عرض مشاركة واحدة
قديم 19-06-2013, 12:38 PM   #2958
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)


هذه من أعظم الدعوات إن لم تكن أعظمها، فإنها قد جمعت خيري الدنيا والآخرة، فحسنة الدنيا عامة شاملة، وأما حسنة الآخرة فأرفع ذلك الفوز برضوان الله ودخول جنته وجواره ومصاحبة أنبيائه ورسله وصالحي عباده في دار كرامته، والوقاية من عذاب النار وغضب الجبار، وما في ذلك المشهد من الخزي والعار، فصارت هذه الدعوة جامعة مانعة كافية شافية.
وفي الآية أوضح برهان على أنه لا يهب السعادة إلا الله عز وجل، ولا يجلب المحبوب ويصرف المرهوب إلا هو، فمن أحسن فيما بينه وبين ربه كفاه ما أهمه واضناه، واصلح باله واحسن حاله، ونجاه من أخذه الشديد وعذابه الأليم.
وفي الآية تعليم للعباد بأن يدعوا ربهم بحوامع الدعاء المشتمل على كل نفع، وعلى طلب دفع كل ضر، وأن العافية مع الشكر قد تفوق البلاء مع الصبر، وأن طلب السلامة من المصائب وارد، وأن خير الدنيا يطلب خير الآخرة؛ من متاع حسن ومال حلال، وطيب عيش ، وحلاوة عمر، وفي الاية أن وقاية العبد من عذاب النار من أعظم ما يطلب من الله عز وجل ، كيف وما أبكي الصالحين ولا أخاف الأولياء ولا أرق أهل الطاعة مثل تذكر عذاب النار؟‍! ولهذا قال سبحانه: (رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) وقال في حقيقة الفوز: ( فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَاز) وانظر إلى جمال كلمة حسنة في الموضعين، فإن كل أمر محبوب مرغوب؛ ولهذا فلا يقصر معناها على خير دون خير؛ لأن هذا تحكم إلا ما صح به الخبر، وما علمنا ربنا أن ندعوه إلا لأنه سوف يجيبنا إذا سألناه كما قال الشاعر:
لو لم ترد نيل ما أرجو واطلبـــه
من جود كفك ما علمتني الطلبا
فقد أمرنا ربنا بالسؤال ووعدنا الإجابة ، فليعلم تأثير الدعاء ونفعه العظيم ومرودوه الكريم على العبد وليقصد العبد إلى الدعاء بالمأثور الوارد في الكتاب والسنة، فهو المختار وهو الصح للعبد؛ لأن الذي علمه العبد هو الذي يعلم السر وأخفي.

(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
الحياة الطيبة تنال بأمرين: الإيمان والعمل الصالح، فمن آمن وعمل صالحاً نال مرتين حياة سعيدة رغيدة، وجزاء كريماً موفوراً في الآخرة.
ولكن كلمة : (حَيَاةً طَيِّبَةً) عجيبة ، فإنها فيها من الجمال والعموم ما تهش له النفس، فكل أمن وسكينة وسرور وحبور وصحة وأمن وأنس وطمأنية مع صلاح الأبناء واستقامة الحال وحسن المنقلب والعافية من كل مكروه؛ فإنها كلها من الحياة الطيبة، فمن أراد حياة طيبة بلا إيمان ولا عمل صالح فقد حاول المستحيل ، وطلب الممنوع.
وكيف ينال الحياة الطيبة من اساء المعاملة مع ربه الذي منه وحده تنال الحياة الطيبة ، فإن كل خير وصلاح اساسه التقوي، وإن كل شر وبلاء سببه المعاصي والآثام، وهذا معلوم من نص الشرع، قال سبحانه: )ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) وقال: ) فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) وقال: ) قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ) فمن حقق الأصلين وهما افيمان والعمل الصالح سعد في الدارين وأفلح في الدنيا والآخرة، وما أروع القسم في قوله جل في علاه: ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ ) فهذا وعد أكيد وخبر جازم وبري محققة.

وانظر إلى قوله: ( فَلَنُحْيِيَنَّهُ ) ، ما أحسن اختيارها ، فالذي لا يحييه الله كأنه ميت ولو عاش ، وهالك ولو عمر، وفي كلمة نحيينه من الجاذبية والأسرار والتشويق لهذه الحياة ما يأخذ اللب ويأسر القلب، وانظر كيف نكر الحياة لتكون عامة كاملة، وهذا تنكير تعظيم، وتحت كلمة حياة من الأسرار والمعاني ما يفوق الوصف، فإن هذه الحياة تشمل حياة القلب بالإيمان والهدي، فلا يموت أبداً يوم تموت القلوب، وحياة العقل بحسن الإدراك وصواب البصيرة وسداد الراي، وحياة الجسم بالعافية وحسن المعيشة، والسلامة من الآفات والنجاة من الكدر، والأمن من المتالف.
أقسم وهو أصدق القائلين على أنه سوف يجزيهم بأحسن منه، ولم يقل بحسن أو بخير او بجميل، بل قال بأحسن؛ بل قال بأحسن؛ لن في العمل حسن واحسن ، فالله يجزيهم بأحسن عمل عملوه، وتقاس بقية الأعمال على أحسنها ، فيثاب على أحسن صلاة صلاها في حياته، وتساوي بها بقية الصلوات، وهكذا سائر الأعمال، وهذا من كرمه وجودة وتفضله جل في علاه.
ثم أنظر إلى الجمع في الآية بين الذكر والأثي فيمن يعمل، والإيمان والعمل الصالح في العمل، والحياة الطيبة والأجر الأحسن في الثواب، فهي اثنان من اصناف ثلاثة ، فذكر الذكر والأنثي؛ ليعلم الجنس، والإيمان والعمل الصالح يشمل اصول العمل والحياة الطيبة، والأجر العظيم يستغرف كرامة الله لعباده.


( أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)
تطمئن القلوب من خوفها فتسكن إلى موعود ربها مع الثقة به، وحسن التوكل عليه، وصدق اللجوء إليه.
وتطمئن من حزنها فتجد الأمن من كل غم وهم وحزن، فتعيش راضية مرضية؛ لأنها بربها ومولاها راضية.
وتطمئن من قلقها فتستقر بعد التذبذب ، وتهدأ بعد التمزق، وتثبت بعد الاضطراب.
وتطمئن من الشتات، فيجتمع شملها، ويتحد توجهها ، ويلم شعتها،وتنجو من شتات أمرها.
وتطمئن من كيد شيطانها، وغلبة هواها، وتحرش أعدائها، وكيد خصومها، وشرور أضدادها.
فليس للقلب دواء أنفع من ذكر الله، فمهما حصل القلب علي مطلوبه ورغباته بدون ذكر الله فإن مصيره القلق والتمزق والفرق والخوف والغم والهم والحزن والكدر والاضطراب.
أبي الله أن يؤمن من عصاه، وأن يؤنس من خالفه، واتبع هواه، وكيف يطمئن من بينه وبين الله وحشة وبينه وبين خالقه قطيعة، وكيف يأنس من نسي مولاه، وأعرض عن كتابه، وأهمل أوامره، وتعدي حدوده.
إن طمأنينة القلب عي السعادة التي يسعي لها الكل، ويبحث عنها الجميع، فمنهم من خطبها عن طريق المال فجمع وأوعي، وحصل وكنز، فإذا المال بلا إيمان شقاء وإذا الحطام بلا طاعة وباء، ومنهم من طلب السعادة عن طريق المنصب فصب من أجله دمعة وعرقه ودمه، فلما تولاه بلا إيمان كان فيه حتفه وهلاكه وخيبته، ومنهم من طلبها عن طريق اللهو من غناء وشعر وهواية فما حصل عليها ولا نالها، لأنه عزلها عن عبودية ربه عز وجل.
فيا من تكاتفت سحب همومه اذكر الله لتسعد، ويا من أحاط به حزنه وأقلقله همه اذكر الله لتأنس، ويا من طوقه كربه وزلزلة خطبه اذكر الله لتأمن ، ويا من تشتت قلبه وذهب لبه اذكر الله لتهدأ ، ذكر الله دواء وشفاء وهناء، وذكر غيره داء ووباء وشقاء، ويكفي الذكر فضلاً أن الله يذكر من ذكره، ويكفي الذكر شرفاً أنه العلم الوحيد الذي يبقي مع أهل الجنة، ويكفي الذكر أجراً أنه أفضل عمل، الذكر حياة ولكن المبنج لا يحس، والمخدر لا يشعر، والميت لا يتألم ، والذكر أمن وسكينة ولكن العاصى مفرط، والفاجر هالك.
وفي كلمة (تَطْمَئِنُّ) رخاء ونداء وطلاوة ، فكأن القلوب كالأرض، فما سهل منها فهو المطمئن، وما صعب وشق فهو القاسي الموحش المقفر، فليت سحب الرضوان وغمام الرحمان تترك غيث الوحي على القلوب لتؤتي أكلها كل حين بإذن ربها من الذكر والشكر والإنابة والمحبة والرهبة والرغبة: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ ).

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً)
يغرس لعباده الصالحين في القلوب محبة ووداً فيسري حبهم في الأرواح، وتنطلق الألسنة بالثناء عليهم، ويوضع لهم القبول في الأرض ، ومالك الحب هو الله، ومفاتيح القلوب بيد الله، فإذا فتحها لمحبة عبد وجدت محبته وحملت مودتته، إن حب الخليقة الصالحة دليل على حي الخالق جل في علاه،
وإن القبول في الأرض دليل على القبول في السماء ، والناس شهداء لله كما صح به الحديث، فمن أحبوه وودوه واثنوا عليه خيراً فهو خير بار راشد، ومن كرهوه ومقتوه وأبغضوه فهو شرير خاسر.
إن القلوب خزائن الرحمن، وإن ألسنتة الخلق أقلام الحق، وإن المؤمنين شهود عدول على من أحبوه أو أبغضوه ، إن لمحبة التاس أسباباً ، ليحبوا من أحبوه كصدق إيمانه بربه، وطهارة باطنه، ونقاء نفسه، وسلامة صدره، وقوة إخلاصه.
وإن لبغض الناس أسباباً ليبغضوا من أبغضوه : من نفاقه وفجوره واستهتاره بحدود الله، وتنكره لدين ربه، وظلمة وجوره، وسواد قلبه، وفساد روحه ، وخسة طبعه.
إن من يملك الأبدان لا يملك القلوب، وإن من تنافقه الألسن قد لا تحبه الأرواح، إن السوط والسيف والهيبة لا تجلب حباً ولا تدفع كرهاً، وإنما الجالب للمحبة والدافع للبغض رب العالمين، محبة العباد لا تشتري بالدرهم والدينار، ولا تعرض في الأسواق، ولا ينادي عليها في المحافل ، إنها نعمة يهبها الله من يشاء من عباده ،فتجد هؤلاء المحبوببين محفوفين بالمحبة، مستقبلين بالمودة، مغمورين بالثناء الحسن،
إن حضروا حيتهم القلوب، وإن سافروا شيعتهم الأرواح، فلهم مساكن في نفوس العباد، ومنازل في قلوب الخلق ، رحمة من ربك ولطفاً من إلهك، صح في الحديث: (( إن الله إذا احب عبداً دعاء جبريل فقال له: إني احب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبداً قال لجبريل : إني أبغض فلاناً فأبغضه، فيبغضه، ثم ينادي أهل السماء: إن الله يبغض فلاناً فابغضوه ، ثم يوضع له البغض في الأرض))،.
إذا فالحب والبغض من عند الله، فمن أراد محبة في قلوب الخلق ومودة عند المؤمنين فليطلبها ممن يملكها، جل في علاه، بطاعته والإذعان لأمره، واتباع رسوله، والاهتداء بهدايته، وصدق النصح لعباده، وسلامة النية، وحسن الطوية ، وطهر الضمير، حينها فليبشر بحب الله له ومودة المؤمنين.
------------
يتبـــــــــــــع

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اذكروني بدعوه رحمني ورحمكم الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم



أخر مواضيعي
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس