عليه فقد كنت أفكر فيها .
- قصي .... قصي ....... مابك جاوبني يا قصيييييييييييييي .
وراح يصرخ بأعلى صوته وهو يجذبني من ياقة قميصي , ولكن لا فائدة لقد كنت شارداً , أحلم بها , وباللقاء الذي سو.....
رش سعد علي ماءً بارداً فانتبهت لوجوده , فنهضت واحتضنته بقوة وأنا أقول :
- لقد جاء العم صالح بنفسه ووعدني بأنه سوف يزوجني ابنته , أني أقول الحقيقة يا سعد .
فرح سعد لفرحي وراح ينشر الخبر في أرجاء القرية .
5
وفي بيت عمي وبعد أن قرأنا الفاتحة , التفت إلى عمي وقلت له مستفسراً :
- كيف وافقت يا عمي على زواجي من هدى ؟
- لقد وصاني أبي رحمه الله بأن أعتني بابنتي الوحيدة وأن أزوجها برجل قادر على يعيشها حياة طيبة وسعيدة .
صمت قليلاً ثم استطرد :
- أنا كنت أرفض طلبك لكي أرى هل أنت تصلح أن تكون زوجاً لابنتي أم لا , لقد كنت اختبرك حتى أثبت لي بأنك تحبها وتبذل الغالي والرخيص في سبيل أن تتزوج بها .
طأطأت برأسي بالأرض فرحاً وخجلاً ثم استطرد عمي :
- أرى أنك الرجل المناسب لابنتي , فهنيئاً لك .
أحسست برعشة في جسدي من الفرح وقلبي المسكين أصبح الآن فرحاً ومسروراً . واختلست النظر إلى غرفة هدى , فرأيتها وقد اكتست الفرحة وجهها واحمرت وجنتاها وهي لا تصدق بأن أباها وافق على زواجنا .
6
وضعت القلم على الطاولة ثم صحت بصوت عالٍ :
- صالح ...... صالح .
جاء صالح ووقف أمامي وقال :
- نعم يا بابا .
- اذهب يا بني إلى بيت جدك وقل لهم بأني أنا وبابا وماما سوف نأتي إليكم اليوم بعد صلاة العشاء , هيا اذهب .
وذهب ابني صالح وقد كبر وأصبح في الخامسة من عمره .
ذهبت إلى المطبخ ووقفت عند الباب , كانت زوجتي هدى تغسل الصحون , استرجعت الأحداث التي مرت علي والخطط التي بذلتها في سبيلها , لقد كانت أيام جميلة تلك التي كنا نتكلم تحت نافذتها , وفجأة قطع علي تفكيري صوت صحن وقع من يدها وانكسر , فالتفت إلي معتذرة ولكني ابتسمت وقلت لها بحنان :
- فداك يا أميرتي .
فتوردت وجنتاها خجلاً وجلست تجمع قطع الصحن المكسور , وعدت أنا إلى غرفتي وشرعت أكتب الجزء الثاني من قصتنا
وهي بعنوان ( مشاريع فاشلة ) .
----------------------------
م/ن