المــــراة ولا ستــــــرجــــــال
الرجولة صفة محمودة إذا أُطلقت على الرجل، وهي من صفات المدح التي يحرص كل رجل على أن يتصف بها، والأنوثة صفة محمودة إذا أطلقت على المرأة، وهي من صفات المدح التي تحرص كل امرأة على أن تتصف بها،
إن رجولة الرجل قوة واستقامة واقتدار، وإن أنوثة المرأة قوة واستقامة واقتدار، وإنما تصبح الرجولة عيباً كبيراً حينما تحاول أن تتصف بها المرأة، وتصبح الأنوثة عيباً كبيراً حينما يحاول أن يتصف بها الرجل.
هذه مقدمة لحالة أَستأذنُ القراء الكرام والقارئات الكريمات في وصفها لهم وصفاً يوافق واقع تلك الحالة، وليعذرونني إذا آذيت مشاعرهم وأذواقهم، فناقلُ القبح ليس بقبيح - إذا صح لنا أن نحور المثل الشهير -.
بعد يومٍ حافلٍ قضيت فيه ما يقرب من خمس ساعات وأنا واقف أمام المتدربين في دورة الإلقاء المتميز التي أسعد فيها بلقاءِ الحريصين على التميز في اختيار الكلمة، وصياغتها، وأدائها، بعد هذا اليوم الحافل بالتعب أويت إلى غرفتي في فندق جميل، وقد عزمتُ على أن أذيق عينيَّ المجهدتين تلك اللذة الرائعة للإغفاءة بعد العناء، وما كدت ألقي بجسدي المتعب على السرير حتى لاح لي النوم كطائر نوراني يرفرف بجناحين رقيقين حول جفنيَّ المجهدين، وفرحت برؤية هذا الطائر البديع الذي سيهبط إلى عينيَّ حيث ينطبق على رقته جفناني فأشعر بلذة تلك الإغفاءة التي أتوق إليها، ولكن ذلك الطائر النوراني لم يهبط إلى عينيَّ، ولم يقترب من جفنيهما، بل لقد فاجأني بالابتعاد وتحليقه في الفضاءات النائية، حيث يئست بذلك من الحصول على تلك الإغفاءة التي أنا بأمس الحاجة إليها، ويبدو أن سهام السهر قد صوَّبت طائر النوم الجميل، فرحل عني إلى غير رجعة في تلك اللحظة العجيبة،
وهنا مددت يدي إلى جهاز تشغيل صغير أنيق، سريع التجاوب مع أصابع من يستخدمه، وما كدت أضع إصبعي على أحد أزراره حتى سمعت وشوشة الشاشة التي أمامي حيث انفرجت أسارير وجهها الجامد عن وجه بدأ أكثر جموداً من شاشة التلفاز، لقد كان وجهاً يملأ الشاشة بصورة شعرت معها بأن كل زاوية في تلك الشاشة قد أسهمت في إبراز ملامح ذلك الوجه،
وخطر ببالي سؤال سريع: أي كائن هذا الذي أرى وجهه الآن، وتسارعت إجابات مضطربة، انه وجه امرأة.. كلا.. بل هو وجه رجل،.. إنه وجه يتأرجح بينهما، فربما كان وجه رجل، وربما كان وجه امرأة، وربما كان وجه كائن بشري آخر من غير كوكبنا الأرضي، هل كان ذلك الوجه جميلاً؟ هل كان قبيحاً؟ هل كان منفراً؟ أسئلة تموت على ملامح ذلك الوجه الجامد الذي تئن شاشة التلفاز تحت وطأته.
وحسم الصوت الذي يتحدث به ذلك الوجه الموقف، وأكد لي أنه وجه امرأة وياله من وجه غريب عجيب.
عينان كأنهما مغارتان في جبل مملوءتان بمخلفات الحشرات والخنافس والجرذان، قد أحاطت بجفنيهما ألوان تشابك فيها الزرقة مع الخضرة مع السواد بصورة تؤكد علاقة هاتين العينين بالمغارتين المذكورتين.
وفم كأنه ثقب في جدار «خمارة» قديمة مشحونة الأجواء، بدخان السجائر المنتن، وبروائح الخمر القبيحة التي لا تدع لتنفس الإنسان السوي مجالاً للتردد في صوره.
هكذا بدا ذلك الوجه الأنثوي المسترجل، وهكذا كانت ملامحه جامدةً جمود تلك الشاشة التي تعرضه.
أما ما نطق به ذلك الفم "الثُّقْب" فقد كان جديراً بأن يكون معروضاً في خمارة قبيحة منتنة، يا لها من صورة بشعة لامرأة رجلة ظلت تهذي بكلام كثير عن الحرية الجنسية، ومصادرة الدين لحرية المرأة، وعن موضوع الحشمة والحياء والعرض والقيم، والأخلاق الحسنة، واصفةً كل هذه الفضائل بأنها أوهام عاش الناس في أسرها زمناً، وان المرأة والرجل مسؤولان عن كل شيء، ولهما الحرية في كل شيء حتى في الدين من حيث الأخذ والترك، والاقتناع وعدم الاقتناع.
وكان من اغرب ما خرج من «ثقب الخمارة» قول صاحبته: الشيوعية أفضل مذهب يرعى حقوق الناس، والشيوعية باقية صالحة لكل زمان ومكان، وإنما سقطت أنظمتها السياسية بسبب سوء التطبيق.
يا للهول أهكذا يستولي الوهم، وتستحكم البشاعة في بعض الغافلين من البشر؟ أتدرون ماذا قلتُ بعد رؤية ذلك الكائن البشري العجيب؟ قلت: اللهم اهدها إلى الحق وعافها من هذا الداء العضال، وحمدت الله - عز وجل - على نعمة الإيمان ودعوته ومازلت ادعوه لي ولكم بالثبات على الحق.
إشارة:
لا تقتلوا بالغفلة الأزهار.
---------
للفايدة