عرض مشاركة واحدة
قديم 19-06-2013, 08:52 AM   #2956
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّح)


الأقضية تقوم على أمرين إما حكم وإما صلح، فالحكم قضية عادلة وحكم نافذ، وقد يترك في نفس أحد الخصمين اثراً، فإن الحق لا يرضي الطرفين كما قال الأول:
إن نصف الناس أعـــــــداء لمن
ولي الأحكــام هذا إن عـدل
ولكن الصلح خير، فهو احسن أثراً، وأسلم عاقبة؛لأنه يبني على كرم النفس، وسماحة الطبع، فهو يأتي عفواً بلا حكم صادر من أحد، بل من جودة السجية، وحسن الخلال ، فالذي يسعي بالصلح مسدد معان محببوب؛ لأنه يريد البناء والخير، ولهذا قال شعيب: ) إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْأِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ).
عفا عن ظلمه في عرضه، فالصلح خير علي كل جهة أردت؛ لأنه يندم على الصلح أحد، إذ يعوض الله قابل الصلح سكينة وأمناً، وبرد عفو ولذلة كرم، يجدها في قلبه، لأن المصالح كريم، والكريم واسع البطان، رحب الباع، منشرح الصدر، بخلاف رافض الصلح فإنه يعاقب بحرج في صدره، وضيق في نفسه، جزاء وفاقاً لعمله.
واعتبر هذا بالبخيل والجافي الغليظ واللحوح الشحيح، ففيه من جدب النفس، وقحط الروح، وضيق الخلق، ما يفوق الوصف مجازاة لفعله الشنيع.
وما أجمل هذا التعقيب الباهر الساطع: ( وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ ) وهو تحذير للنفوس من هذا المرض الذي يصحبها ، ويغلب عليها فلا تقبل صلاحاً، ولا تعفو عن مظلمة، ولا تتنازل عن حق، ولا تعطي نوالاً إلا من رحم الله، ولكن في قوله: ( وَأُحْضِرَتِ) صورة حية لحضور شبح الجاثم القاتم، وكأنه ليل مكفهر، حضر بأسماله السوداء ووجه العابس.
ثم ذكر الأنفس لأنها مصدر الخير والشر، والجود والبخل، فمن حجث نفسه بالمعروف قبل الصلح وسعي إلى المسامحة ، ومن بخلت نفسه وظنت ضيقت على عباد الله، وسعت في استيفاء حقوقها بشراسة وعناد وفي قوله: (الشُّحَّ ) إشراق في العبارة؛ لأن الشح غاية البخل ومنتهاه، وهو اشمل من البخل الذي هو منع العطاء، وحبس التدفق، يزيد بترك العفو، ورفض المسامحة، والسعي في المطالبة والمعاتبة والمضاربة حتى قال ابن تيمية: المؤمن الصادق لا يضارب ولا يعاقب ولا يطالب، وإنما يمنع الإصلاح، قبول شح الأنفس الأمارة، ولهذا حسن أن يزف في سياق الآية، فمن نجا من شح نفسه عاش صالحاً مصلحاً، فصار كالغمامة أينما حلت هلت، فهو جواد عن الخصومة، سهل عفو عند المنازع، يسير عند الجدال، صفوح عن المعاتبة، بخلاف الشيحيح فهو بخيل بنواله، ثقيل في مطالبه، عنيد في خلافه، شرس في طباعه، وصدق الله: ) وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ).

(وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ)


