رحل الجفافُ وجاءت الأنهار 1434-06-30 06:07 PM
كتب : بخيت طالع الزهراني
** بداية ... فقد تذكرت " أنشودة المطر " لـ " بدر شاكر السياب " وأنا أكتب هذه السطور , ومنها : ( كأن أقواس السحاب تشرب الغيومْ ... وقطرةً فقطرةً تذوب في المطر ...) وقلت في نفسي ..
أين شعرائنا عن هذا الخير , عن هذه الأمطار ؟ .. ألم تفجر شيئا من ابداعاتهم ؟
** ونعود لموضوعنا .. ففي يوم 20 أغسطس 2011 كتبت تقريراً نشر في صحيفة (البلاد ) عن مدينة العقيق بمنطقة الباحة , عنوانه : ( الجفاف يحيط بالعقيق بمنطقة الباحة .. عشرات مزارع النخيل تترنح وتتيبس تحت وطأة العطش ) .
** ويوم ذاك مررت بالوادي العملاق الذي يحيط بالعقيق من جنوبه وشرقه , فرأيت مشاهد تراجيدية مأساوية , بسبب سنوات عجاف من ندرة الأمطار , صنعت ذلك الجفاف الذي ضرب المكان , ثم حوله إلى يباس مريع وركام مخيف .
** اليوم أختلف الأمر .. فأنا وغير كثيرون رأينا عبر (اليوتيوب) والتلفاز وقنوات التواصل الاجتماعي ذلك الوادي المُغبر , وقد امتلئ بمياه السيول حتى أتخم من المياه ,
أما السد الرابض جنوب غرب العقيق فصار يتميز من كثرة الرواء , نتيجة حشد مخزون المياه خلفة , بفعل امطار الخير والبركة التي عمت المملكة مؤخرا ومنها العقيق .
** اللهم اجعلها أمطار خير وبركة , وسُقيا نعمة ورحمة , ولا تجعلها يا الله شقاء ولا بلاء , ولا عذاب ولا هدم ولا غرق .. اللهم أنبت بها الزرع ، وأدر بخيرها الضرع ، وأسقنا من بركاتك .
** وبقي اللافت أن الأمطار التي تعتبر نادرة وشحيحة في المملكة ، قد عادت الآن وفيرة وكثيفة ومتواصلة خلال الثلاثة أسابيع الماضية ,
وطبقا لمراقبين فان بعض البلاد السعودية لم تشهد من الأمطار الغزيرة مثل هذه منذ حوالي 75 عامًا ،
وفي هذا السياق يقول الفلكي خالد الزعاق، إن السعودية عادة تتأثر بمنخفض السودان خلال شهر إبريل/ نيسان من كل عام بشكل غير مباشر ،
إلا أنه هذا العام قد جاء " بشحمه ولحمه " ، على حد تعبيره ، مما أدى إلى هطول الأمطار وقيام السيول .
** النقطة المهمة .. إن (ثقافة السيول) ضعيفة , بل ومنعدمة عند عدد غير قليل من المواطنين والوافدين ,
والدليل وقوع حوادث غرق كان يمكن تلافيها , وقد سمعنا ورأينا تجمهر الناس عند حافة السدود والأودية أثناء السيول الهادرة ,
وتوقف بعض أصحاب السيارات وعائلته داخلها بمحاذاة سير السيول للفرجة والتصوير , ووصل الأمر إلى - لا أقول المغامرة - بل التهور بعبور السيل بالسيارة , وكل ذلك يتضاد مع ثقافة السيول .
** إن السيول وبعبارة دارجة ( لا - تمزح ) ولا تعرف المهادنة ولا الرأفة , هي خطر ساحق ماحق , هي اعصار هادر يبتلع كل ما أمامه , بل ويتخطف حتى البعيدين عنه , وفي ثقافتنا الشعبية مقولة بليغة لأجدادنا ربما لم يسمع بها أبناؤنا , وهي : (احذر من السيل إذا ماج - والجمل إذا هاج ) .
** ثمة من ينتقد الحكومة أذا غرق إنسان في وادٍ , كإنسان جاء إلى الموت حتف أنفه - أي بنفسه ,
وهذا الانتقاد هو من ضعف رؤية الناقد , وقد رأيت في يوتيوب شبانا مستهترين يتضاحكون عندما نزل احدهم الى حافة سيل وادي نخال بالباحة في مشهد لا تنقصه الصفاقة ,
وكأن على الحكومة أن تضع شرطيا مع كل مواطن نزق يتهور في مقارعة السيول .
** نعم نحن ننتقد الجهات الرسمية إذا قامت البلدية بالسماح بفسح البناء في بطون الأودية , وننتقد إذا تهدم سدٌ من السدود مثل الانهيار الجزئي لسد وادي تبالة بعسير , والذي كان محط انتقاد سمو أمير عسير الأمير فيصل بن خالد ,
والذي قال ( أكدت مرارا بتسليم المشاريع لمن هو أكفأ لا من هو أرخص ) (( المدينة 13 جمادى الاخرة 1434هـ )) .
** ونختم بإشارة سريعة إلى مقالة كنت قرأتها في موقع رابطة العالم الاسلامي - الهيئة العالمية للإعجاز العلمي في القرآن والسنة - مكة المكرمة , وعنوانها : ( عودة جزيرة العرب مروجًا وأنهارًا)
بقلم مهندس : جمال عبدالمنعم الكومي , بدأه قائلاً ..
روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : « لن تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا " .
** السؤال .. هل هذه الأمطار المباركة هي بشارات لهذا .. وما العظة والعبرة من كل ذلك ؟