13-07-2013, 02:59 PM
|
#6
|
|
رد: احداث مصر والجديد القادم

[email protected] - بقلم**** : أ**** . د****. محمد محسوب
حدثني صديقي كثيرا عن الديموقراطية لكنه لم يخبرني أن لها هذا الثمن الباهظ،**** فهو وصف لي جمالها ولم ينبهني إلي ما يتحمله طالبوها من مشاق وأذي،**** فحسبت أن الأمر هين،**** يكفي فيه أن أحمل قلمي وأصطحب أهلي وأقف في سبعة طوابير متعاقبة،**** يتراص فيها البشر كأنهم حبات عقد ياقوت وزمرد،**** سعيدا بحر الشمس أو برد**** غيوم السماء،**** يحدوني الأمل أن تنبت شجرة الحرية بماء ورد الديموقراطية،**** وأن تزهر الحقوق والحريات في فناء حديقتنا المصرية**** .. نبنيها بتؤدة ونسقيها بحرص ونشذب ما شذ من أغصان أشجارها،**** ونقوم ما اعوج من سيقانها ونحسّن ما لم يكتمل بناؤه****. لكن فجأة تغيّر المشهد،**** فغامت السماء بسحب مظلمة،**** وهطلت سيول لا تسقي زروعا بل تقتلعها،**** وامتدت أيادٍ**** لا تقوّم الأغصان بل تكسرها،**** فأضحت حديقتنا فجأة وكأنها ساحة احتراب تضيق فيها الأنفاس،**** وتتهاوي علي أطلالها آمال كانت معقودة وأحلام كانت وردية****.
لم يخبرني صديقي بأن كل الطوابير التي وقفت لأضع صوتي في صندوق ملون بألوان الطيف البهي،**** يمكن أن تتحول إلي جنائز أصوات تحملها إلي فناء العدم،**** أو تذروها رياح عتية وتطويها سيول**** غاشمة****. لكن ذلك حدث،**** وتركني صديقي ليقف علي قارعة الطريق ويلقي خطبة عجيبة علي السائرين بغير هدي لم يكرر فيها ما قاله لي سابقا،**** لم يتحدث فيها عن حقوق وحريات،**** لم يغنِّ**** فيها لحرية الرأي والإعلام،**** لم ينادِ**** فيها بالفصل بين السلطات،**** لم يطالب فيها بقصاص لشهداء**** . نسيت أكثر ما قاله جرّاء الفوضي التي عمّت،**** لكن كلمات مما قاله علقت بذهني لا يمكنني أن أتخلص منها****.. قال****: إن قطع الأشجار هو لرعايتها،**** وأن تكميم الأفواه هو للحفاظ علي حريتها،**** وأن الذين ماتوا تلقوا جزاء وفاقا لتحديهم الديموقراطية****..!! آه والله قال ذلك،**** ولا أدري لما لم ينبهني أن الديموقراطية لها أنياب تقتل وأن التعبير عن الرأي يمكن أن يكون جريرة،**** وأن الاحتجاج يُحتمل أن يكون حراما وأن الموت يمكن أن يكون جزاء مقبولا****.. لم يقل لي ذلك ولم ينبهني**** .. ولو فعل لما وقفت السبعة طوابير ولما قبلت الحر والبرد الزمهرير،**** ولما صدقت أي كلام عن التنوع وحرية الرأي وحرية الإعلام أو أي حرية أخري حدثني عنها صديقي خلال عامين مضيا****.
فقد حدثني صديقي أن الدستور الذي أقره الشعب لم يكن كافيا لحماية الحقوق والحريات،**** واليوم صديقي يقبل إعلانا دستوريا لا يحمي حقوقا ولا يحيط بمعني الحريات****. وحدثني صديقي أن الرئيس المنتخب تجرأ وحاز السلطة التشريعية وسلطة إصدار إعلانات دستورية حتي أقر الشعب الدستور فألغي الحق في إصدار إعلانات دستورية وجعل التشريع،**** مؤقتا،**** لمجلس الشوري المنتخب،**** وقلص سلطات الرئيس المنتخب،**** لكن صديقي اليوم قبل برئيس مؤقت له حق إصدار إعلانات دستورية وحق التشريع والتنفيذ وكل حق آخر يتصل بالحكم****!! وحكي لي صديقي كثيرا عن استقلال القضاء،**** وأن النائب العام يجب أن يكون مستقلا عن رئيس الدولة،**** ولعن الرئيس المنتخب لأنه عيّن نائبا عاما بقرار منه،**** وصدقت صديقي فوضعنا مادة بالدستور تجعل المجلس الأعلي للقضاء هو من يختار النائب العام،**** لكن اليوم صديقي يقبل أن يعين الرئيس المؤقت النائب العام****!!
كثيرة هي الأشياء التي انتقدها صديقي علي رئيس منتخب وقبلها لرئيس معين،**** لا أدري****.. فحدثتني نفسي أن صديقي أدري بالديموقراطية،**** وأن فهمها الصحيح هو أن نمنح الرئيس المعين المؤقت سلطات أكبر من المنتخب**** !! مازلت أحاول فهم صديقي****.
وحدثني صديقي عن كل أصدقائه أن من حق الجميع أن يتظاهر ويعتصم أمام أي مكان،**** بما في ذلك مقر الرئاسة،**** وهي مقر القائد الاعلي للقوات المسلحة،**** بل ولهم أن يسبوا ويقذفوا المولوتوف علي القصر ومن يقيم بالقصر****.. ولا يجوز لحراسه سوي أن يردوا بالماء أو أن يبتلعوا شتيمتهم ويكظموا**** غيظهم،**** وأن أي ضحية سيتحملها ساكن القصر****. واليوم صديقي يقول لي أن من مات أمام الحرس الجمهوري قتل نفسه،**** وأنه لم يكن له أن يتظاهر في هذا المكان،**** وأن المسئولية علي من أرسلهم****. ربما****.. فصديقي يعلم أكثر مني**** !!
وحدثني صديقي عن أصدقائه،**** أن الديموقراطية تعني الإقرار بالتنوع وقبول الآخر****.. فسألته اليوم عما يجري للتيار الذي يختلف معه،**** من توقيف ومنع قنوات وملاحقات،**** فقال لي إن الأمر مختلف،**** فهؤلاء يرتكبون جرائم التحريض في تلفزيوناتهم وفي خطبهم وفي حركاتهم وسكناته****!! وأنا لا يسعني أن أكذب صديقي،**** خصوصا أنه أكثر علما وثقافة وتعلم علي يد أهل الديموقراطية،**** ولابد أنه رأي أن هؤلاء محرضون بينما**** غيرهم موضوعيون****!!
وفي الليل،**** أخذت أقلب صفحات الكمبيوتر وأستعيد ما قاله الناطقون الرسميون،**** وما قاله صديقي وما حملته أفلام الفيديو عن أحداث الحرس الجمهوري،**** فلم أستطع أن أستمر في تصديق صديقي****.. وشعرت أنه خدعني من اليوم الأول حتي اليوم الأخير**** .. يوم أن سالت دماء كثيرة فقال لي إنها لا تستحق أن نتوقف عندها لانها دماء من يختلف معهم****.. ألغيت تليفون صديقي ومحوت كل كلامه القديم والجديد وأخذت أتأمل المشهد وأبحث عن نفسي فيه****.. هل حقا أريد ديموقراطية وأستطيع تحمل تكاليفها أم أن الأولي أن أساير صديقي فيطلق علي كل شئ ديموقراطية ويبرر كل فعل بالديموقراطية؟****!
|
|
|