عرض مشاركة واحدة
قديم 26-07-2013, 03:33 AM   #3355
الفقير الي ربه
كبار الشخصيات
 
الصورة الرمزية الفقير الي ربه
 







 
الفقير الي ربه is on a distinguished road
افتراضي رد: كلمات مـــــــن القلــــب الــى القلـــــــب

ايا نفس اصبري فالموعد الجنة
في لحظة يأس سوداء عشتها بكل آلامها وتفاصيلها.. لحظة.. كانت الأقسى في حياتي.. بل الأوجع والأكثر ألماً.. كنت أحاول كثيراً أن أطردها.. أن أبعدها.. ولكن كانت تفرض نفسها على واقعي دوماً.. كنت أعلم علماً يقيناً ما الذي سأجنيه إذا ما نجحت في أن تفرض نفسها و تلون جزء من حياتي بلونها.. فكنت معها في عراك.. حتى كان ما خشيت! فصارت لها الغلبة واستطاعت في فترة ضعف مني أن تفرض نفسها على واقعي! و بدأ الصراع الحقيقي!
إن الصراع بين الحق والباطل صراع أزلي ابتدأ منذ أن أشرقت الدنيا كلها بنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- وبدينه الجديد الذي أخرج الناس من أعتم ظلمات.. ظلمات الكفر والجاهلية.. إلى أوضح نور.. نور الإيمان والاستقامة.. ذلك النور الذي أشرقت به قلوب الصحابة.. قلوب كانت بحاجة ماسة إلى من ينقذها من همجية الجاهلية وضلالها.. إلى من يحييها بعد موتها! فحيت بنور الإسلام.. وعلت وسمت بالانقياد إلى تعاليمه والانتماء إلى شريعته.
ومع بداية تلك الحياة الجديدة.. كان لابد من الخضوع إلى مشيئة الله الكونية و التي وضعت أساساتها منذ منبع الوحي الأصيل حينما قال الله تعالى: (إنك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء) فوضعت تلك الآية وغيرها دعامة من دعائم العقيدة.. دعامة كانت الأقسى على القلوب المضيئة التي ولدت قريباً.. فبدأ ألصراع!
فهذا يترك طاعة أمه لضلالها.. يصارع في داخله بين طاعة أمه التي سعت كل حياته في تربيته وأحسنت إليه كل إحسان وبين طاعة رب عظيم كان له الفضل الأكبر في أن رزقه تلك الأم ويسر له ذلك الإحسان..
فوعت القلوب قبل العقول سعة رحمة الله وفضله وأنه سبحانه هو الرزاق ذو القوة المتين قال تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون*ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون* إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين).. فكانت النتيجة مثمرة كبدايتها.. انتماء كامل لدين رضت به النفس وفرت إليه.. فرغم الصعوبات والعقبات توجهت تلك القلوب ورضخت لذلك الكيان الإسلامي السامي فاكتست بثوب العزة بعد ذلة عاشتها سنوات..
كان الأب يختار دينه على زوجته وبنيه الكفار لأنه قرأ قوله: (يوم يفر المرء من أخيه*وصاحبته وبنيه) فكان كل شيء يهون لديه أمام رضا من خلق ذلك اليوم ووعد به..
كان الصاحب يختار دينه على أصحابه وأخلائه المشركين لأنه قرأ قوله تعالى: (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين).. إلى غير ذلك من تضحيات لا تسعها كلماتي..
واستمر الصراع بين دعاة الحق والهدى و دعاة الضلال والهوى.. و الحكمة في ذلك واضحة كل الوضوح.. فلم تكن البداية منذ تلك المرحلة فقط.. بل كانت تكملة لصراع أزلي بزغ منذ أن خلق الله آدم قال تعالى: (وقلنا لآدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين*فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين).. وبنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- بدأت مسيرة أخرى في الصراع بين أولياء الله و أولياء الشيطان!
ولعل البعض يتسائل.. لماذا لم يخلق الله العالم أجمع على دين الحق؟ فلا يكون هناك صراع ولا حروب وعراك!! فالحكمة في ذلك- كما سطرت آنفاً- واضحة.. والمولى أعلم وأحكم.. قال تعالى: (ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم فاستبقوا الخيرات).. فلو كان العالم كله على دين واحد لما عُرِف المحب لدينه المجاهد في سبيله! ولما عُرِفت القلوب الأبية التي تضحي بكل شيء في سبيل دينها وعقيدتها..
بل أشبعت بتلك الحكمة غرائز النفس البشرية وفطرتها الإنسانية التي جمعت بين الحب والكرة.. فصرفت جانب الحب إلى خالقها والمحسن إليها ومن والاه.. وصرفت جانب الكره إلى الشيطان وكل من والاه..
إنها مشاعر لا توصف.. تلك التي تسكن القلب عندما يدخله نور الإيمان ويسقيه بماء الحياة الإيمانية.. حياة لا يشعر بها إلا المؤمن الصادق في إقباله على ربه.. يشعر بها كلما فعل طاعة تقربه إليه.. يشعر بها كلما ترك معصية لا لشيء إلا لوجهه.. سبحانه.. يشعر بها كلما أحسن وعفى وصفح من أجله.. كلما كظم غيظا أو ترك ظلماً أو ترفع عن مكروه لرضاه وحده.. وإن استاء كل من في الكون وإن سخط من سخط.. أليس ربه راض.. فهو برضاه يرضى.. وكأن ديدنه
قول الشاعر:
وليتك تحلو والحياة مريرة
وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني و بينك عامر
وبيني بين العالمين خراب
إذا ما صح منك الود فالكل هين
وكل الذي فوق التراب تراب

وبذلك تكون حياته كلها لله.. و أنفاسه كلها ملكاً له.. يبذل الغالي والنفيس في سبيل إرضائه.. وقد تعرض له بعض العوارض و الفتن.. فيصبر و يحتسب ويلتجأ إلى من بيده رفعها عنه.. لأنه قد تيقن بأن من ترك الراحة وجد الراحة.. وأن الإنسان ممتحن ومبتلى والصبر هو طوق النجاة.. ولا نجاح في امتحان الدنيا بدونه.. فيتصبر في أدق لحظات حياته المريرة مع أن قلبه قادر على الجزع و التسخط.. وكلما زينت له نفسه ذلك ترائت أمامه جنات عدن والفردوس الأعلى..
فيحدث نفسه قائلاً.. أيا نفس اصبري فالموعد الجنة.. لأنه جرب حلاوة الإيمان ومرارة الضلال فاختار الأجود والأسمى.. فلولا أن عرف طعم المرارة لما تلذذ بطعم الحلاوة.. ولولا معرفته قسوة الحزن لما تلذذ بطعم السعادة.. ولولا تجربته وحشة المعصية لما تلذذ بحلاوة الطاعة.. فكانت المشيئة السماوية معالجة لطبيعة النفس البشرية والخالق وحده بمن خلق أعلم!
وفي بعض الأحيان تزل تلك النفس المؤمنة فتضعف.. ولا يكون ذلك إلا بعد أن تبتعد ولو قليلاً عن منهل تلك القوة.. ولكن ما تلبث إلا أن تعود.. مستغفرة تائبة ترجو رحمة ربها الغفور الرحيم الذي قال: (يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً).. فتعود أقوى مما كانت لأنها استشعرت معنى أن تفقد تلك اللذة الإيمانية و لو للحظات!
والمؤمن بهذه الحياة الإيمانية غريب في نفسه.. غريب بين أهله و إخوانه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء، قال: ومن الغرباء؟ قال: (الذين يصلحون إذا فسد الناس)حديث حسن.. وكلما زاد ذلك الإيمان زادت درجة الغربة.. حتى يجد المؤمن نفسه في عالم آخر.. فهو مع الناس بجسده وفي ذلك العالم بقلبه.. قلب متعلق بربه.. يراقبه بنور إيمانه.. ويلجأ إليه مع كل نفس من أنفاسه.. يفر إليه كلما ضعف إيمانه.. فإن سبح بلسانه فالقلب ساكن لعظمته.. وإن ترك شيئاً لوجهه فالوجد سابح بلذة طاعته.. وإن عمل صالحاً فالفؤاد راضخ لأمره ونهيه في كل حب واطمئنان.
وهو بذلك في حصن ربه.. يحميه بفراره إليه ممن يتربص به ويكيد له.. يقيه بطاعته من كل ما يعرض له من فتن في دينه وإيمانه.. يحميه أولاً من شر نفسه ومن شر مخلوقاته.. فهو بذلك قد احتمى بربه بعد أن اكتسب بقربه منه مصلاً ذاتياً يصرف عنه كل ما يعرض لدينه أو يهزه..
ولم يأت ذلك المصل إلا بعد أن أيقن أنه لا حول ولا قوة له إلا بربه.. فهو الضعيف بنفسه القوي بربه..
وهو الذليل بذاته العزيز بدينه.. وهو بذلك في أمس الحاجة إلى ربه لينصره ويثبِته أمام فتن الدنيا وابتلائاتها.. فإن فتن هذا الزمان قد تشربت ما تشربت من القلوب فسكنتها.. فلم تعد تفرق بين الحق و الباطل.. قال حذيفة: لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك!! إنما الفتنة إذا اشتبه عليك الحق والباطل.
ولم يكن ذلك إلا بعد أن ابتعدت القلوب عن منهل قوتها وعزتها.. وانشغلت بدنياها الزائلة الفانية.. فنزلت همتها إلى التراب بعد أن كانت تحلق في السماء.. ولكن في خضم نيران الفتنة المترامية و شعاراتها المتصاعدة تبقى فئة صامدة ثابتة تمثلت في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يأتي عليكم زمان القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر)).. تلك الفئة عانت ومازالت تعاني ألم الجمر وحرقته.. ومع ذلك صمدت وثبتت.. فكلما سولت لها أنفسها أن ترمي ذلك الجمر تذكرت حرقة الحياة ومرارتها بدونه! فزادها ذلك ثباتاً وصموداً.. فهاهي ترى تلك الجراح الغامرة في قبضتها ولكن تأبى إلا والثبات، إلا والانتصار! فالانتصار على النفس هو الانتصار الحقيقي لتلك القلوب التي أشربت معين الحياة الطيبة بالقرب من الله! قال تعالى: (من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) إنها مشاعر إيمانية من نوع فريد.. لا يطيق القلم تسطيرها.. ولا تستطيع الألسنة وصفها.. إنها مشاعر القوة والعزة في وقت الضعف والذلة.. مزيج غريب يناسب تلك الغربة ويحاكيها.. غربة تستحق المعايشة والتجربة.. فلنسمو بأنفسنا معها متسلحين بقوله تعالى: (معي ربي سيهدين).
ونهاية المطاف الكل يعرفها.. نعيم دائم بعد عناء السفر الطويل.. وراحة أبدية مع أول قدم توضع في جنات عدن..
في هذه اللحظة توضع نقطة النهاية..نهاية الصبر والتحمل..نهاية الصراع والجهاد.. نهاية لها مصيران لا ثالث لهما.. إما سعادة أبدية.. وإما شقاء دائم.. فلنكن من أبطال السعادة الأبدية.. سعادة لا شقاء بعدها أبدا!
للفايدة

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
التوقيع

اذكروني بدعوه رحمني ورحمكم الله
سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم



أخر مواضيعي
الفقير الي ربه غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس