عرض مشاركة واحدة
قديم 07-06-2013, 10:09 PM   #2798
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

شرح حديث (اتق الله حيثما كنت)


عن أبي ذر ومعاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.
هذا الحديث أصل عظيم جامع في باب الوصايا والإرشاد وقد أوصى فيه النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث وصايا. وفيه مسائل:

الأولى: في الحديث الوصية بالتقوى وهي وصية عظيمة جامعة لحقوق الله وحقوق الخلق. والتقوى وصية الله للأولين والآخرين قال تعالى: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ). وقال تعالى: (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ). والمعنى اتقوا سخطه وغضبه وهو أعظم ما يتقى. وقال تعالى: (وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ).
وحقيقة التقوى: أن يجعل العبد بينه وبين من يخافه ويحذره وقاية تقيه منه فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين غضب الله وسخطه وقاية من الأقوال والأفعال تقيه من ذلك. ويدخل في التقوى الكاملة فعل الواجبات وترك المحرمات والشبهات وفعل المندوبات وترك المكروهات وذلك أعلى درجات التقوى.
قال طلق بن حبيب: (التقوى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله).
وقال عمر بن عبد العزيز: (ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل والتخليط فيما بين ذلك ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله فمن رزق بعد ذلك خيرا فهو خير إلى خير).
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرا على سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرا. وكان يكثر من وصيته لأمته في المجامع العامة والمناسبات الخاصة. ولم يزل السلف يتواصون بها.
كان أبوبكر رضي الله عنه يقول في خطبته: (أما بعد فإني أوصيكم بتقوى الله وأن تثنوا عليه بما هو أهله وأن تخلطوا الرغبة بالرهبة وتجمعوا الإلحاف بالمسألة فإن الله أثنى على زكريا وعلى أهل بيته فقال: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ).
الثانية: كمال التقوى وتمامها أن يذر العبد ما لا ريب فيه خشية الوقوع مما به ريب فيجعل شيئا من المباح حما وسياجا للحرام.
قال أبو الدرداء: (تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه مثقال ذرة حتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما يكون حجابا بينه وبين الحرام).
وقال الحسن: (ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيرا من الحلال خشية الحرام).
وفي الحديث: (لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا باس به حذرا مما به بأس). وهذا يشمل سائر أبواب الدين باب الأموال والفروج ومعاملة الخلق والولايات والاتباع والابتداع وغير ذلك من الأمور. ومن أعظم ما يعين على ذلك طلب العلم والتفقه في الدين لأن أصل التقوى أن يعلم ما يتقى ثم يتقي ولذلك فإن كثيرا من العامة يجترحون الكبائر ويقعون في المعاملات المشكلة ثم بعد ذلك يسألون ويستفتون أهل العلم.
الثالثة: قوله صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت). مراده في السر والعلانية حيث يراه الناس وحيث لا يرونه وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: (أسألك خشيتك في الغيب والشهادة). رواه النسائي. ويروى في البزار أنه قال لمعاذ: (استحيي من الله استحياء رجل ذي هيبة من أهلك). وهذا هو السبب الموجب لخشية الله في السر فإن من علم أن الله يراه حيث كان وأنه مطلع على باطنه وظاهره وسره وعلانيته استحضر ذلك في خلواته وأوجب له ذلك ترك المعاصي في السر. قال بعض السلف لأصحابه: (زهدنا الله وإياكم في الحرام بزهد من قدر عليه في الخلوة فعلم أن الله يراه فتركه من خشيته). وقال الشافعي: (أعز الأشياء ثلاثة الجود من قلة والورع في خلوة وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف). وكان الإمام أحمد ينشد:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل
خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة
ولا أن ما يخفى عليه يغيب
وتقوى الله في السر علامة على كمال الإيمان وله تأثير عظيم في انشراح الصدر ونور الوجه وراحة البال وإلقاء الله لصاحبه الثناء والمحبة في قلوب المؤمنين.
قال ابن مسعود: (ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله ردائها علانية إن خيرا فخير وإن شرا فشر).
وقال سليمان التيمي: (إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته). فالسعيد من أصلح ما بينه وبين الله فإن من فعل ذلك أصلح الله ما بينه وبين الناس وألقى محبته وثناءه على لسان الخلق وجعل له القبول في الأرض. والشقي من أفسد ما بينه وبين الله ومن فعل ذلك أفسد الله ما بينه وبين الناس وألقى بغضه وذمه على لسان الخلق وجعل له الجفاء في الأرض.
الرابعة: لما كان العبد قد يقع منه أحيانا تفريط في التقوى وتقصير في طاعة الله أو انتهاك ما حرم الله لطبعه وغفلته وغلبة الشيطان شرع الله له وأمره فعل ما يمحو هذه السيئات بفعل الحسنات كما قال تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ).
وفي الصحيحين عن ابن مسعود أن رجلا أصاب من امرأة قبلة ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلت هذه الآية فدعاه فقرأها عليه فقال رجل هذه له خاصة قال بل للناس عامة).
وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أذنب عبد ذنبا فقال ربي إني عملت ذنبا فاغفر لي فقال الله علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدي ثم أذنب ذنبا آخر ..إلى أن قال في الرابعة فليعمل ما شاء). يعني ما دام على هذه الحال كلما أذنب استغفر والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا. وقد أخبر الله أن المتقين قد تقع منهم أحيانا الكبائر وهي الفواحش والصغائر وهي ظلم النفس لكنهم لا يصرون عليها بل يذكرون الله عقب معصيتهم ويستغفرونه ويتوبون إليه وتوبتهم هي ترك الإصرار وقد قال الله عز وجل في معرض الثناء عليهم: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ). يعني ذكروا عظمته وشدة بطشه وعذابه فاستغفروا من ذنوبهم ولم يستمروا على فعل المعصية.
وقوله: (أتبع الحسنة السيئة تمحها). ما المراد بالحسنة. فيها قولان:
الأول- يراد بالحسنة هنا التوبة وقد ورد ذلك صريحا في حديث مرسل. وقد ورد هذا المعنى كثيرا في كتاب الله. وظاهر هذه النصوص تدل على أن من تاب إلى الله توبة نصوحا واجتمعت شروط التوبة في حقه فإنه يقطع بقبول توبته كما يقطع بقبول إسلام الكافر وهذا قول جمهور العلماء وهو الصحيح.
الثاني- يراد بالحسنة مطلق العمل الصالح ما هو أعم من التوبة. وقد دلت على ذلك الآيات والأحاديث المتظافرة. والصحيح أن الحسنة في الحديث تشمل كلا القولين فهي تعم كل عمل صالح يكفر الخطايا والتوبة داخلة في ذلك.
------------------
يتبــــــــــع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اذكروني بدعوه رحمني ورحمكم الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم



أخر مواضيعي
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس