إمبراطورية الشعراء في بلاط الإمبراطور
الحمد لله حمداً كثيرا طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضي، واصلي وأسلم علي نبينا محمد وعلي آله وصحبه ومن بسنته اهتدي.
أما بعد :
فتحية طيبة يا أبا الطيب فقد حسونا كاس سحرك حتى ثملنا بياناً، أما أبياتك فالنجوم ضياء ورفعة، وأما قصائدك فالحدائق بهجة ونضرة .
من أين جئت يا أستاذ القافية ، وكيف وصلت يا فيلسوف الإبداع.
لقد عاش قبلك وبعدك آلاف الشعراء الذين ملؤوا الفضاء ضجيجاً، والكون صياحاً، ثم ماتوا وماتت أصواتهم، وبقيت أنت منشداً للدهر عازفاً علي نياط القلوب كما قلت أنت:
وما الدهر إلا من رواة قصائدي
إذا قلت شعراً اصبح الدهر منشدا
لقد عرفتك من ثلاثين سنة فكنت معي حضراً وسفراً النبي صلي الله عليه وسلم أتمثل أبياتك ، انشد قصائدك ، أحفظ ديوانك، ولكن ذنبك أنك زهدتني في غيرك من الشعراء . وعذرتك أنك سطعت ولمعت وأبدعت.
يا أبا الطيب، أخذنا من قصائدك ما كان شاهداً ومثلاً وحكمة وعبرة، وتركنا غلوك وهجاءك وصخبك، وعسى الجيل أن يعود للبيان العربي ليفهم كتاب ربه وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم حق الفهم، لأن الوحي هو المقصود بالتدبر والتأمل والدراسة: أما ما سواه فوسائل وأدوات فحسب:
قواصد كافور توارك غيره ومن قصد البحر استقل السواقيا
د. عائض القرني
عائض القرني
حسبك الله لم تزل تتحـدا
ما رهبت المنون أو هبت جندا
أنت كالدهر والقوافي ليــال
تبتني بالقريض في الناس مجدا
أرجفوا : مات! قلت لا أموت قالوا:
قد مضي، قلت بل زماني تبدا
نبشوا فيك عبقرياً أديباً
حــركـــوا فيك مارداً بل ألدا
اشعلوا منك في الدياجي نجوما
أحرقوا فيك غيظهم فاستبــــدا
كلهم قاتل وكل الضحايــا
أنت يا مالئ الفافي جــــدا
أنعلوا خيلك الأفاعي فهابت
كل أفعى ذاقت من السم وردا
اصلتوا في عيونك الموت سيفا
أغمدوا في حشاك رمحاً معدا
كيف أفلت والصحاري زؤام
والمنايا خرس وقد جئت فردا
أي ليل ركبت؟ أين الأعادي
فتهم يا عظيم معني وبعدا
أنت في الشام أم وصلت عماناً
أم وردت العراق أم زرت نجدا
عند من أنزلوك عند ابن موسى
أم سعيد وابن العميد المفدى؟
عند كافور اصبح العبد حرا
أم علي ذا الحر أصبح عبــدا
أم تريد الحياة أم أنت صب
يعشق الحسن كاتماً ما تبــدى
هل رأيت القرود حولك أسدا؟
أم تخليت طلعة الليث قردا؟
وعلي من تلقي القريض شجياً
وإلي من تهدي من الشعر وردا؟
أنت يا ملبس السلاطين عـزا
أنت يا كاسي الصعاليك بردا
أنت يا مشعل الزمان أرحنا
قال دعني أذكيه برقا ورعدا!
عشت بالعز مؤمنا لا يداجي
ومن الذل كافــراً مــرتدا!
بصر العمي اسمع الصم شعرا
علم الضاد تركماناً وكردا
بك ينوي الممات أن يتعشى
قال: كلا أنا به أتغدي!
تلبس الثور مطرفاً وهو اعمي
كى تراه اصمى وأطغي وأردا!
تحرق النذل بالقريض فيبقي
خائباً خاسراً حقيراً مـــردا
لم تبال ركبت أدهم ضاف
أو قطعت الصحراء سعيـــاً
أو لقيت الخطوب في ثوب هول
أو حضنت الأيام عزاً وسعدا
أو ملت القلوب فيك ابتهاجاً
أو نقشت الصدور غلاً وحقدا
اترجي وصال أهيف غر
قال: كلا طلقت سلمى ودعدا
كل شبر مصائب تتلظى
كسيوف بواتر بل أحداً
تطلب الثأر في حنايا
عظيم قد اعناقها بجنبية قدا
أنت يا بن الحسين اكبر لغز
في بلاط الملوك تروى وتهدي
كيف أنهي الخطاب فيك وأجلو
عن معانيك؟ قال لي : كيف تبدا؟
----------
د/عايض القرني