فضل العشر الأواخر من رمضان
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فمن نعم الله علينا أن جعل لنا مواسم خير وعطاء، نستجلب فيها رحمته ومغفرته، ونتخفف فيها من أحمال من الذنوب، وأثقال من الأوزار، ونعود بعدها إن نحن أحسنا استغلالها صفرا من الذنوب، كما وعدنا ربنا -عز وجل- وأعلمنا بذلك نبينا -صلى الله عليه وسلم- وتلك أيها المؤمنون واحدة من النعم العظيمة التي ما قدرها الكثير منا حق قدرها.
وروي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: )إنّ لِرَبِّكُمْ في أيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفحاتٍ فَتَعَرَّضُوا لها لَعَلَّهُ أنْ يِصِيبَكُمْ نَفْحَةٌ مِنْها فلا تَشْقَوْنَ بعدها أبدًا(.
ومن هذه النعم والمنن شهر رمضان وخير ما في هذا الشهر العشر الأواخر منه لوجود ليلة فيه هي خير من ألف شهر كما أخبر الله تعالى بذلك في كتابه قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴾ (سورة القدر).
فضل العشر الأخيرة من رمضان:
أيها الأحبة: ألا وإن أفضل أيام هذا الشهر ولياليه عشره الأخيرة، فأيام العشر أفضل أيام الشهر، ولياليه أفضل ليالي العام كله،
وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخصُّ هذه العشر بمزيد من العبادة، ويضاعف فيها الأعمال الصالحة، فهي سوق عظيم يتنافس فيه العاكفون، وموسم يضيق فيه المفرّطون، وامتحان تبتلى فيها الهمم، ويتميز أهل الآخرة من أهل الدنيا.
وإنما كان -صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر لمعنيين:
أحدهما: لرجاء ليلة القدر.
والثاني: لأنه آخر العمل، وينبغي أن يحرص على تجويد الخاتمة.
وقال ابن بطال: «إنما فعل ذلك عليه السلام؛ لأنه أخبر أن ليلة القدر في العشر الأواخر، فَسَنَّ لأمته الأخذ بالأحوط في طلبها في العشر كله لئلا تفوت، إذ يمكن أن يكون الشهر ناقصًا وأن يكون كاملا، فمن أحيا ليالي العشر كلها لم يفته منها شفع ولا وتر، ولو أعلم الله عباده أن في ليالي السنة كلها مثل هذه الليلة لوجب عليهم أن يحيوا الليالي كلها في طلبها، فذلك يسير في جنب طلب غفرانه، والنجاة من عذابه، فرفق تعالى بعباده وجعل هذه الليلة الشريفة موجودة في عشر ليال؛ ليدركها أهل الضعف وأهل الفتور في العمل مَنا من الله ورحمة».
جرت السنون وقد مضى العمر
والقلب لا شكر ولا ذكرُ
والغفلة الصماء شاهرة
سيفا به يتصرم العمرُ
حتى متى يا قلب تغرق في
لجج الهوى، إن الهوى بحرُ
ها قد حباك الله مغفرة
طرقت رحابك هذه العشرُ
والحمد لله الذي تتم بنعمته الصالحات، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
-----------
للفايدة