الهماز اللماز إنسان ساقط في مجال الشرف، منحط من رتبة القيم، منسي في ديوان المثل السامية، لأنه هماز للأعراض ، لماز لعباد الله، وهو يهمز بقوله، ويلمز بفعله، فعينه ويده تهمز، ولسانه يلمز، ويل لهذا بالوعيد من عذاب شديد، من منال أكيد، ويل لهذا المتسلق على أكتاف البراء، القارض لأعراض الصالحين.
إن هذا الشرير همه فقط اقتناص المعائب ، وجمع المثالب فهو يفرح بالزلة، وتسره السقطة ، وتعجبه الغلظة، فهو يذكر السيئات في الناس ولكنه يتسي الحسنات، يستحضر الأخطاء غير أنها تغيب عنه الإصابات؛ لأن نفسه الأمارة مريضة:
ومن يك ذا فم مـــــريض
يجد مـــراً به الماء الزلالا
ولأن عين رشده بها رمد:
قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد
وينكر الفم كعم الماء من سقم
لا يفرح بالفضائل التي تحملها القلوب الطاهرة؛ لأنه جحود حسود، لا يرتاح للصفات الجميلة والمعاني المعاني الجلية في الناس؛ لأن فعله سيئ وقلبه اسود ولسلنه مر:
إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه
وصدق ما يعتــــاده من توهم
ويل لهذا الهمزة اللمزة من عذاب الله وغضبه، كيف يجور في حكمه، فهو بالمرضاد لعباد الله، ينشر مساوئهم، يتكفه بمعائبهم، يفرح بزلاتهم، يسعد بعثراتهم ، وهو يحب أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا؛ لأنه مخذول مهين، ويضيق ذرعاً بالأوفياء النبلاء والصالحين الأخيار؛ لأنه مارد اثيم، إن سلامة القلب وعفة اللسان موهبة ربانية يغدقها الله على من يشاء من عباده، فتري صاحبها ستراً عفيفاً، طاهر السريرة، سليم الصدر، يثني على الجانب المشرق في حياة الناس، تعجبه الخلال الحميدة، تفرحه الخصال الجميلة ، يحمل إخوانه على السلامة ، ياتمس للعباد العذر ، يشيد بالمكارم، ويهمل ما سوى ذلك، ليس عنده وقت لتشريح عباد الله على خشبة نقده، وما عنده فراغ لإحراق أوراق الصالحين بناره.
وإن من يتدبر هذه الآية ينتابه خوف مزعج من عواقب إرسال اللسان في الأعراض ، واغتياب عباد الله، وتتبع عوراتهم، وإنها علامة الإفلاس، ونهاية الخذلان، وويل لمن هذا فعله، قاتله الله كيف نسي نفسهن وتقويم اعوجاجه، وإصلاح ما فسد من أخلاقه ، وبناء ذاته، وذهب ، تبأ له ـ يتفحص ما ستر الله من العباد ، ويكشف المغطي من سجايا الناس، فهو عدو للنجاح، حرب للفضيلة، هدم لصروح المكارم، وويل لكل همزة لمزة

(مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى)
كتاب الله ليس حديثاً يفتري، فما نظمه شاعر، ولا نفثه ساحر، ولا تفوه به كاهن، بل هو كلام الملك الحق المبين.
إن الأحاديث المفتراة متروكة لأساطين الأراجيف، ودهاقنة الزور، وأبطال الشائعات، وحملة الكذب، أما القرآن فهو الصدق كله، والحق أجمعه، لأن الله قاله، وجبريل حمله، ومحمد أداه ، تعالي الله وتقدس أن يكون كتابه مفتري، فهو أصدق القائلين، يقول الحق وهو يهدي السبيل.
إن أهل الافتراء اصناف من البشر كتب الله عليهم الخذلان منهم دجال مريب، يزرع الخرافات وينشر الأكاذيب ليصرف قلوب الناس إليه، ومنهم شاعر أفاك، يمدح بالباطل ويهجو الثوابت لينال الحظوة ويكسب المنزلة، ومنهم كاهن فاجر ، يدعي علم الغيب ويزعم معرفة المستقبل ليروج بضاعته المزجاة وكسبه الزائف على الخليفة.
أما هذا القرآن الذي طرق العالم، وهز القلوب وأذهل العقول، واسكت الفصحاء، فشأن آخر، إنه فيض من الحقيقة، ونهر من النور، أنزله الحكيم الخبير تبياناً لكل شئ، فهو أحسن الحديث، ,احسن القصص، وأجل المواعظ، واصدق الكلام، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ؛ لأنه نزل لهداية القلوب، وتطهير السرائر، وعمارة الضمائر، فهو معصوم من الفرية، محفوظ من الكذب منزه من الزور.
إن الوحي المقدس محفوظ عن نسج الخيال، وتصوير الوهم، فلا يدخله الشك، ولا يتطرق إليه الاحتمال، ولا يمازجه الهزل؛ لأنه يقين في نقلهن صادق في خبره، عادل في حكمه ، وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً.
إن على من أعرض عن القرآن واستبدله بأقوال البشر وخيالاتهم واوهامهم ان يتوب إلى ربه من هذا المسلك المشين، والمذهب البشع لأنه استبدل الذي هو أدني بالذي هو خير، فإذا لم تكن الحياة مع القرآن فمرحباً بالموت، وإذا لم يكن العيش مع هذا الوحى فأهلاً بالمنية؛ لأنه ليس بعد الحق إلا الضلال.
يكفي القرآن شرفاً أنه حديث لا يفتري، ويكفي أحاديث السمر وروايات البشر من حياة الفنانين أنها ترهات؛ لأنها وهم بلا صحة، وخيال بلا حقيقة، وظل بلا صورة، فكان جزاؤها الإهمال والضياع والخمول ، وكان حق القرآن الخلود والبقاء والذيوع: ) فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْض)(الرعد: 17).

(وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ)
الأفاك هو الكاذب في قوله: والأثيم هو الفاجر في فعله من جمع هذين الوصفين
استحق الخزي والويل ؛ لأن من هذا فعله فهو غاو منحرف، فالكذب واختلاف الأقوال وقلب الحقائق والزور في الحديث، دليل على مهانة صاحبه وخسة طبعه وحقارته.
والفجور وعدم مراعاة عهد الله وميثاقه وحفظ حدوده برهان على مرض القلب وفساده.
وإن من أعظم الذنوب الكذب ، فهو اصل النفاق وماؤه ومادته ، لا أمان له ولا نور عليه، ولا حجة معه؛ لأنه زائف دجال ، والأثيم منتهك للمحرمات، جرئ على الحمي، لا يردعه دين ولا تحميه قيم، وفساد الناس مرجعه إلى الكذب في الأقوال، والفجور في الأفعال، فالكذب ينتج الزور والافتراء والبهتان واليمين الغموس مع ما يتبع ذلك من قلب الحقائق والتضليل على الناس، واللعب بالأحكام وتشويه الأخبار، مع توليد الشائعات وتصوير الزيف الرخيص، والفجور ينتج منه سفك الدماء ، وسلب الحقوق ، ونهب الأموال ، وارتكاب الفواحش، فعاد الفساد في العالم إلى هذين الوصفين الأثيمين ، فحق على من نصح نفسه وأراد نجاته من البوار أن ينقذ نفسه من مغية الكذب والفجور بتحري الصدق واستحباب التقوي، ليحصل للعبد الأمان من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، إن مواهب الدنيا من مال وولد ومنصب وجاه لن تنفع صاحبها ما لم يركب قارب النجاة من الصدق مع الله، وردع النفس عن هواها ، والقيام بأمر الله في الأقوال والأعمال، ويكفي تهديداً ووعيداً قول جبار السماوات والأرض: )وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) .
فما بعد هذا من زاجر وليس وراءه من واعظ، إن قائمة الكذبة والسحرة والكهنة وشهود الزور تندرج تحت عنوان الأفاك، وإن قائمة القتلة واللصوص والزناة وأهل السكر والنهب تنضوي تحت كلمة اثيم ، فمن جمع الإفك والإثم فقد جمع الخسران، وحق عليه البوار ، وكتب عليه الشقاء، جزاء قوله الشنيع، وفعله الفظيع، وما ربك بظلام للعبيد.

(أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ)
اشغلكم تكاثركم بالأموال والأولاد والأشياء عن الاستعداد للقاء المحتوم واليوم الموعود، والالتهاء بالتكثر عن المقصد خذلان، والاشتغال بالوسائل عن المقاصد إفلاس ، فالتكاثر يكون بجمع المال وتكديسه وتخزينه، فلا ينفق في الحقوق ولا تؤدي به الواجبات، فيكون الفقر الحاضر والشغل الدائم:
ومن ينفق الساعات في جمــــع ماله
مخافـــة فقر فالذي صنع الفقر
والتكاثر في الأولاد والاعتداد بهم بطراً ورئاء الناس دون أثارة من صلاح أو سعي لرشد، والتكاثر بالنعم ترفاً وبذخاً وإسرافاً؛ لتكون من أعظم العوائق عن الهداية والتزود بالصالحات، والتكاثر ضرب من السفة ومذهب من الرعونة النبي صلي الله عليه وسلم يناسب عقول الصبيان وطموح الولدان، والتكاثر بالعوامل بلا ثمرة ، وتذوب في حفظها الأبدان بلا نفع، لأنها عطلت عن الامتثال، وفصلت عن الانتفاع بها، والتكاثر من الملهيات والمسليات والمغريات من شهوات ولذائذ وفنون وهوايات لتصبح الحياة بهيمية ساقطة، والهم سالفة، والعمر اضحوكة ، والبقايا مهزلة:
من يهن يســـهل الهوان عليه
مــــا لجرح بميت إيلام
إن المسؤول الذي ألهاه التكاثر بالأوسمة والنياشين والألقاب لهو عابث يحفر لنفسه قبراً في عالم الخذلان، والإحباط ، وإن العالم الذي ألهاه التكاثر بجمع الغرائب ، وحشد العجائب، والتطاول بمحصوله، والتباهي بمحفوظه، على حساب العمل لهو خاسر أشغله ذلك عن مرتبة الربانية، ودرجة الإمامة.
وإن الكاتب الذي ألهاه تكاثر نتاجه، واشغله هذا السيلان، ونمو بريق الشهرة، وخدعه زخرف المديح لهو كاتب مخذول، إن من قدم الصورة على المضمون، والظاهر على النية والقصد ، والدنيا عن الآخرة، والمخلوق على الخالق لهو عبد ضال سعيه وخائب منقلبه.
إن ركعة خاشعة من عابد صادق أجل من ألف رجعة لعبد ساه لاه عابث، إن قراءة آية بتدبر وتفهم خير من ختمة كاملة بلا حضور ولا تفكر، وإن مطالعة صفحة بإمعان أعظم من سرد مجلدات مع شرود وذهول، وإن الحسن أحسن من الكثرة ) لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ) وإن حوضاً من ماء عذب أنفع من بحر ماؤه مالح، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق.

( هَيْتَ لَكَ )
تقول امرأة العزيز ليوسف عليه السلام: هيت لك، قال: معاذ الله، وكلمة هيت لك فيها من الجذب فيها من الجذب والإغراء والفتنة ما يقود النفس الأمارة للاستجابة ، ولكن الله سلم وعصم ولطف.
ويا لمقام يوسف، وقوة يوسف، وصلابة عزيمته وجلالة نفسه يوم هزم هذا الإغراء الفاتن بالكلمة الطاهرة الخالدة، معاذ الله ، وياليت كل مسلم إذا ماجت أمامه الفتن وتعرضت له الإغراءات أن يفزع إلى من: معاذ الله، ليجد الحفظ والصون والرعاية، ويحتاج المسلم كل وقت إلى عبارةك معاذ الله ، ليجد الدنيا بزخرفتها وزينتها ناديه: هيت لك، والمنصب ببريقه وطلائه يصيح: هيت لك، والمال بهالته وصولته يقول: هيت لك ، والمرأة بدلالها وحسنها وسحرها تعرض نفسها وتصيح: هيت لك، فمن ليس عنده معاذ الله ماذا يصنع؟‍!
وإن الفتنة التي تعرض لها يوسف لهي كبرى، وإن الإغراء الذي لقيه لهو عجيب ، فهو ـ عليه السلام ـ شاب ع-غريب في الخلوة وفي أمن الناس؛ لأنها زوجة الملك، ثم هي مترفة متزينة ذات منصب وجمال وشرف ومال، وهي التي غلقت الأبواب ودعته إلى نفسها فاستعصم، ورأي برهان ربه ونادي: معاذ الله ، فكان الانتصار على النفس الأمارة والهوي الغلاب، فصار يوسف مثلاً لكل عبد غلب هواه، خاف ربه، وحفظ كرامته، وصان عرضه.
ونحن في هذا العصر بأمس الحاجة إلى مبدأ : معاذ الله ، فالمرأة السافرة، والشاشة الهابطة، والكلمة السافة، والمجلة الخليعة، والأغنية الماجنة؛ كلها تنادي هيت لك، وجليس السوء ، والصاحب الشرير، وداعية الزور، وشاعر الفتنة؛ كلهم يصيحون هيت لك، فإن وفق الله وحصلت العناية، وحلت الرعاية صاح القلب صيحة الوحداني: معاذ الله.
إبليس يغريني ونفسي والهوي
مــا حيلتي في هذه أو ذاكا
ولنا في التاريخ المحفوظ مطالعة في سير الأبرار، فمنهم من تعرضت له السلطة ، ومنهم من دعته الوزارة، وثالث طلبه المال، ورابع طاردته الشهوة، وآخر تعلقت به الدنيا، وكلهم فر وهو يقول: معاذ الله؛ فكان جزاؤه عوضاً أغلي، ومنزلاً أعلي، وعطاء أحلى، ورفعة عند ملك الملوك الذي ملكه لا يبلي، وخزائنه لاتنفد ، وجاره لا يضام،في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

(وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ)


المنافقون يهتمون بالظاهر على حساب الباطن، أجسامهم روية، وقلوبهم خاوية، ظاهر مغري، وباطن مخزي، في العلن رجال وفي الخفاء خفافيش، ألسنة حالية ونفوس مريرة، فأول ما تشاهده منهم طلعات بهية، وهياكل قوية، وعضلات مفتولة، وسواعد مشدودة ، شبع وسمن، ودعاوى عريضة، وتمدح أجوف، ولكنهم يحملون هماً ساقطاً، وعزائم منحطةن ونيات خبيثة، ومرادات قبيحة، مرض ينخر في قلوبهم، وشك يعصف بنفوسهم، وخواء يعشعش في ضمائرهم، أما ألسنتهم فهي اسواق لبضاعة الكذب، ومتاحف للزور والبهتان، وأما قلوبهم فأطلال باليه أقام بها النفاق، وحل بها الكفر، وملأها الرجس.
إن المسألة ليست بالصور والهندام وجمال الأشكال وبهاء الهياكل ، ولكن المسألة مسألة قلوب تبصر النور، ونفوس تفيض بالخير، وسجايا تشع بالفضيلة.
إن من يرتاب في أمر الله، ويشك في دينه، ويعرض عن عبادته ،ويحارب رسله، ويعادي اولياءه، ويسخر من عباده لهو أولى الناس بالنبذ والإذلال والإهانة ؛ لأنه خبيث النفس، خائن الضمير، ميت الإرادة.
إن هؤلاء الذين تعجبك أجسامهم إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، ولا يذكرون الله إلا قليلاً، ولا ينفقون إلا وهم كارهون، فهم اضعف شيء عن الطاعات، وفعل الصالحات ، وأداء الواجبات، ولكنهم أقوياء في اقتطاف الشهوات، وتصيد اللذائذ، وركوب المعاصي.
إن الله لا ينظر إلى صورنا ولا إلى أجسامنا ، ولكنه ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا، فلا يغرك جسم لا قلب فيه، وهيكل لا روح فيه، وجثمان ليس به حياة:
لا باس بالقـــوم من طول ومن عظم
جسم البغال وأحلام العصـافير
وعلينا النظر إلى الحقائق ومعادن الناس وأخلاقهم وصفاتهم:
خذ بحد السيف واترك نصلــه
واعتبر فضل الفتي دون الحلل
إن الرجال لا يقومون بالثياب ، وإن العظماء لا يقاسون بالأشبار، ولا يوزنون بالأرطال، ولكن قيمتهم عملهم الصالح، وقياسهم أخلاقهم الجميلة، ووزنهم تاريخهم المشرق.
إن شعرة في رأس عبد الله بن مسعود؛ الصحابي خير من مليون رجل من أمثال عبد الله بن أبي سلول؛ المنافق السمين البدين البطين، وإن ظفر بلال بن رباح أفضل من جيش من أمثال أبي جهل الضخم الفخم المريد الرعديد، لأن المسألة مسألة إيمان وفقه وصلاح وتقوى لا لحم ولا عظم ولا شحم ولا دم.
--------------
يتبـــــــــــــع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اذكروني بدعوه رحمني ورحمكم الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم



أخر مواضيعي
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس